Al-Quds Al-Arabi

عقدة مغاربيات في يوم المرأة العالمي: مشاهد من هنا وهناك!

-

لم يدرك «شــهرزاد» الصباح بعدُ، لذلك لم تسكت عن الكلام المباح، فما زالت حكاياتها تتناســل بعــد مرور الاحتفال بيــوم المرأة العالمــي، وصارت حديث القنــوات التلفزيوني­ة العربيــة والعالمية ومختلف وســائل الإعلام الأخرى... حكايات بطعــم مغاربي هذه المرّة، اختلفت تفاصيلهــا، وتعددت موضوعاتها، وتشعبت مراميها.

في الجزائر، لم يمنع التقدم في السن المناضلة لويزة إغيل أحريز من الخروج إلى الشارع، مع شقيقاتها للتظاهر والمشــارك­ة في الحراك الاجتماعي الُمناهض للسياسات المتّبعة، حيث هتفن بلســان واحد، مُطالِبات بتعديل قانون الأسرة الذي يعتبرنه ظالًما لهنّ ومنتقصًا من قيمتهن وإنسانيتهن.

والواقع أن السِّــجلّ النضالي للســيدة لويزة حافل بالمواقف المشرّفة، منذ مشــاركتها في المقاومة ضد المستعمر الفرنسي لبلادها وتعرُّضها للتعذيب أثناء اعتقالها، وصولاً إلى تقديمها الاستقالة من «مجلس الأمة» (البرلمان الجزائري( احتجاجًا على «العهدة الخامسة» للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

«المجاهــدة لويزة» وفــق الوصف الــذي يُطلقه عليها أبنــاء وبنات بلدها، ذات جــذور قبائلية أمازيغية، وُلدت في مدينة وجــدة المغربية )مثلما وُلد فيها جزائريــون آخرون(. حاضــرةٌ في كل محطــات التاريخ السياســي للجزائر الحديثة «أيقونةً» للتحرر والكرامة ولبطولة المرأة الجزائرية.

عبير موسي... مُغنّية!

أما في تونس، فإن عبير موسي النائبة البرلمانية ورئيسة «الحزب الدستوري الحر» تبحث دائمًا عن افتعال الحدث، لا أن تكون هي نفسها الحدث، أو أن تجعل من إنجازات ما حدثًا مميزًا يثني عليها الآخرون.

ويبدو أن قضيتها ليســت هــي العدالة الاجتماعيـ­ـة والديمقراط­ية وحقوق الإنســان، وإنما القضية تتلخص في محاربة «الإســاميي­ن» لا غير، من منطلق أنهم هم أنفســهم يحاربون مُخالفيهم في المواقف السياســية أو في فهم الدين وتأويله.

تناقلت وســائل الإعلام منذ أيــام «فيديوهات» للســيدة عبير، وهي ترغي وتزبــد، مقتحمة مقر حــزب «الاتحاد العالمي لعلماء المســلمين» فــي العاصمة التونســية. ولو كانت تملك «بلدوزر» لما توانت لحظة في تحطيم ذلك المقر، لأنها تتصور كما لو أن الدولة تُختصر فيها هي وحدها، وأن السلطة بيدها، والقوانين بيدها، وأدوات القمــع بيدها... والهدف: الوقوف ســدًّا منيعًا ضــد «أَخْوَنَة» تونس... شــعار يتردد في تجمّعاتها الخطابية عبر المدن التونسية. ومن كثرة ولعها بذلك الشــعار، ترجمته إلى أغانٍ صارت ترددها وسط أنصارها، مُنافسةً كلّ المغنّيــات اللواتي يملأن الشاشــات العربية، دون أن تجــد مَن يقول لها إنّ صوتها يمكن أن يصلح لأي شيء إلا للغناء!

مشــكلة العديد من «الحداثويين» في أكثر من بلد فــي العالم، أنهم ذوو فكر اســتبدادي شــمولي لا يقلّ خطورة عن فكر المتطرفين الدينيين، سواء كان هذا التطرف تحت غطاء فهمهم الخاص للإسلام أو للمسيحية أو لليهودية؛ ومن ثم، فالقاسم المشترك بين «الحداثويين» و»الإسلامويي­ن» في العالم العربي هو إلغاء الآخر، والرغبة في قتله رمزيا أو مادّيا.

«حرب النساء»

وفي المغرب، تركت المغنيتان دنيا بطمة وســعيدة شــرف الغناء، وتفرّغتا للحرب الكلامية بينهما. فبعدما أدانت المحكمة ـ ابتدائيا واســتئناف­يا ـ بطمة في قضية الحســاب المعروف على مواقع التواصل الاجتماعي والمختص بالإساءة للمشــاهير وابتزازهم، اســتنجدت بمحاميها من أجل محاولة «تبييض» ملفها القضائي، فنظمت مؤتمرا صحافيا حضره ممثلو وسائل الإعلام.

لو توقــف الحدث العادي عند هــذا الحد لهانت الأمور، ولكــنّ مُحامي دنيا بطمة اختار التركيز على ســعيدة شرف باللمز والهمز. فما كان من هذه الأخيرة ســوى أن ردّت الصاع صاعين، إذ لم تكتف بتنظيم مؤتمر صحافي واحد، وإنما أقامت مؤتمرين متتابعين في اليوم نفسه والمكان ذاته، بالنظر لكثرة الإعلاميين الذين توافدوا على المكان، وأيضا لما تتطلبه الإجراءات الاحترازية التي تفرضها جائحة «كورونا». بعد مرور أســبوع على مؤتمر دنيا بطمة، استجمعت المطربة المشــهورة بالغناء الصحراوي قواهــا، وهيأت ملفاتهــا ومرافعاتها، وجاءت لوحدها في مواجهة الكاميرات والميكروفو­نات وأســئلة الصحافيين، ولم تكن شرف مســنودة بمحامٍ ما، مثلما فعلت دنيا؛ بل أكثر من ذلك أنها تحدّت محامي هذه الأخيرة بإشهار الأحكام القضائية أمام الملأ، لتفنّد مقولة «براءة» بطمة من الاتهامات. وبذلك، تابع جمهور شبكات التواصل الاجتماعي مشهدا من «حرب النساء» بمناسبة يوم المرأة العالمي!

«كليشيهات»

فــرص المغربيات ضئيلــة ومحدودة فــي البرامج الإخباريــ­ة التلفزيوني­ة والإذاعيــ­ة. واقع دفع «الهيئة العليا للاتصال الســمعي البصــري» إلى تنظيم ورشــة تفاعلية، بهدف بحث سبل تحقيق المناصفة والمساواة للمرأة في الإعلام الســمعي البصري. وخلال تلك الورشة لاحظ مشــاركون أنه على امتداد عشر ســنوات ما زال الحضور النسائي في البرامج الإخبارية التلفزيوني­ة والإذاعية يتراوح ما بــن 8 و15 في المائة. لذلــك، تؤكد لطيفة أخرباش، رئيســة الهيئة العليا للاتصال الســمعي البصري، أن حضور النساء في الفضاء العمومي مهم جدا، ونكســب منه كثيرا، من جهة المجتمع يكســب تملُّكا جماعيا لقيم المناصفة والمســاوا­ة، ومن جهة أخرى تكسب المرأة ثقة أكثر في النفس وتتمكن من تقوية قدراتها القيادية، بفضل مشاركتها وإسماع صوتها عبر الإعلام.

مســار طويل، ينبغي أن تناضل من أجله الناشطات الحقوقيات المغربيات، حتى تتغير الصورة النمطية للمرأة في الفضاء الســمعي البصري الذي ما زال يحصرها في «كليشــيهات» ضمن البرامج الاجتماعيـ­ـة والفنية وبرامج الطبخ والتزيين، ولا يفســح لها المجال غالبًا للمشــاركة في برامج النقاش السياسي والفكري والقانوني.

واقع وطموح

الأمر نفسه ينطبق على مجتمعات مغاربية أخرى، فما زالت النساء رهينات الصــورة النمطية المتكررة. ومع ذلــك، كان لافتا للانتباه بمناســبة يوم المرأة العالمي أن ناشــطات ليبيات بدأن يبــرز عبر القنــوات الفضائية للتحدث عن واقع وطموحات المرأة في بلادهن. مثلما حدث مع ابتســام عبد المولى، رئيســة منظمة العشــرة لتمكين المرأة في حديثها لقناة «فرانــس 24» ـ العربية، وأيضا مع الدكتورة عبير أمنينة، مدير مركز وشــم لدراســات المرأة، في لقائها مع قناة «اليوم»؛ حيث أكــدت مختلف التصريحات أن العادات والتقاليد الليبية جعلت مشــاركة المرأة ضعيفة وســط التدافع الذكوري للســلطة، فضلا عن التضييق السياسي عليها من لدن النظام السابق.

وفــي موريتانيا، توجد قضية المرأة ضمن محور اهتمامات الســيدة الأولى، الدكتــورة مريم منت محمد فاضل ولد الداه، زوجة الرئيس محمد ولد الشــيخ الغزواني، التي تعمل طبيبة أســنان. وتســجل حضورها المميز في هذا المجال من خلال أحاديثها الصحافية ومشــاركات­ها في المنتديات العربية والدولية، كما حصل أخيرا خلال إلقائها كلمة عبر تقنية الفيديو في افتتاح مؤتمر منظمة المرأة العربية في العاصمة اللبنانية، حيث تحدثت بفصاحة وبلغة عربية سليمة.

«ماما فرنسا»!

بثّ التلفزيون المغربي في نشــرته الرئيســية بالعربية الأســبوع الماضي، تقريرا إخباريا عن دعم واشــنطن لمقاولات ناشــئة في المغــرب. وكان لافتا أن القائم بأعمال الســفارة الأمريكية في الرباط أعطى تصريحا للقناة، تحدث فيه باللغــة العربية الفصحى، بينما اختار مغربي صاحب مقاولة ناشــئة الحديث باللغة الفرنســية. وفي تقرير آخر ضمن النشــرة نفســها، كانت الفرنســية مسيطرة على لســاني الوزير حفيظ العلمي، وزير الاقتصاد المغربي، وإدريس بطاش، مدير الشراكات الدولية بمكتب التكوين المهني، خلال تقديمهما تصريحا تلفزيونيا للقناة الأولى. ما يعني أن عددا من المســؤولي­ن المغاربة لم يتخلصوا بعد من عقدة المستعمر القديم «ماما فرنسا!»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom