Al-Quds Al-Arabi

«رؤوس تتدحرج» في الأردن... مجاز «لغوي أم سياسي»...؟ أزمة الوباء ... ووزير داخلية بلهجة «عسكرية» «تغير الطباع»

- عمان «القدس العربي» من بسام البدارين:

قــد يعكس التعبيــر الذي اســتعمله وزير الاتصال الناطق الرســمي باســم حكومة الأردن صخر دودين، رغبة في «المجــاز اللغوي» تعكس المجاز السياســي الذي يســعى لتهدئة الرأي العام بالتــوازي مع إظهار «الشدة في الاتجاه المعاكس للتسيب» الإداري.

لكــن الإثارة التي رافقت اســتعمال عبارة «رؤوس ســتتدحرج» تدل أيضاً على مســتوى الأزمة الفيروســي­ة التي تتفاعل كما لم يحصل من قبل في المشهد الأردني، خصوصاً أن المسألة تتعلق برؤوس «موظفين» على الأرجح من مســتويات إدارية بسيطة يمكن إحالتهم للقضاء بتهمة «تسريب وثائق رسمية».

الوزير دودين يحاول الإعلان عن وجود «لســان مختلف وشــفاف وصلب» ينطق باسم الحكومة حالياً في ظرف حساس للغاية، يتحدث فيــه مدير المركز الوطنــي للوباء الدكتور فراس هــواري عن «توصيات خبــراء» تطلــب من الأردنيــن «إغلاق المملكــة» بكاملها للســيطرة على الوباء.

الهواري بدوره يكشف لسبب عن تلك التوصيات بالإغلاق الشامل، وإن كان يعكس مجدداً مســتوى التزاحــم في الاجتهادات والنصوص التي تدل ليس على الأزمة نفســها ولكن على اتجاهات متعددة تحاول منهجة وبرمجة التشدد والحظر والإغلاق، فعمان احتلت المركز الرابع عربياً وحظيــت بموقع متقدم عالمياً قياســاً بالوباء وعــدد الإصابات، وتحديات المخاطر بدأت تضرب بقوة على المفاصل الحساســة للقطاع الطبي.

لذلــك، يبــذل الوزيــر دوديــن جهــداً إضافياً فــي طمأنــة الأردنيين واســتعمال المجاز اللغوي والمجاز السياســي حتى تتمكن الحكومة من الحفــاظ على توازنات تخل بها بالعــادة إدارة المخاطر، وإن كان الوزير نفسه يتحدث لصحيفة عمون المحلية عن ظهور فعاليات «رقابة جديدة» شــعبية وليس دســتورية فقط على الحكومة، حتــى عندما يتعلق الأمر بـ «كلمات الوزراء .»

يبــدو دودين هنــا ودوداً ومقرباً مــن إيقاع الناس، ويريــد أن يظهر الضجر الرســمي والأمني والبيروقرا­طي من ظاهرة «تسريب القرارات والوثائــق» التــي عانت منها فــي الســنوات الأخيرة كل المؤسســات، فإجــراءات التحقيق مســتمرة فــي مقر رئاســة الوزراء، والمســؤول­ية ســيحددها الفنيون، والعقوبة سيرســمها القضاء. وحســب دودين، فـ»مسألة التسريب ينبغي أن تتوقف.»

تعلم «القدس العربي» أن تلك هــي توجيهات رئيس الوزراء الدكتور بشــر الخصاونــة، الذي يحــاول إعادة إنتــاج المضمون لعبــارة «هيبة الدولة» عبر إصدار سلســلة قراءات ســريعة وشــجاعة عندما تحصل مشــكلات كانت حكومــات الماضي تراوغها أو لا تتعامل معها بحســم وصلابة حصرياً مثل «تسريب الوثائق.»

يعلم الجميع بأن عدداً أكبر مما ينبغي من مذكرات ووثائق الحكومة الرســمية يصل لوســائل الإعلام والمنصات، وأحيانــاً لمنابر المعارضة الخارجية، قبل إعلانها أو حتى اعتمادها، وسبق للحكومة السابقة أن صمتت على هذه الظاهرة. وهنا مــا يريد قوله الخصاونة بأن حكومته معنية بمواجهة واقع الأمر عندما يتعلق الأمر بتسريب وثائق وقرارات أوامر الدفاع في مرحلة الاشتباك مع الفيروس كورونا.

وعليــه، يمكــن قــراءة مجاز الوزيــر دودين فــي هذا الســياق، فمن يحتــرف تســريب الوثائــق أصلاً مــن مقر رئاســة الــوزراء وحتى من

مؤسســات «ســيادية» في بعض الأحيان هم موظفــون بيروقراطيو­ن علــى الأرجــح، ويخضع بعضهــم للحماية والتســتر. فوق ذلــك، يعلم الجميــع بأن تســريب الوثائــق والقــرارا­ت جزء حيــوي ومفصلي من «النكايات» أحياناً بين المؤسســات والشغب المتبادل بين مراكز القوى في بعض مؤسســات الدولة، الأمر الذي يعتقد أنه التلميح الباطني في تصريح دودين عن «رؤوس ســتتدحرج» تبــن لاحقاً أنها «قد لا تفعل» وإن كانت رســالة المجــاز اللغوي السياســي قد وصلت فــي كل حال وبذكاء حاد من الوزير دودين «إلى كل من يهمه الأمر.»

الحكومــة هنا وفــي هذه الجزئية تريــد أن تقول بــأن طبيعة الأزمة الحاليــة تتطلب عودة تســريب مفهــوم «الولاية العامــة» وقد برز ميل الخصاونــة لذلــك بعد التعديــل الوزاري الأخيــر ومرحلة العــودة إلى الاختصاص الدســتوري والصلاحيات­ي التي أمر بها علناً الملك عبد الله الثاني الشهر الماضي، حيث سارع الخصاونة أصلاً لإبلاغ الوزراء قبل التعديل الأخير بأن التمكين الدستوري في التنفيذ توجيه ملكي يشمل الوزراء أيضاً لا الموظفين الأمنيين فقط.

وعلــى ضفاف مــا تفعله الأزمــة الفيروســي­ة وتنتجه مــن تحولات نخبوية وسياســية لا يســتهان بها في صلب الحكومــة، فمن الطبيعي القــول بأن «المجاز السياســي اللمــاح» في بطن وباطن عبــارات الوزير دودين قد يشمل لغة ولهجة وزير الداخلية الجديد أيضاً العميد سابقاً والوزيــر حالياً مازن الفراية، فقد ظهر الرجل في اجتماعات ومؤتمرات تحــدث فيها عــن «توقــع الحدث قبــل حصوله» وعــن «إصــدار أوامر للحكام الإداريين». اللهجة العســكرية واضحة وغير مألوفة وزارياً في لغة الفراية خلال مؤتمر صحافي، والمسألة لا يمكنها أن تكون «مجازية لغوية» أيضاً؛ فقد استعان مركز القرار بعسكري شاب متخصص أدار الأزمة أصلاً طوال العام الماضي في وزارة مدنية ســيادية ضخمة مثل الداخلية، لســبب. وهو سبب من المرجح أنه يخدم في اتجاهين لا ثالث لهما، تتطلبهما المرحلة الحساسة اليوم.

الاتجاه الأول، التفرغ السياسي الصارم إدارياً وسياسياً في مسألة وتفصيلات الاشتباك مع الفيروس كورونا بعدما وصلت الأمور وبائياً إلى منحنيات مخاطر حرجة للغاية.

والاتجاه الثاني، تعزيز الاشــتباك مع مسألة الاختصاص وتقاسم الأدوار والعــودة لمفهــوم «حكومــة شرســة» ورئيــس وزراء صارم لا يتــردد عند حصــول خطأ، بمعية وزيــر داخلية يقولها بوضــوح وعلناً بلغة «الأوامــر» وتحديداً للحــكام الإداريين، ويرافقهما لســان وزاري «فصيــح» يعلم ما يجري، ويســرب «الرســائل بــدوره» عندما يحصل «تسريب» تحت لافتة «المجاز اللغوي.»

 ??  ?? وزير الاتصال صخر دودين
وزير الاتصال صخر دودين

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom