Al-Quds Al-Arabi

رغم تحفظ حزب «العدالة والتنمية: المغرب يقرّ لأول مرة قانونا حول الاستعمالا­ت المشروعة بحشيش القنب الهندي

- الرباط ـ «القدس العربي» من الطاهر الطويل:

حســمت الحكومــة المغربيــة، أمــس الخميس، الجــدل الدائــر حــول الاســتعما­لات المشــروعة للقنــب الهندي، بالموافقة علــى قانون ينظم زراعته وتصنيعــه وتســويقه لاســتعمال­ه فــي المجــالات الطبية والتجميلية والصناعية؛ وذلك لأول مرة في تاريخ المغرب.

وكان الموضوع أثار نقاشا واسعا لاسيما داخل حزب «العدالة والتنمية» قائد الائتلاف الحكومي، إلــى درجة أن عبد الإله بن كيران، أمين عام الحزب ســابقا ورئيس الحكومة السابق، هدد بالاستقالة من هيئته الحزبية في حال الموافقة على المشــروع. وطلبــت الأمانة العامــة للحزب إجراء مشــاورات موســعة مــع الهيئــات المختصــة قبــل المصادقــة النهائية عليه.

وأفاد بيان تسلمت «القدس العربي» نسخة منه أن مجلس الحكومة، الذي انعقد الخميس برئاسة ســعد الدين العثماني، عبر تقنيــة المناظرة المرئية، صــادق على مشــروع القانون رقــم 13.21 المتعلق بالاستعمال­ات المشروعة للقنب الهندي.

ويروم المشــروع المقدم من طرف وزير الداخلية والذي جــرت بلورته فــي المطابقة مــع الالتزامات الدوليــة للمملكة المغربية، إخضاع كافة الأنشــطة المتعلقة بزراعــة وإنتاج وتصنيع ونقل وتســويق وتصديــر واســتيراد القنــب الهنــدي ومنتجاتــه لنظــام الترخيــص. كمــا يتضمــن إنشــاء «وكالة وطنية» يُعهد إليها بالتنســيق بين كافة القطاعات الحكوميــة والمؤسســا­ت العموميــة والشــركاء الوطنيــن والدوليــن، مــن أجــل تنميــة سلســلة فلاحيــة وصناعيــة تعنــى بالقنــب الهنــدي مــع الحرص على تقوية آليات المراقبة.

اجبارية تسليم المحاصيل

ويتوخى المشــروع أيضا فتح المجال للمزارعين للانخراط فــي التعاونيات الفلاحيــة، مع إجبارية اســتلام المحاصيــل من طــرف شــركات التصنيع والتصديــر. وينص أيضا على ســنّ عقوبات لردع المخالفين لمقتضيات هذا القانون.

ومن شــأن هذا القانون، حســب وثيقة حصلت عليها «القــدس العربي»، أن يحــوّل الزراعات غير المشــروعة والمضرة بالبيئة إلى أنشــطة مشروعة ومستدامة ومدرة للدخل وموفرة للعمل ومساهمة في جــذب الفاعلــن الدوليين في هــذا المجال، مع وضع نظام فعال للمراقبة والرصد بهدف منع أي تغيير لمسار القنب الهندي ومشتقاته نحو السوق غير المشروعة.

وبخصوص أبرز مقتضيات مشــروع القانون، فإن هذا النص التشــريعي سوف لن يسمح بإنتاج القنــب الهنــدي المخصــص للاســتخدا­م الطبي إلا فــي المجال الذي ســتحدده النصــوص التنظيمية، كما ســيتطور هذا المجال بشكل متناسب مع تطور الحاجة والطلب على المستويين المحلي والدولي.

وهكــذا، فــإن عــددا مــن الأنشــطة ســتتطلب ترخيصــا مســبقا لفترة تمتد على عشــر ســنوات قابلة للتجديد، من بينها أنشــطة اســتيراد البذور والنباتــا­ت، وتصدير البــذور والنباتات، وإحداث واستغلال المنابت، والزراعة، والتحويل، وتصدير القنــب الهنــدي ومشــتقاته، واســتيراد مــواد مســتحضرة من القنــب الهندي، وتســويق القنب الهندي ومشتقاته، والنقل.

فضلا عن ذلك، فإن مشــروع القانون لا يســمح بمنــح هــذه الرخص إلا للأشــخاص الذيــن تتوفر فيهم الشــروط من بينهــا أن تقع القطــع الأرضية التــي يملكونها داخل المجال المحــدد لهذه الزراعة، والبالغــن مــن جنســية مغربيــة، والمنتمــن إلــى تعاونيــات أحدثت لهذا الغــرض، والمالكين للقطع الأرضية أو الحاصلين على ترخيص من المالكين أو شهادة إدارية تثبت استغلالهم لها.

وينص المشــروع على التزامــات خاصة ينبغي للفــاح المســتفيد التقيــد بهــا منهــا اســتعمال النباتــات المرخصــة مــن طــرف وكالــة مكلفــة بتنزيــل اســتراتيج­ية الدولــة فــي مجــال زراعــة وإنتــاج وتحويل وتســويق القنــب الهندي الموجه للاســتخدا­م الطبي والتجميلــ­ي والصناعي، التي ســيتم إحداثهــا، وتســليم المحاصيــل الزراعيــة بالكامل للتعاونية التي ينتمي إليها، واحترام دفتر التحمــات والممارســ­ات الفضلــى الموضوعــة من طرف الوكالة.

أمــا فــي مــا يتعلــق بالتزامــا­ت التعاونيــ­ات الفلاحيــة المرخصــة فتتمثــل فــي إبــرام عقــد مع مصنع أو عدة مصنعين أو شركات متخصصة في التصدير ومرخص لها، ينــص على بيع المحاصيل التــي تمنح لها مــن طرف الفلاحــن المنتمين إليها، وتســليم المحاصيل الزراعيــة للمصنعين بحضور السلطات المعنية، وإنجاز محضر في الموضوع.

كمــا ينص المشــروع علــى التزامات شــركات التحويــل وخاصــة أن تكــون خاضعــة للقانــون المغربــي، وأن تتوفــر علــى المقومــات التقنيــة والبشرية والمالية اللازمة لهذا النشاط، والالتزام بتوقيع عقود شــراء مع مجموعة مــن التعاونيات التــي تضــم منتجين مرخــص لهــم، والتوفر على التراخيص اللازمة لممارســة نشاطها )التراخيص الصيدليــة مثــا(، والالتــزا­م باحتــرام شــروط الممارسات الفضلى الموضوعة من طرف الوكالة.

وبالإضافة إلــى ذلك، يحدد النص التشــريعي التزامات شركات التسويق والتصدير والاستيراد والمتمثلة فــي أن تكون خاضعة للقانــون المغربي، وتتوفر على المقومــات التقنية والبشــرية والمالية الضرورية لهذا النشــاط، والتوفر على التراخيص القانونيــ­ة اللازمــة، والالتــزا­م باحترام الشــروط الموضوعة من طرف الوكالة.

كمــا يتوخــى مشــروع القانــون الالتــزام بالمعاهــد­ات الدوليــة التي صادقت عليهــا المملكة. فالمعاهــد­ة الفريــدة حــول المخــدرات لعــام 1961، والتــي صــادق عليهــا المغــرب ســنة 1966، تنص علــى ضرورة تحديد المناطق والقطع الأرضية التي تمارس فيها زراعة القنب الهندي المخصص لإنتاج موجه لغايات طبية.

أكثــر مــن ذلــك، تنــص المعاهــدة علــى أن هذه الزراعــة ينبغــي أن تتم فــي حدود الكميــات التي تتطلبها الأنشطة المشــروعة، وهذا يعني أن مجال ترخيص هــذه الزراعة يجب أن يتلاءم باســتمرار

مع الطلــب المحلي والدولي. إن تنصيص مشــروع القانون على تحديد هذا المجال بواســطة نصوص تنظيمية، يرمي إلى الحفاظ على المرونة.

ويشــار إلــى أن العالــم يشــهد حاليــا تطــورا سريعا لتقنين اســتعمال القنب الهندي في المجال الطبــي، بل وحتى في المجــال الترفيهي. وقد تعزز هذا التطــور أخيرا باتفاقيــة الأمم المتحدة الأخيرة والتوصيــا­ت الصادرة عن منظمــة الصحة العالمية والتــي نصــت علــى إعــادة تصنيــف هــذه النبتة تماشــيا مع التطــورات العلميــة التــي أثبتت توفر القنــب الهندي علــى خصائص علاجيــة ودوائية، إلــى جانــب اســتعمالا­تها الممكنــة فــي المجــال التجميلي والصناعي والفلاحي.

وعلى صعيــد المغرب، تبنــت «اللجنــة الوطنية للمخدرات» يوم 11 شــباط/ فبراير 2020، توصية منظمــة الأمم المتحــدة، والمتمثلة في حــذف القنب الهندي مــن قائمة المواد التي تمثــل تهديدا خطيرا ولا تحمــل أية قيمة علاجية مهمــة. وهكذا فإن كل تأخير في اعتماد إطار قانوني ملائم، يعني فقدان فرصة اقتصادية يوفرها هذا المجال، وذلك لفائدة الدول المنافسة.

نقاشات واسعة

وأثار المشــروع نقاشــات واســعة في مختلف الصحف المغربية، فقد كتبت صحيفة «بيان اليوم» أن المغرب يوجد على عتبــة عبور خطوة هامة نحو تقنين القنب الهندي من أجل استعمالات مشروعة فــي مجــالات صحيــة وصيدلية وصناعيــة. ومن خلال هــذا الإجــراء، فهو يتموقــع فــي الدينامية الدوليــة، حيث بــادر حوالي 50 بلــدا، من مختلف القــارات، إلــى تقنين هــذه النبتــة. كمــا أن اللجنة الدوليــة للمخدرات التابعة لهيئــة الأمم المتحدة قد قررت، بنــاء على توصية للمنظمة العالمية للصحة، فــي 03 كانــون الأول/ ديســمبر 2020، الاعتراف بالمنفعــة الطبية والعلاجيــ­ة لهذه المــادة، واضعة بذلك حدا نهائيا للاعتقاد السائد منذ أزيد من قرن من الزمن، مفاده أن القنب الهندي لا ينطوي سوى على المخاطر وأنه من دون أي فائدة طبية.

وأوضــح المقال الذي يحمل توقيع عبد الســام الصديقــي الوزيــر الســابق والقيــادي في حزب «التقــدم والاشــترا­كية» أن الأمــر لا يتعلــق البتــة بشــرعنة كاملة، كما يحاول بعض الديماغوجي­ين تقــديم ذلــك، دون أن يكلفوا أنفســهم عنــاء حتى قراءة المشــروع والاطلاع على محتوياته. وبعبارة أخــرى: مشــروع القانــون، كمــا هــو واضــح من عنوانــه، يتعلــق بالاســتعم­الات المشــروعة دون غيرها. والهدف منه يكمن في الانتقال من وضعية المنع التــام والقطعي، وما يســتتبعه، إلى وضعية تأطير هذا النشــاط الذي عمر لمدة قرون. ومن ثمة، فالمغرب لا يريد أن يحرم نفسه من الفرص المتعددة التي توفرها زراعة القنب الهندي في مجالات ذات نفع أكيد، ســواء تعلق الأمر بالمجــال الصناعي أو بالمجال الصحــي. فضلا عن حمايــة المزارعين من الشبكات المافيوزية.

وتابع صاحب المقــال أن هذا التقنين يفتح أمام المغرب فرصا عديدة، سواء على مستوى الصناعة الصيدليــة، أو على الصعيد الاقتصادي؛ مؤكدا أن المنتجات الصحية التي تحتوي على القنب الهندي لهــا منفعــة أكيــدة في معالجــة بعــض الأمراض، من قبيــل أمــراض الهضــم والأمعــاء )كالغثيان، عســر الهضــم، مشــاكل الشــهية...(، والأمراض الجلدية، وتشنج العضلات، ومضاعفات علاجات السرطان، والاضطرابا­ت العصبية، وغيرها.

في الســياق نفســه، أفادت صحيفة «الأحداث المغربية» أن هذا المشــروع جاء ليضــع حدا لمعاناة الفلاحين والمزارعين الصغار وتوجيه منتجهم نحو الاســتعما­لات الطبية والعلمية والصناعية عوض احتــكاره من طرف مافيات المخدرات وتهريبه نحو أوروبــا، كمــا أنه من شــأنه أن يســهم في تحريك عجلة التنمية في المناطق المعنية بهذه الزراعة.

ولاحظــت صحيفــة «الصبــاح» أن مشــروع قانــون تقنــن زراعــة حشــيش «القنــب الهندي» وضبــط اســتعمالا­ته المشــروعة أثــار الكثيــر من ســوء الفهم، بســبب ضعف التواصــل والتوعية، من قبل الســلطات الحكومية. وانتقل الجدل حول المشــروع الذي يهدف إلى تنظيم نشاط زراعة هذه النبتة، قانونيا، عبر إحــداث وكالة وطنية تخضع لإشــراف الدولة، إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ليســاهم في إثارة بلبلة في أوســاط الرأي العام، ذلك أن الأمر يتعلق بتقنين الزراعة، وليس شــرعنة تحويلهــا إلى مخدرات أو الســماح بترويجها، كما هو جار به الأمر في بعض الدول الأوربية.

وتابعــت الصحيفــة قائلــة إنه عــوض أن يظل المشــروع حبيس مناقشــات مغلقة داخل البرلمان، وبين فاعلــن محدودين، فــإن المصلحــة الوطنية تقتضي حمــات للتوعية والشــرح، لأن الموضوع يهم الرأي العام والاف الأسر المعنية بهذه الزراعة، لإزالة اللبــس، والتأكيد على أن الأمر يتعلق بتقنين لزراعــة قائمة في مناطــق محددة، واســتخدام­ها في اســتعمالا­ت طبية وصيدلية. وختمت تعليقها بالقــول إن الأمر يتعلــق بتقنين زراعــة نبتة وليس بشــرعنة إنتاج المخدرات، كما يحاول البعض، من داخــل المغــرب وخارجه مــن معارضي المشــروع، تغليطا الرأي العام.

كما كتبــت صحيفــة «الصحــراء المغربية» أنه فــي خضــم النمــو الكبيــر الــذي تعرفه الســوق العالميــة مع توقع تحقيق نمو ســنوي بنســبة 30 في المئــة، فإن اســتعمال القنب الهنــدي لأهداف طبية يتيح للمغرب فرصــا واعدة ينبغي اغتنامها في ظل السباق المحموم نحو التقنين على الصعيد الدولي.

وأشــارت إلــى أن هــذا المعطــى البراغماتـ­ـي يدفــع العديــد مــن الخبــراء وأوســاط الأعمــال ورجــال السياســة للترافــع مــن أجــل توســيع قطــاع الاســتعما­لات المشــروعة للقنــب الهنــدي نحــو المجــالات الطبيــة والتجميليـ­ـة والصناعية، وخاصة الاســتعما­لات العلاجية لبعض الأمراض العصية «التوليدية» مثل الباركنســ­ون والزهايمر، والأمراض الناجمة عن التهابات والمرتبطة بالمناعة الذاتيــة أو لعــاج بعــض الأمــراض الســرطاني­ة. ونقلــت عن خبــراء قولهــم إن المغــرب يتوفر على مؤهــات في هذا المجال لا يمكــن إنكارها من قبيل نظام بيئــي ملائــم )التربــة والمنــاخ( والقرب من الســوق الأوروبيــ­ة الصاعــدة، فضلا عــن الدراية الموروثة التي تمتع بها المزارعون المغاربة.

 ??  ?? أحدى مزارع حشيش القنب الهندي بالقرب من مدينة كتامة في منطقة جبال الريف المغربية
أحدى مزارع حشيش القنب الهندي بالقرب من مدينة كتامة في منطقة جبال الريف المغربية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom