Al-Quds Al-Arabi

إلى الجالسين في «لاهاي»: ما معنى أن تطعّم إسرائيل العمال الفلسطينيي­ن «في أراضيها» وتترك أهل الضفة وشأنهم؟

- أليشع بن كيمون

مشــروع تطعيم العمال الفلســطين­يين هو حملة مهمة جداً، وهي إحدى المرات القليلة التي تقدم فيها إسرائيل للفلسطينيي­ن المســاعدة من المصدر الأول: ليســت أموال الرواتب عبر الســلطة الفلسطينية، وليس من خلال بادرة إنســانية عبر وســطاء من دول عربية، بل «بلدي» مباشرة، أي أن الفلسطيني يكشف كتفه واليد الإسرائيلي­ة تطعمه. ولكن علينا ألا نقــف عند العمال: إســرائيل ملزمة بــأن يتلقى كل الفلســطين­يين فــي الضفــة اللقاح. في ســاعة صباحيــة متأخرة من يــوم الثلاثــاء، وصل آلاف العمال الفلســطين­يين إلى محل مصنــع «ديبو باد» في برقان، الذي تحــول ليصبح مكاناً لتلقي اللقاح. ومن خلال لوحات كرتونية تحمل شعار نجمة داود الحمــراء، وزع الفضاء إلى غــرف للتطعيم يجلس فيها إسرائيليون وعرب معاً ليطعموا العمال الذين يسكنون في منطقة نابلس.

عند مدخل الموقع وضعت ضابطتان من الجيش الإسرائيلي طاولة، وبدأتا تفحصان تصاريح العمل عبر لوحة إلكترونية. جاء الفلسطينيو­ن بجموعهم. تردد منهم قســم قليــل ولكنهم وقفــوا جميعاً في الطابــور ينتظــرون. بعضهم كما يــروي أصحاب المصانع، طلبوا اللقاحات لأبناء عائلاتهم أيضاً ممن

هم في مجموعات الخطر. ولكن حسب السياسة في إســرائيل، فإن العمال الذين يحملون تصاريح عمل سارية المفعول وحدهم من يمكنهم أن يتلقوا اللقاح. وحتى التجــار الذين ينقلون بضائعهم من الضفة لا يمكنهم ذلك.

وبالإجمال، سيتلقى اللقاح في 12 موقعاً مختلفاً نحو 120 ألف فلسطيني: نحو 85 ألفاً منهم يعملون داخل أراضي إسرائيل وفي حدود 67، ونحو 35 ألفاً آخرين في المستوطنات.

الحملــة مباركة، ولكن فيهــا الكثير من الثقوب. أولاً، كمية اللقاحات قطرة من بحر، غير كبيرة، وما هكذا يمكن تخفيض الإصابة. يعيش في الضفة اليوم نحو 2.8 مليون فلســطيني. فما هو رقــم 120 ألفاً؟ خصوصاً إذا هؤلاء يشــكلون 20 في المئة من العمال الذيــن يدخلون إلى إســرائيل -حســب معطيات الجيش- قياساً إلى غير القانونيين الذين لا يمكنهم أن يتلقوا اللقاح؟ إضافة إلى ذلك، فإن العامل الذي تلقى اللقاح يعود في نهاية الأسبوع إلى بيته، حيث يختلط مع الآخريــن الذين لم يتلقــوه، وبعد ذلك يعود للعمل في إسرائيل. ومن ثم، فإن على إسرائيل أن تعمل على أن يتلقى اللقاح كل فلسطينيي الضفة. فهذه مصلحة إسرائيلية صرفة، بخلاف الوضع في غزة، الذي هو مختلف جوهرياً.

المعنــى الإنســاني واضح، ولكن هنــاك الواقع

أيضــاً. الفلســطين­يون يعملــون فــي إســرائيل ويعيشــون هنا. هم جــزء من المشــهد. والتجاهل الوبائي يخطئ الحقيقة، ويزيد الخطر في أن نتضرر جميعاً. إضافة إلى ذلك، لا غرو أن إســرائيل تتوقف عند العمــال: اعتدنا على واقع الضفــة هذا بأن كل شيء خارج حدود 67 ينشأ عن قرارات لحظية – من قيادة سياسية متلعثمة تحاول التوسط في سياسة غير موجودة، وحتى آخر مقاتل أطلق ذات مرة النار على مخرب مستلق على الأرض، أو امتنع ثانية عن إطلاق النار من مســافة صفر على راشــق زجاجة حارقة، نتيجة ســير طويل جداً في صحراء التيه. وهذه الصورة هي ما نشاهدها في مسألة اللقاحات أيضاً، فإسرائيل تريد وتفعل – ولكن عليها أن تفعل المزيد.

ويمكن الندم على شــيء واحد فقط: مع كل هذا النشاط من أجل حقوق الإنســان، الذي يتطلب من الدولة أن تقلب أنظمة العالم حتى في منطقة الصمت في الضفة، فإن الأمر لا يبعث على كثير من الأصداء في العالم. الميدان يتحدث، وإسرائيل تطعم العمال الفلســطين­يين، ولكن صوتهم لا يســمع عند أولئك الذين يجلســون في مكان ما في غرب هولندا تحت الأضواء.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom