Al-Quds Al-Arabi

بقوة الاحتلال

-

يكاد المرء يجزم أن الغرور هو أصل الشــرور في العالم، وأن السنابل الملأى فقط يمكنها أن تحني هاماتها، مع أن شاعراً في حجم المتنبي، على عظمته وامتلائه، لم يكــن لينحني تواضعاً، وللمفارقــ­ة )أو للأمثولة( فإن الغرور كان الســبب في مقتله، حين ذكّره غلامُه، وهو يحاول الفرار من معركة قتله، بأشــهر أبياته: «ألســتَ القائل: الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني .»..

لا ندري إن كان مناسباً اســتحضار المتنبي أثناء الحديث عن مراسلة تلفزيونية ســورية فارغة، ولكن لمَ لا؟ أليست مثله مالئة الدنيا وشاغلة الناس؟ أو هذا ما حاولتْ إفهامَنا إياه في كل حرف، وكل عبارة؟!

«اســتطعتُ أن أكون علامةً فارقــة» هذا أول ما تصفعك به مراســلة ومديرة مكتب «الميادين» في دمشــق. تنصتُ أكثــر، تحاول أن تتأكد من أنك لم تســمع خطأ، فتباغتك بعبارة أخرى، رداً على سؤال المذيع حول منافســيها : «الحقيقة أنني أنافس نفســي »! ثم تتتالى المعزوفة : «عندي جمهور برا سوريا، في لبنان، والعراق..» (وهذا مفهوم طبعاً من مراسلة «الميادين» فإن لم يكن جمهور القناة الإيرانية التوجّه في العراق ولبنان فأين إذاً!( ثم تســتدرك بأن لها جمهورها حتى في الجاليات العربية في المهجــر «ما بدي قول فانزاتي )معجبيّ)» إلى عبارات مثل «بســمع ناس بيقولوا لولادهن ما بدكن تكونوا مثل ديمة؟» «بنبســط لما بيقربوا بنات وبيسألوني: فينا نكون متلك بيوم من الأيام؟».

وإذا كانت هذه نظــرة الجيل الجديد إلى ديمــة ناصيف، فما نظرتها هي إليهم: «طلاب الإعلام اليوم ما عندهم بريق في عيونهم، ولا يريدون معرفة أبعــد من الكتاب الجامعــي. لديهم هوس الظهور أمــام الكاميرا والمايــك». تنصحهم بـ «عــدم التوقف عن القراءة» وتؤكد: «كل شــيء وصلته كان بأظافري .»

تتأمل هذه المقابلة المديــدة، فترى بوضوح أن المديرة والمراســل­ة لم تقرأ ســوى نصف كتاب مدرســي. لا يمكن أن ينطلي على جزء كبير من السوريين )إن اضطروا في مصادفة ما للاستماع إلى تقاريرك( أن مذيعة تبــدأ من «العالم» الإيرانية، وتقضي جلّ تجربتها في «ميادين» دمشــق يمكن أن تستمر وتحيا وتطغى بقوة الكفاءة، لا بقوة الاحتلال.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom