Al-Quds Al-Arabi

لبنان: الساسة يتناحرون والشعب يأكل الحصرم

-

■ بيروت – الأناضول: تجددت الاحتجاجات الشــعبية في عديد المدن اللبنانية، الشــهر الجاري، مع تفاقم أزمات اقتصادية، ووسط صعوبــة الحصول علــى أمــوال المواطنين مــن المصــارف، بالتزامن مــع موجة غــاء مســتفحلة. وتمــر البــاد بإحــدى أســوأ مراحلها الاقتصاديـ­ـة على الإطلاق، مــا بين هبوط قيمة العملــة المحلية مقابل الــدولار إلى متوســط 10 آلاف ليرة في الســوق الموازية، مقابل 1510 ليرات في السوق الرسمية.

وتســببت أزمة شــح النقــد الأجنبي في ارتفاع أســعار المســتهلك فوق 60 في المئة خلال 2020، حســب بيانات رسمية، فيما حذر وزير لبنانــي، الخميس، من دخول بــاده إلى الظلام الدامــس لعدم توفر النقد لشراء الوقود اللازم لتوليد الكهرباء. بالتزامن مع كل ما سبق، ما تــزال الطبقة السياســية الحاكمة والأحــزاب والطوائف المحلية، تتناحــر فيما بينها على الحصص في الحكومــة المرتقبة منذ أكثر من 6 أشهر. واستقالت حكومة الرئيس حسان دياب، في أغسطس/ آب الماضي عقب انفجار ضخم في مرفأ بيروت. مطلع فبراير/ شــباط الماضي، أظهر مؤشــر «‪Cost of Living‬

Index» أو مــا يعــرف بمؤشــر تكلفــة المعيشــة، الصــادر عــن «Numbeo» (موقــع دولــي متخصــص بمقارنة غلاء المعيشــة بين دول ومــدن العالــم( ، أن لبنان تصدر الدول العربيــة الأكثر غلاء في المعيشــة، و24 عالميــاً. كان لبنان قد حل في الموقــع 34 عالميا بين 132 بلدا حول العالم في مؤشر 2020.

ارتفاع أسعار السلع

الخبيــر الاقتصــاد­ي وليد أبو ســليمان، قــال إن 80 فــي المئة من واردات لبنــان تتــم بالعملة الأجنبيــة، والليرة تدهــورت وانخفضت قيمتها مقابل الدولار. وذكر أن بلاده تســتورد 90 في المئة من مجمل اســتهلاكه المحلي.. «القدرة الشــرائيّة للشــعب اللبنانــي انخفضت للأســباب المرتبطــة بانهيار الليــرة وارتفــاع كلفة الــواردات». «بات هناك تفاوت طبقي في لبنان.. هناك شــبه انقراض للطبقة المتوسطة وازديــاد للفقر إلى 55 في المئة، وهذه الأمور جعلت المعيشــة باهظة.» أمّــا عــن المداخيــل، قــال: «60 في المئــة من المســجلين فــي الضمان الاجتماعــ­ي يتقاضى راتبه مليون ليرة شــهريا، والتــي باتت توازي 100 دولار بسعر الســوق الموازية، مقارنة مع 662 دولارا وفق السعر الرسمي.

مع اســتمرار الاضطرابــ­ات الاقتصادية، قدر محمد شــمس الدين الباحــث في الشــركة الدوليــة للمعلومــا­ت )غير حكوميــة( ومقرها لبنــان، «إقفــال 8 آلاف مؤسســة صغيــرة ومتوســطة منــذ يونيو/ حزيران الماضي». وحســب تصريحــه: «بلغ عدد الذين ســرحوا من وظائفهــم 25 ألــف عامل ما بــن يونيو 2020 ومطلع العــام الحالي.» وتوقع «زيادة في نســبة الأسر التي ســجلت تراجعات في مداخيلها الماليــة.. الواقــع قد يكــون أســوأ إذ لم يحصــل أي حل سياســي.»

ويســتحوذ القطــاع الخاص في لبنان علــى أكثر من 75 فــي المئة من إجمالي أعمال الاقتصاد.

ورجــح عضو لجنة المال والموازنة، النائب نقولا نحاس، اســتمرار تدهــور الليرة. وقال: «تطور ســعر صــرف الليرة مرتبــط بأمور عدة وصعب ضبطها، لاســيما وأن هناك أحداثا سياسية متسارعة، وإذا اســتمر الوضع على ما هو عليه اليوم، ســيبقى تدهور الليرة مستمرا بوتيرة أســرع». واســتبعد نحاس أي إنعــاش للاقتصــاد اللبناني، معتبرا أنه «لــن يكون هناك أي أفق في حال لم تؤلف حكومة إصلاح قادرة على إقرار حلول جذرية». وأضاف «الإصلاحات تبدأ من خلال قطاع الكهرباء وإيرادات الدولة» مؤكدا أن «هذه الأمور لن تحصل إذا لم يكن هناك أي توافق سياسي عميق حوله.»

وأمس الأول الخميــس، حذّر وزير الطاقة والميــاه اللبناني ريمون غجر، من خطورة انقطاع التيار الكهربائي عن عموم البلاد، جراء عدم توفــر الأموال بالنقد الأجنبي، اللازمة لشــراء الوقود الخاص لتوليد الطاقة. وخلال مؤتمر صحافــي دق «غجر» ناقوس الخطر، قائلا إن لبنان قد يذهب إلى الظلام الشــامل بحلول نهاية الشهر الجاري، في حال عدم منح مؤسسة كهرباء لبنان، مساهمة مالية لشراء الوقود.

القطاع المصرفي

وبشــأن القطاع المصرفي، قال نحاس: «وظيفة المصرف استقبال الودائــع وإعادة إقراضها، هذا الأمر متراجــع حاليا، لأن الأموال غير متوفرة لــدى كافة البنوك». وزاد: «هناك تعثــر بأداء المصارف وهذا الأمــر ينتظر الخطة الاقتصادية التي ســتعمل عليها الحكومة المقبلة، التي يعول عليها أن تبدل النهج السياسي القائم».

وتتجــه العلاقة بين البنــوك العاملة في لبنــان وأصحاب الودائع إلى مزيد من التعقيد، في أعقاب مهلة حددها مصرف لبنان المركزي، انتهــت في 28 فبراير/ شــباط الماضي، قضت بزيــادة رؤوس أموال هذه المصــارف. يأتي ذلك، بالتزامن مع أزمة ســابقة بدأت منذ العام الماضي، وضعت فيه البنوك قيودا على المودعين، بتحديد حجم النقد المســحوب خاصة بالنقــد الأجنبي. فــي أغســطس/ آب 2020، ألزم مصــرف لبنــان البنوك العاملة في الســوق، بضــرورة زيادة رؤوس أموالها بنســبة 20 في المئة، وإعادة تكوين حساباتها لدى المصارف المراسلة بنسبة 3 في المئة، في موعد أقصاه نهاية فبراير الماضي.

والإثنــن الماضي، أعلــن المصرف المركــزي بدء مراجعــة أوضاع المصــارف بعــد انتهــاء المهلــة، ضمــن خطــة لإعــادة هيكلــة القطاع المصرفي، المؤلف من 28 مصرفا محليا ووافدا من إجمالي 64 رخصة. من هُنا، باتــت المصارف أمام احتمالات عدة بينها الدمج، أو ســحب رخصتــه أو إعلان إفلاســه، خصوصــا وأن الضبابيــة تحيط مصير الودائــع المؤتمنة لديها. ويبلغ رأس مال البنــوك العاملة في لبنان 20 مليار دولار، ويعني رفعها بنسبة 20 في المئة أن هناك إضافة بقيمة 4 مليارات دولار، ستواجه غالبية البنوك صعوبة الإيفاء بها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom