Al-Quds Al-Arabi

ليبيا: على الضمير الوطني أن يصحو ويسود في جلسة سرت

-

■ توافــد أمس إلــى مدينة ســرت الليبيــة عدد من أعضاء البرلمان ممن ســبق أن أدوا اليمين الدســتوري­ة للمشــاركة في جلســة خاصة تنعقد على مدى يومين وتهدف إلى منح الثقة إلى حكومة عبد الحميد الدبيبة، المشــكلة تنفيذاً لمخرجات ملتقى الحــوار الوطني الذي انعقد مطلع شــباط/ فبراير الماضي، والذي أسفر عن انتخاب ســلطة مؤقتة مــن رئيس للمجلس الرئاســي ونائبين له ودبيبة في رئاســة الحكومــة، تتولى إدارة مرحلــة انتقالية تمهد للانتخابات العامة في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021.

اكتمال النصاب القانوني الكافي لعقد الجلسة كان العقبة الأولى قبيل حصول الحكومة الجديدة على ثقة 86 عضواً، وقد تم تجاوز هــذه العقبة حيث حضر132 من نواب البرلمان الـ188، أما في حال جنح النواب إلى حجــب الثقة فإن مصير الدبيبة ووزرائه ســوف يُحال

إلى ملتقى الحوار السياســي، طبقــاً لمخرجات المرحلة التمهيدية كما نصت عليهــا اجتماعات جنيف. غير أن الفشــل في الحصول على الثقة يعيــد التذكير بمصير حكومــة مماثلة نجمت عــن اتفاق الصخيــرات أواخر العــام 2015 ولم تنــل ثقــة البرلمــان، وبالتالي جمدت عقارب الســاعة أو أعادتها إلى الــوراء بصدد الاتفاق على حل شامل للنزاع الأهلي في ليبيا.

وقد أعلن الدبيبة سلسلة نوايا طيبة تخص تشكيل الحكومــة، مــن حيث أنه اســتند فــي اختيــار الوزراء إلــى أســس التنــوع والتوزيــع الجغرافــي والكفــاءة ومشــاركة المــرأة والشــباب واعتمــاد اللامركزيـ­ـة والعدالة فــي توزيع الثروة. لكن هــذه النوايا لا تحول دون بقاء الكثيــر من العراقيل أمام تمرير الحكومة في مجلــس النواب، وعلى رأســها الصراعات السياســية والاستقطاب­ات المناطقية والمصالح المتضاربة، خاصة

وأن المجلــس لم ينعقد منذ ســنوات طويلة، وليس أدل على إشــكاليته من رئيســه عقيلة صالح الذي فشــلت لائحته في انتخابــات ملتقى الحوار ويعلن ســلفاً أنه يعارض الحكومة المطروحة للثقة.

هذا إلى جانب العقبات الأخرى المزمنة التي تفاقمت علــى مدى ســنوات الصراع بين الشــرق والغرب، ولم يكن المشير الانقلابي خليفة حفتر هو وحده تجسيدها الظاهــري بــل دارت كذلــك حول ســبل الخــاص من انقســامات الجيش والأجهــزة الأمنيــة، والعمل على توحيد مؤسســات الدولة وإداراتها المختلفة وخاصة في قطاع النفط وتقاســم المواقع السيادية، بالإضافة إلــى العائــق المســتعصي المتمثــل فــي كيفيــة إخراج الميليشــي­ات المحلية والمرتزقة الأجانب ليس من ساحة التصــارع فقــط بل خــارج التــراب الليبي نهائيــاً. كلّ هذا ليس يســير العلاج بالطبع، بل قــد يجوز القول إن

معالجتــه مرحلياً وعبر نهج الخطوة التي تمهد لخطوة تالية هو الأنجع، إن لم يكن الوحيد المتوفر أصلاً.

والنواب الليبيــون الذين وافقوا على المشــاركة في جلسة سرت يحســنون صنعاً إذا استمعوا إلى صوت العقل الســليم والضمير الوطني، وتناسوا صراعاتهم وخلافاتهــ­م وامتيازاته­م أو وضعوهــا جانباً مرحلياً علــى الأقــل، ومنحــوا الثقة لحكومــة الدبيبــة بما لها ومــا عليهــا. ذلك يســتكمل خطوة أولى حاســمة على طريق اســتعادة الثقة بالمؤسسات، من رئاسة المجلس والســلطة التنفيذيــ­ة المؤقتــة إلى الحكومــة والوزراء، وتمكينهــا من قطــع خطوات أخــرى ضرورية ولا غنى عنها من أجل اســتعادة الحدود الدنيا من سلم وطني هو بمثابة حاجة ماسة عاجلة ينتظرها المواطن الليبي، الذي طحنته وتطحنه ســنوات الحرب ويظل ضحيتها الأولى والكبرى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom