هل يحتاج الفلسطينيون لـ«تجديد الشرعية»؟
يردد المؤيــدون لإجراء الانتخابات الفلســطينية مقولة إن هذا الاســتحقاق ضــروري لأنــه «تجديــد للشــرعية»، والحقيقــة أن هــذه العبارة ليســت ســوى ضرب من التلبيس والتدليــس والخديعــة، وليــس لهــا ســوى معنــى واحــد وهــو أن الفلسطينيين، ســواء حركة فتح أو حماس، قد تورطوا في فخ إسرائيلي يُسمى «الشرعية».
واقع الحال أن الشــعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتــال، وأن الســلطة الفلســطينية ليســت دولــة مســتقلة، وعليه فــإن حركتي حماس وفتح وغيرهما هي حركات تحرر وطني وليســت أحزاباً سياســية، وهذه الحركات لا تستمد شــرعيتها من الانتخابات، ولا صناديق الاقتراع وإنما مــن كونها تناضل ضد الاحتلال، نضالاً مشــروعاً ومعترفاً بــه ومنصوصاً عليه في القانون الدولي العــام، الذي يعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
ما يحــدث في الدول المســتقلة ذات الأنظمة الديمقراطيــة، أن الأحــزاب السياســية التي تشارك في الحُكم تستمد شرعيتها من صناديق الاقتراع، وعبر الانتخابات العامة، على اعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات، وأن هذا الشعب يقوم بالمفاضلــة بين البرامج السياســية التي تطرحها هــذه الأحزاب، وعليه فــإن البرنامج السياســي الذي يحصل علــى أغلبية أصوات الناخبين يكون قد حصل على الشرعية اللازمة، وهذا كله لا ينطبق على الحال في فلســطين إذ ثمة حركات تحرر، وقوى مقاومة شرعية أصلاً، وتمارس عملها المشــروع ما دام الاحتلال قائماً، كما أن أغلب الناخبين لا يُمكن ســؤالهم، بسبب أن قــوات الاحتلال جعلت منهم لاجئين في دول الشــتات )ثمانية ملايين فلسطيني في الخارج لا يشــاركون في أي عمليــة انتخابية(، وعليه فإن فكرة «تجديد الشــرعية» أصبحت فاسدة برمتها. الأدهى من ذلــك والأنكى، هو أن حركة حماس تم اســتدراجها إلى انتخابات السلطة الفلســطينية في عام 2006، والآن تردد مقولة «تجديد الشــرعية»، والســؤال هنا: هل كانت حركة حماس منظمة غير شرعية قبل عام 2006 أي قبــل أن تحصل على أصوات الناخبين؟ وإذا كانت المقاومة تستمد شرعيتها من الانتخابات، فمن الذي انتخب الشــيخ أحمد ياســن؟ وهو الذي عاش ومات ولم يشارك في انتخابات قط، لا مرشحاً ولا ناخباً؟ والأمر ذاته ينسحب على الرئيس الراحل ياســر عرفات، وهو الذي قاد المقاومــة منذ عام 1965، فهــل أجرى انتخابات انتهــت بفــوزه؟ وهل يجــوز أصلاً اســتفتاء الناخبين، إن كانــوا يرغبون بمقاومة الاحتلال أم لا؟
مقولــة «تجديد الشــرعية» التــي يرددها البعض بحسن نية، أو من دون معرفة بمعناها، تقــوم على افتــراض أن فلســطين دولة مدنية مستقلة وديمقراطية، وأن حركتي حماس وفتح هما حزبان سياســيان يتــداولان على الحكم، ويتوجب أن يستمدا شــرعيتيهما من صناديق الاقتراع وأصوات الناخبــن، والحقيقة أن كل هذا افتراض لا أساس له من الصحة، ففلسطين وشعبها تحت الاحتلال، وحركتا حماس وفتح هما قوى مقاومة أو بالمفهوم السياسي «حركات تحرر وطني»، وهذه تمــارس النضال بصورة مشروعة ما دام الاحتلال مستمراً، بموجب الحق المشروع للشــعب في تقرير مصيره. أما حركة حماس فما يحدث أنه يتم اســتدراجها شــيئاً فشــيئاً لتتحول إلى حزب سياسي يتصارع مع خصمه )فتح( على حصته في سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، والدفع بالحركة نحو المشاركة فــي انتخابات 2021 ليس ســوى جزء من هذا المخطط، الذي يرمــي لتهجينها وتعطيلها، وهو مخطط أغلــبُ الظن أن إســرائيل تقفُ وراءه. إذ بعد أن اعترفــت حماس في 2006 بأن مصدر «الشــرعية» هو صندوق الاقتراع، ودخلت في لعبة «الســلطة» التي كانت أصــاً فخاً نصبه الإســرائيليون لحركة فتح، يُراد لها أن تشارك فــي الانتخابات مرة أخرى لتخســر في اللعبة التي قبلت بقواعدها.
والخلاصــة هنا هــو أن الفلســطينيين بكل أطيافهم لا حاجة لهــم بالانتخابات، فلا حركة فتــح ولا حمــاس يحتاجان «الشــرعية»، لأن شــرعيتيهما تبــدأ بالنضــال ضــد الاحتلال، وتنتــزع بالتخلــي عنه، ولا الرئيــس محمود عباس يحتاج «تجديد الشــرعية» إذ أنه رئيس منظمة التحرير، قبل أن يكون رئيســاً للسلطة، وهو منصب أعلى وأهم وأســمى، أما الشــعبُ الفلســطيني فأغلبه في المنافــي وأولويته أن تتحرر بلاده أولاً ثم يُســتدعى للانتخاب بعد ذلك.
يتم استدراج حماس شيئاً فشيئاً لتتحول إلى حزب سياسي يتصارع مع خصمه )فتح( على حصته في سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال