إطلاق منصة جديدة روسية - قطرية - تركية من الدوحة: هل نشهد بداية الحل في سوريا؟
أطلقالثلاثيالقطري التركي الروســي، فرصة جديــدة أمــام الملف الســوري للخروج من مرحلة الانســداد إلى مســار جديد ومنصّة تعاون بــن الــدول الفاعلة في ســوريا، حيث أصدرت الــدول الثلاث الخميس بياناً مشــتركاً على مســتوى وزراء الخارجيَّــة، التركي مولود تشــاووش أوغلــو، والقطــري محمــد بن عبد الرحمن آل ثاني، والروســي ســيرغي لافروف، عقــب عقدهم لقاء ثلاثياً فــي العاصمة الدوحة، على أن تنعقــد الجولــة المقبلة مــن المباحثات الثلاثية في العاصمة أنقرة ومن ثم في العاصمة موسكو.
ويعتبر توقيت اللقاء هو الأهم، في ظل الوضع الاقتصــادي الخانق الــذي يعاني منــه معظم الســوريين، خاصة أولئك الذين يعيشــون في مناطق ســيطرة النظام، وبالتالي، ثمة محاولة تقودها الدبلوماسية الروسية تلوح في الأفق من أجل خلق مسار جديد، مضمونه سياسي بغطاءٍ إنساني.
وعلى ضوء ما تقدم، يبرز ســؤال مهم، وهو، هل بات مسار أستانة في حكم الميت؟ وهل سيتم الاستعاضة عنه بمسار جديد بعيد عن المشاركة الإيرانيــة؟ وهو ما يفهم مــن حديث لافروف أنه من الممكن عقد لقاءات مشابهة في المستقبل، قائلاً أن «النقاط المشــتركة بين الدول الثلاث ستكون ملحقاً مفيداً لمسار أستانة».
وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو قال الخميــس إن بلاده تواصل الدفاع عن وحدة الأراضي الســورية وحماية المدنيــن ومحاربة التنظيمــات الإرهابيــة. وتحدث خــال مؤتمر صحافي مشترك عُقد، عقب اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية تركيا وروســيا وقطر، عن إطلاق مسار ثلاثي جديد للمشــاورات حول الملف الســوري مع نظيريــه القطري محمد بن عبــد الرحمن آل ثاني، والروســي ســيرغي لافروف. معتبراً أن الاجتماعات كانت مثمرة للغايــة، والهدف منها مناقشة سبل المساهمة في الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي دائم للأزمة السورية.
وأضاف: ندعــم جميــع المبــادرات الدولية الهادفــة لإيجــاد حــل سياســي على أســاس معايير الأمم المتحــدة، إن المباحثات التي جرت فــي الدوحة اســتعرضت أعمال تشــكل اللجنة الدستورية في ســوريا. كما تطرقت إلى الوضع الإنساني في ســوريا، والذي تفاقم أكثر وظهرت عوائق جديدة بسبب تفشي فيروس كورونا.
وأكّد على ضرورة أن يبدي النظام الســوري موقفًــا بناءً أكثر كي تكــون الاجتماعات القادمة مثمرة بشأن اللجنة الدستورية. وذكر أنه قرر مع نظيريه القطري والروسي مواصلة الاجتماعات الثلاثية بشــكل منتظــم، وأن الاجتمــاع التالي ســيعقد في تركيا، كما الاجتماع الوزاري الثالث ستستضيفه روسيا، وسيكون ذلك ضمن فترات معينة بغية تأسيس الســام والاستقرار الدائم في سوريا.
مدير مركز جسور للدارسات تحدث لـ«القدس العربي» عن أبرز النقــاط التي تمَّ الاتفاق عليها، وعلى رأســها التعاون لتخفيفِ الأزمة الإنسانية في ســورية عبر تســهيل وزيادة المساعدات في جميع أنحاء ســورية، بما فيها المتعلّقة بمكافحة فايــروس كورونــا، والتعــاون لدعــم العملية السياسية في إطار اللجنة الدستورية وبموجب قرارات مجلس الأمن لا سيما القرار 2015( 2254 .) وكذلــك مخرجات مؤتمر سوتشــي، وعليه؛ من المقــرّر انعقاد الجولة السادســة مــن مباحثات اللجنة الدستورية قبل شهر رمضان 2021، ودعم
مبادرات بناء الثقة التي تســاهم في خلق أجواء إيجابية للعملية السياســية؛ وخصوصاً إطلاق ســراح المعتقلين، والتأكيد على استمرار مكافحة التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية.
وقــال الخبير فــي العلاقــات الدولية محمد سرميني لـ «القدس العربي » إن الاجتماع الثلاثي يبدو كمنصّة تعاون جديدة بين الدول الفاعلة في ســوريا، بما قد يُفضي إلى إطلاق مسار داعمٍ أو موازٍ لمسار أستانة.
وحــول الموقف الروســي، قــال المتحدث من الواضح أنَّ موسكو تســعى للتوصّل إلى صيغة جديدة بشأن سوريا مع حلفاء الولايات المتّحدة في المنطقة، على أمل التوصل إلى تفاهم معهم بما يمكن تسويقه روسياً في واشنطن، لا سيما وأنّ التعاون الثلاثي ســيُركّز على ملف المســاعدات الإنسانية الذي لا تعارضه إدارة جو بايدن.
تنازلات روسية
في المقابل، يُمكن الاعتقاد أنّ قبول تركيا وقطر بالتعاون للتخفيــف من الأزمة الإنســانية عن سوريا، وبالتالي مناطق ســيطرة النظام، جاء مقابل تنازل أو تعهّد بتنازل روســيا في العملية السياســية، على أن تفضي الجولة السادسة من مباحثات اللجنة الدســتورية المرتقبة للتوصّل إلى اتفــاق على المبادئ الدســتورية، وهو ما قد يلقى قبولاً بالنســبة للولايات المتّحدة. وأضاف «يُلاحــظ أنّ روســيا حاولــت توســيع قائمة الامتيازات لتشــمل تطبيع العلاقات العربية مع النظام الســوري، لكــن ذلك لم يلــقَ قبولاً لدى قطر التي أكّدت أنّ أســباب تعليق العضوية في الجامعة العربية ما تزال قائمة، وبالتالي حصرت المباحثات ضمن العملية السياسية والمساعدات الإنسانية .»
وعن اســتبعاد طهران مــن الاجتماعات، قال «مع أنّ الاجتمــاع الثلاثي يســتبعد إيران، لكن روســيا حاولــت إيصال رســائل طمأنــة إليها بالتأكيــد على أنّ هــدف المنصة هو دعم مســار أستانة الذي تتواجد فيه إيران.»
وأضاف: في الواقع قد يكون الغياب الإيراني مردّه إمّا إلى تفاهم مشترك بين موسكو وطهران يقضي بفصل الملف الســوري عن المفاوضات مع الولايات المتّحدة حول الملــف النووي والعراق واليمن ولبنان، أو نتيجة عدم الرضى من إيران، التــي لا ترغب فــي تقديم النظام الســوري لأيّة تنازلات في العملية السياســية وغيرها. وأبدى المتحدث اعتقــاده ان الاجتماع الثلاثي يشــكل فرصة جديــدة للخروج من الانســداد في الملف الســوري، معتبراً أن ذلك يحتــاج إلى خطوات تعزّز مــن الثقة بين الدول الضامنة ســواء على مســتوى العمليــة السياســية أو المســاعدات الإنســانية. وانتهى المتحدث بالقول «ومع ذلك، يبقى التوصّل لحل سياسي مستدام أمراً بعيداً.»
وزير الخارجية الروســي ســيرغي لافروف، قال إن بلاده تتفق مــع تركيا وقطر على ضرورة التوصــل إلى حل سياســي للأزمة الســورية، مشيراً إلى أن الوزراء الثلاثة أكدوا على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في إطار القرار الأممي رقــم )2254(. وقــال إن البلــدان الثلاثة تتخذ موقفاً مشــتركاً إزاء وحدة الأراضي الســورية وســيادتها، مؤكداً على أهمية إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين المحتاجين.
وأوضــح لافروف أنه من الممكــن عقد لقاءات مشابهة في المستقبل، قائلاً إن «النقاط المشتركة بين الدول الثلاثة ســتكون ملحقاً مفيداً لمســار أستانة .»
المعارض السياســي دوريش خليفة اعتبر أن ثمة محاولة تقودها الدبلوماسية الروسية تلوح في الأفق مــن أجل خلق مســار جديد، مضمونه )تســول سياســي(. وقــال خليفــة لـ«القدس العربي»، إن الروس لا يمكنهم إعادة تعويم نظام الأســد، في ظل الوضع الاقتصادي الخانق الذي يعاني منه معظم السوريين، خاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام.
وفي العودة لزيارة وزير الخارجية الروســي سيرغي لافروف إلى دول الخليج العربي، يعتقد المتحدث بأنها تحمل هدفين، أولهما مفاوضة دول أوبك لرفع أســعار النفط، لأن الموازنة الروسية تعتمــد على أســعار النفط والغــاز حيث يعتبر انكماش الاقتصاد الروســي الأكبــر خلال العقد الأخير. أما المغزى الآخر، فيطالبهم بمد يد العون لســوريا ككتلة جغرافية متكاملة، لأن )لافروف( يدرك أن الخليجيين لن يفتحوا خزائنهم في حال لم يتم الانتقال السياســي وفق القــرار الدولي 2254. وهذا ما أكدته المملكة السعودية مراراً عبر وزير خارجيتها. وركــز الأمير فيصل بن فرحان في الاجتماع الأخير على مناقشــة الملف السوري بالتفصيل.
تكتيك جديد
وفــي رأي المتحــدث، فإن روســيا في مأزق بســوريا، الأمر الــذي يجعلها تفكــر بجدية في الضغط مــن أجل تأجيل الانتخابات الرئاســية السورية، التي من المفترض إجراؤها في منتصف شــهر نيســان/ أبريل حتى منتصــف حزيران/ يونيو المقبــل. ولكن في المقابل، مــن المتوقع أن يرفض حلفاء النظام - الإيرانيون هذا الاقتراح.
ويبدو أن روسيا تخلق تكتيكاً جديداً، وتحاول إلقاء حجر في الماء الراكد، حيث يجمع مراقبون على أن يكون اللقاء قد أفضى عن تنازلات روسية حول العملية السياسية، تعهدت موسكو خلالها بدفــع الجولة السادســة من مباحثــات اللجنة الدســتورية إلى اتفاق على المبادئ الدستورية، وفي هذا الإطار تحدث الباحث الساســي فراس علاوي عــن محاولة الدبلوماســية الروســية تحريك الملفات بما يخص الملف السوري، معتبرًا أن توقيت الزيــارة يدل على أن روســيا تنتهج تكتيكاً جديداً في دبلوماسيتها بما يخص الشرق الأوسط.
فبعــد سلســلة الاســتدعاءات والرحيل إلى موســكو التي امتازت بها الأعوام السابقة، حين كانت موســكو وجهة الدبلوماسية العربية إبان التدخل الروســي الكبير في سوريا، يبحث الآن رئيس الدبلوماســية الروسية وعرابها سيرغي لافــروف فــي العواصــم التي تناصــب حليفه الأســاس بشــار الأســد العداء عن حل. وقال «علاوي» إن المأزق الروســي بــدا واضحاً بعد فشــله في دفع بعض الدول العربية لإعادة نظام الأسد للمحيط العربي بعد الفيتو الأمريكي على ذلك، ما دفع موســكو إلى البحث عن الربع ساعة الأخير مــا قبل تقديم تنازلات مؤلمة في ســوريا. وأضاف «السياســة الروســية على اســتعداد لتقديم بعض التنازلات هنا وهناك لدول إقليمية مقابل مشاركتها في إعادة الإعمار حتى لا تضطر للعودة إلى طاولة المفاوضــات الأمريكية والتي ستخســر فيها كثيراً وفي أكثر مــن ملف أبرزها سوريا وأوكرانيا، الاقتصاد الروسي الذي يترنح تحت ضربات العقوبات الغربية والخســائر في ســوريا، ســيضطر لدخول حرب وسباق تسلح جديد في خطوة تحســب لترمب بإعادة الحياة للحرب البــاردة وبالتالي إرغــام الروس على سباق تسلح جديد بعد الانســحاب من معاهدة حظر الصواريخ .»
وحول هذه التنازلات الروســية قال المتحدث لـ«القدس العربي» «لايــزال الوقت مبكراً لمعرفة ذلك لكن على ما يبــدو أن وقت التنازلات قد بدأ، فلافروف يريــد من الخليج المال والدعم الإقليمي مقابــل تحقيق بعــض المطالب في ســوريا مثل إقصاء إيران وربما تغيير شكل النظام السوري وهو أقصى ما تستطيع روســيا تقديمه حالياً.» واعتبر أن «الكرة الآن في الملعب العربي وخاصة الخليجــي في تغييــر قواعد اللعبة في ســوريا واســتعادة المبادرة عربياً في العراق وســوريا واليمن وتحقيق توازن ما بين الرغبات الروسية والإمــاءات الأمريكية وبالتالــي الوصول لحل يجعل من روســيا شريكاً غير خاســر لكنه غير رابح في سوريا.
انتقال سياسي
المعارض السوري عمر إدلبي اعتبر في اتصال مع «القدس العربي» أن التحــرك الثلاثي، تقف وراءه قناعة روســية بأن الحل في ســوريا لن يكون دون حوار ودعم حلفاء المعارضة، حتى لو توصلت موسكو إلى تفاهمات مع واشنطن.
واعتبر أن لافروف ســمع فــي الدوحة كلاماً واضحاً عن الاستعداد للمســاهمة بوقف انهيار الدولة الســورية )الوشــيك( وفق خطة عملية تنفيذية واضحــة؛ تفضي إلى تنفيذ كامل متدرج للقــرار 2254، وبمرجعية أممية؛ لا علاقة لمســار أستانة بها. وأبدى المعارض السوري اعتقاده أن التنســيق الثلاثي الجديد فرصة ليخرج الروس من أزمــة قد تورطهم أكثر في ســوريا؛ ويدعموا حلاً سياســياً يقود للانتقال السياسي، ويخرج الأســد من الســلطة، ويفتح أفقاً لإنهاء معاناة السوريين.