Al-Quds Al-Arabi

اليوم العالمي للمرأة عند العرب... شيء من المساواة وطغيان مستمر للذكورية

- ٭ كاتب من مصر

■ مــر بالأمس اليوم العالمي للمرأة، ونســاء العرب، وإن حققــن بعض الإنجازات المســاوات­ية وانتزعن هنا وهناك شــيئا من حرياتهن في الحياة الأســرية وأماكن الدراســة ومواقع العمل، على معاناتهن من هيمنة اللغة الذكورية على الحديث العام.

ليس من غيــر المألــوف، عربيا، أن توظــف إعلاميا المقــولات البدائية عن «الرجل الذكر» «قوي الشــكيمة» «صاحــب اليــد غيــر المرتعشــة» فــي مديــح الحكام واختياراته­ــم لوزرائهم ومعاونيهم، ومن ضمنهم بعض النســاء. وليــس بنادر أيضــا أن تصــب اللعنات على المعارضين وتشــوه أدوارهم باســتخدام مفردات بالية من شــاكلة «المخنســن» وإيحاءات جنسية إن بالمجون أو بالمثليــة لكي ينتقص في نظــر العامة من «رجولتهم» بعد أن عرفــت هذه الأخيرة بدائيا وقبليا. ومن ثم يحال المعارضون في اللغــة الذكورية المهيمنــة على الحديث العــام إما إلى خانــات منقوصي الرجولة من «لابســي الطرح» و«منزوعــي الكرامة» أو يصنفــون بالقرب من المواقع التي يميز بها ضد النســاء ويفــرض عليهن من خلالهــا الدور الوحيــد المنتظر منهن فــي عالم الرجال الحقيقيين أقوياء الشكيمة ألا وهو الإذعان دون نقاش.

في مواقع التمييز الذكوري تلــك، وفي خطوة تالية، ينتقص مــن كرامــة وحقوق وحريــات النســاء عبر إخضاعهن لولايــة الرجال الحقيقيين الذيــن لهم ولهم هم فقط منحهن شــيئا من الحــق والحرية حين يمتنعن عــن منازعة ســلطتهم ولهم حرمانهن مــن كل الحقوق والحريــات إن تجاوزن بالمعارضــ­ة أو الرفض. ولذلك، تتورط الحكومات في بلاد العرب وبإيقاع شبه يومي في شيزوفرنيا تعيين بعض النســاء القريبات من السلطة في مناصب تشــريعية وتنفيذية وقضائية مؤثرة ودعم أدوارهن القيادية في القطاع الخاص وتمرير النصوص القانونية الضامنة لحرية النســاء في التنقل والســفر والعمل والمجرمة للاعتداءات الجسدية والجنسية بينما تنزع حرية النســاء المعارضات للسلطة سجنا وحبسا ومنعا من الســفر وتتجاهل تعرض بعضهن لاعتداءات بشعة إن خارج أو وراء الأسوار.

والمريــب في هــذا الصــدد أن اللغــة الذكورية هذه بمكوناتهــ­ا المادحــة للحــكام والحكومــا­ت والذامــة لمعارضيهم من الرجال والنساء والفارضة للولاء كسبيل وحيد أمام النساء للحصول على شيء من الحق والحرية والمهددة بانتهــاك حقوقهن وحرياتهن حال الامتناع عن الإذعان للسلطة تتمدد ويتواصل طغيانها على الحديث العام، بينما حكومات بلاد العرب من المحيط إلى الخليج تزعم العمل المستمر لتمكين النساء وصونهن في المجالين الخاص والعام وكشــف «خــواء» الانتقــاد­ات المحلية والدوليــة التي «تزعم» حدوث انتهــاكات ممنهجة ضد النساء البالغات والقاصرات.

والمريــب أكثر هــو أن المقولات الذكوريــة التي تضع «الرجــل قــوي الشــكيمة» دون غيره في مركــز القوة والســلطة وصنع القــرار وتــروج للمفــردات البالية والإيحاءات الجنســية التي تشــوه المعارضين وتنتهك كرامتهم رجالا ونســاء وتنشر خطاب كراهية مقيت ضد المرأة المســتقلة صاحبة الرأي الحــر وتفرض تصنيفات مريضة لا ترى للنساء من دور ســوى الإذعان للسلطة تحاصرنا، بينما حكومات بلاد العرب تزعم دون استثناء اعتمادها توجها حداثيا يروم المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الحقوق والحريات وفرص الدراسة والعمل والترقي والمشاركة العامة ويروم أيضا المساواة الكاملة في الحياة الأسرية.

تزعــم الحكومات توجههــا الحداثي وتعين نســاء الموالاة في مناصب مؤثرة وتمــرر القوانين لتمكين المرأة

من قيادة السيارات هنا ومن التنقل والسفر دون سلطان الذكور، بينمــا صحافيات معارضات يتعقبن وتشــوه ســمعتهن في المغرب ويزج بهن وبناشــطات نسويات وراء الأســوار أو يمنعن من الســفر في مصر والخليج وتتعرض العاملات الوافدات إلى ظلم وتمييز ممنهج في لبنان والخليج ويفــرض الصمت على الأصوات الناقدة للحكام والحكومات في عموم بلادنا.

والمريب أكثر وأكثر هو أن عديد الأصوات النســائية الحاضرة فــي الحياة العامة وفي المســاحات الإعلامية توظف ذات اللغة الذكورية تماهيا مع الحكام وإســهاما في مديحهم وذما فــي معارضيهم. وحين تكون مثل هذه الأصوات النســائية المتقمصة لهوية «الرجل الذكر» هي المعتمدة رســميا للدفاع عن حقوق وحريات المرأة، فإن فصول مأساة طغيان اللغة الذكورية تكتمل.

ويســترعي الانتباه أيضا أن بعض المفكرين والكتاب من مدعي التوجــه الحداثي ومــن المدافعين عن حقوق وحريات النســاء ومــن مؤيــدي الحكومــات القائمة باعتبارها عربيــا البديل الوحيد للاســتبدا­د الديني لا يســتكنفون اســتخدام مقولات ومفــردات وإيحاءات اللغة الذكورية لنزع المصداقيــ­ة عن آراء من يعارضون ســلطوية الحكومات ومن يختلفون معهــم من رافضي مقايضة ســلطوية باســتبداد. في عالم ذلــك النفر من المفكريــن والكتــاب، يصبح الاهتمام بحقوق الإنســان والحريــات «دليلا» علــى «التخنيــس» أي غياب هوية «الرجل الذكر» القــادر على إعطــاء الأولوية القصوى لصون الوطن وحماية الدولة وتحقيــق الأمن والممتنع عن الالتفات إلــى «صغائر الأمــور» ـ وتلك تغدو على وجــه العموم حقوقنا وحرياتنــا كمواطنين وعلى وجه الخصوص حقوق وحريــات المواطنات في بلاد العرب. في دنيا الذكوريين من المفكريــن والكتاب ليس الحديث عن حقوق الإنسان سوى تعبير مباشر عن «ارتعاش اليد» الذي لا يليق لا بالرجال الحقيقيين ولا بالمذعنات من النساء.

في الجوهــر، لا يختلف هنا تورط ذلــك النفر مــن المفكرين والكتاب العرب في اســتخدام اللغــة الذكورية لنزع المصداقية عــن آراء الباحثين عن الديمقراطي­ــة مــن النســاء والرجال عــن تورطهم هم وغيرهم ممن ســبقوهم زمنيا في التخلــي عن المفاهيم العلمانيــ­ة والليبرالي­ة التــي رفعوا شــعاراتها طويلا وأســقطوها لتأييد الســلطوية الحاكمة. فــي الجوهر، تحضــر هنــا أيضا أصــوات نســائية تتقمــص هوية المفكرين والكتاب الذكوريين من مدعي التوجه الحداثي وتعيد إنتاج مقولاتهــم ومفرداتهم وإيحاءاتهم المنتهكة لكرامة المعارضات والمعارضــ­ن والقائمة على اغتيالهن واغتيالهم المعنوي، بالقطع دون تدبر جاد أو مستقل في كرامة المرأة التي تنتهك بالتبعية بفرض الموالاة والإذعان وفــي دورها الذي يهمــش مجددا تحت وطــأة التهديد بالانتقاص من الحقــوق والحريات أو ســلبهم الكامل. في الجوهر، يتطابق تخلــي الذكوريين والذكوريات عن قيم الديمقراطي­ــة والعلمانية والليبرالي­ــة مع تلاعبهم بالمساواة بين النســاء والرجال وقبولهم للانتقاص من حقوق وحريات المرأة.

ليســت الذكورية إلا مرضا عضالا يصيب المجتمعات التي تعاني من شرور الســلطوية، ولا شفاء من المرض إلا بالانعتاق من الشر المسبب له. كل عام ونساء العرب والعالم في حال أفضل.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom