Al-Quds Al-Arabi

«مستغلاً» نقاط ضعفهم لحملته الانتخابية... منذ متى كان «منقذ الشياطين» أماً حنوناً لأبناء الوسط العربي في إسرائيل؟

- ميراف بطيطو

■ لقــد قضي مصيــر محمد عدس على يد مقرري السياســة الذين أهملوا أمنه بنيــة مبيتة. فالفتــى لم يختر أن يولد في دولة تساوي فيها حياته كولد عربي ابن 15 من جلجوليا أقل من حياة ولد يهودي بعمره من «كفار سابا».

اختــار وزراء الحكومــة كل يــوم من جديد ترك مصيره بأيــدي القتلة، وكنســوا كل الخطط الكفيلــة بإنقاذه تحــت بســاط الميزانيــ­ة الســنوية، ودحــروا مبــادرات تشــريعية كانت ستقطع يد حامل المسدس. وبدلاً من كل ذلك اختاروا إنقاذ الشــياطين القومية التي صرفت الانتباه عــن احتياجاته الأساســية للتعلم وشــروط المعيشية النزيهة.

عندمــا ولــد قبــل 15 ســنة كانت شــوارع جلجوليــا فخــاً خطيــراً لمن ليس مسلحاً بســاح أبيض أو ناري. وأظهرت الاســتطلا­عات التي أجريت في تلك السنة أن احتمال شعور العربي بالأمــن الشــخصي أدنــى بالربع من منه عند اليهــودي. في 2010 عندما بدأ يذهب إلى الروضة، أحس بمشــاعره الطفوليــة كيف يهتز إحســاس الأمن الشــخصي للراشــدين حوله. وحتى لو لم يفهــم عما يتحدثون، كان يلاحظ قلقهم من الوضع.

قبــل بضعة أيام من مقتله، شــاهد التلفزيون ورأى كيف تتصاعد موجات الاحتجــاج ضــد العنف فــي المجتمع العربي. شــاهد الأخبار حيث تحدثت عن الآلاف الذين وصلوا إلى مفترق أم الفحم، قرأ على «فيســبوك» عن مدير عام بلدية قلنســوة الذي قتــل بالنار وهو في طريقه إلى ســيارته، اقشــعر بدنه خوفاً من أن يلتقي تلك الرصاصة الطائشــة إياها، وســمع للمــرة المئة كيف تحذر الأم الإخــوان الصغار قبل الخروج إلى الساحة.

مــا كان يمكنــه أن يعــرف بــأن الإحصائيات أذكى منه، وأنها مستقرة وقوية وتــروي عن الضحيــة العربي التالي: عامل فــي موقع بناء، أمرأة في ساحة العائلة، عجوز في شارع المدينة، فتى في حادث طرق، رضيع في سفر في الســيارة إلى الوراء، فتاة في الساحة

– الخلفية والآن جاء دوره، فتى ابن 15 أصبح ضحية العنف الـ 23 في المجتمع العربي في العام 2021 .

عندمــا كان طفلاً أقــرت الحكومة الخطــة الخماســية لتطوير الوســط العربي. وقبل أســبوعين من موته تبين أن نصف البنود التــي أقرتها الحكومة فــي 2015 لم تنفــذ، أو نفــذت جزئياً. وحتــى لو بقي على قيــد الحياة، فثمة شــك بأن يرى بناء صفــوف جديدة، وتحســناً للمواصلات العامة أو حملة واسعة النطاق لمصادرة الأسلحة.

لقــد ولد محمــد ومات فــي دولة رفضت أن تكون له أماً، في عصر قيادة تهكمية تلاحق الناخب، وتحت رئيس وزراء قلــق على كرســيه. أبــو يئير، كما لقب نتنياهو نفســه فــي المقابلات الأخيرة في وســائل الإعلام، روى عن لقــاءات ودية مع أولاد مــن أبناء جيل محمد من جلجوليا، لــم يرَ قط ألم الأم العربية.

لو كان متأثــراً بإعجــاب الفتيان إياهــم لألغى قانون كمنتس لتشــديد العقــاب ضد البناء غيــر القانوني في الوســط العربي. ولطالب مرة واحدة وإلــى الأبد بإعداد مخططــات لإحياء ومدن للمواطنين العــرب. لو كان يريد مصلحتهم وليس أصواتهم لقضى على الجريمــة، وأبعد هؤلاء من الشــوارع المكتظة وجعلهم مواطنين موالين بقوة الإرادة وليس فقط بقوة الذراع.

إن الصــدع العميق فــي الأحزاب العربيــة يشــخصها نتنياهــو كنقاط ضعــف وعليه أن يســتغلها لمصلحته. ونوبة العناق التي ألمــت بنتنياهو في الأشهر الأخيرة هي نتاج أزمة سياسية وليســت نتاج دافع أخلاقــي أو محبة الإنسان التي اشــتعلت فيه فجأة. في يديــه وفي أيــدي وزرائــه كان الحق الطبيعي لحماية حيــاة محمد، وحتى اليــوم فعلــوا كل ما في وســعهم كي يتنكروا له.

 ??  ?? تشييع محمد عدس
تشييع محمد عدس

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom