بين الواقع «الإبراهيمي» ووهم «لاهاي»: هل سيتوق الفلسطينيون إلى ترامب وخطته؟
■ رغم الفرح الذي استقبلت به رام الله قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي فتح تحقيق ضد إســرائيل، فإن هذا القرار وما ســبقته من قرارات لم تدفع إلى الأمام عمليــاً، بل ولن تدفع إلى الأمام ولو ميلمتراً واحداً الفلســطينيين نحو تحقيق تطلعاتهم، ولن تحسن وضع السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة وفي غزة.
كما أســلفنا، منذ العام 2004 قضت محكمة العدل الدولية بأن جدار الفصــل الذي أقامته إســرائيل كي تدافع عن ســكانها في وجه موجة الإرهــاب ليس قانونياً، وطلبت منهــا تفكيكه. وفي حينه أيضاً فرح الفلسطينيون، ولكن إســرائيل تجاهلت القرار وواصلت بناء الجدار، الذي ســاهم في تخفيض مستوى العنف الفلسطيني ضد الإسرائيليين.
رغــم إخفاقات الماضي، يواصل الفلســطينيون تعليق آمالهم بقرارات أجسام دولية لهم فيها أغلبية تلقائية من مندوبي الدول التي ما من شــيء بينها وبين العدل، وحقوق الإنسان، والحرية والديمقراطية.
التكتيك الفلســطيني معروف تماماً. بعد فشل محاولاتهم في كســر قوة إرادة إســرائيل بطريق العنف والإرهاب، يأملون في أن تجبــر إجراءات المقاطعــة الثقافية والاقتصاديــة إلى جانب قرارات مؤسســات الأمم المتحدة، إســرائيل علــى النزول على ركبتيها. فضلاً عن ذلك، يعشــعش في أوساطهم أمل بأن الإدارة الأمريكية ســتتوجه ضد إسرائيل في لحظة الحقيقة، مثلما فعلت
إدارة أوبامــا في أيامها الأخيرة في البيت الأبيض، فتجبرها على الاستسلام. ولكن حكم الفلســطينيين أن يخيب أملهم؛ فالمدعية العامة في المحكمة الدولية قد تعبر عن مزاج مناهض لإســرائيل على نمط اليســار الأوروبي، ولكنها لا تمثل روح العصر – لا في إفريقيا التي جاءت منها، ولا في الشــرق الأوســط أيضاً. فروح العصر أجادت بالذات في التعبير عنــه «اتفاقات إبراهيم» التي أوضحت في إطارها سلســلة من الدول العربيــة المتصدرة بأن طريق السلام مع إسرائيل هو الطريق الذي على العرب يسلكوه، وليس طريق الصراع الذي يواصل الفلسطينيون السير فيه دون جدوى. كمــا أن إدارة بايدن أوضحت في وثيقة مبادئ نشــرت الأســبوع الماضي عن سياســتها الخارجية بأن ليس لها أي نية للغرق في مشاكل الشرق الأوسط. وأنها باستثناء التزامها بأمن إسرائيل، لا تولي أي أهمية أخرى لهذه المشاكل.
في نهاية المطاف، سيجد الفلســطينيون أنفسهم وحدهم أمام إسرائيل، وعليهم أن يحســموا إذا ما كان عليهم أن يتوقعوا من أحد آخر القيام بالعمل عنهم.
وفــي تفكير آخر، قــد ينــدم الفلســطينيون لرفضهم خطة القرن التي جاء بهــا ترامب. فمع أنها كانت بعيــدة عن أن تلبي كل مطالبهــم، ولكن أقدامها كانت علــى الأرض، وحظيت بتأييد واســع في العالم العربي، وقبلت إســرائيل شــروطها. لو قبل الفلســطينيون هذه الخطة لكانوا الآن في ذروة عملية ترســيم الحدود وتحقيق الســيادة، ولو على قسم يسير من الأرض التي يطالبون بها. أما الآن فسيبقون بلا شيء سوى شوقهم لترامب.