محمد جبرون لـ «القدس العربي»: التحالف الحكومي في المغرب هش... وانشقاق «العدالة والتنمية» مستبعد
تعيش الســاحة السياســية في المغرب على وقع غليان وحركية غير معهودة على بُعد شهور قليلــة من الانتخابــات البرلمانيــة والجماعية المزمــع تنظيمهــا في وقــت لاحق من الســنة الحالية، والتي تعتبر الموعــد الثالث من نوعه عقب إقرار دستور 2011.
ولعــل إعلان الأمــن العام الســابق لحزب العدالــة والتنميــة، رئيس الحكومــة المغربية الســابق، عبد الإله بن كيران، تعليق عضويته في الحزب، على خلفية مصادقــة البرلمان على قانون إجازة حشيش القنب الهندي، أبرز هذه المستجدات وأكثرها إثارة للجدل.
ونشر بن كيران عبر حســابه الرسمي على «فيســبوك» بياناً مكتوباً بخط يــده، قال فيه إنه قــام بتجميد عضويته في «حــزب العدالة والتنمية» وقطع علاقتــه بمجموعة من قياديي الحزب ووزرائه، الأمر الذي أثار جدلاً واســعاً علــى مســتوى الصحافــة المحلية ووســائل التواصل الاجتماعي.
وفي ظل الاستعدادات للانتخابات المرتقبة، تجدد نقاش ســاخن حــول عدد مــن القوانين الانتخابية وعلى رأســها إلغــاء العتبة وإقرار القاســم الانتخابــي على أســاس احتســاب المســجلين في اللوائــح الانتخابية وليس على أســاس المصوتين كما جــرت العــادة، تعديل واجهه حزب العدالــة والتنمية بالرفض ولاقى ترحيباً من بقية الأحزاب السياسية.
وفــي تصريح لـ«القــدس العربــي» اعتبر الباحث الأكاديمي والمحلل السياســي المغربي محمــد جبرون، أن تجميد عبــد الإله بن كيران لعضويته وقطع علاقتــه بوزراء وقياديين، أمر مُجانب للصــواب ولا معنى له، وأنه ضغطٌ غير مقبــول اعتبــاراً للتقاليد الحزبيــة والأدبيات التنظيمية للحــزب، وأبرز المتحــدث أنه على الرغم من رمزية ومكانة بــن كيران، فإنه يبقى عضواً في النهاية ضمن مجموعة من الأعضاء.
وأردف قائــاً: «أن يؤثر أو يمــارس ضغطاً من هــذا الحجم على رئيــس الحكومة ووزراء وأعضاء الحــزب والبرلمانيين بهــذه الطريقة فالأمر غير ســليم، وهو مخطــئ، خاصة وأنه أدرى مــن غيره بالطريقة التــي تتم بها الأمور وتُدبَّر داخــل الحكومة، بالإضافــة إلى طبيعة القوى المتحكمــة بالقرار السياســي الذي هو صناعة معقدة تتدخل فيها العديد من الأطراف، بعيــداً عن كون الحــزب وحده الآمــر الناهي وصاحب القرار النهائي».
وجواباً على سؤال حول ما إذا كانت تداعيات القرار قد تصل إلى انشــقاق الحزب أو تأسيس
بن كيران لحزب آخر جديد، اســتبعد المتحدث هذه الخطوة، واســتطرد: «كل شــيء ممكن، السياســة والظرفية وطبيعة الخلاف وتطوره يمكن أن يُسفر عن مثل هذه الأمور، ومن الممكن أن يعود بــن كيران إلى الحزب مــن موقع أكثر قوة خلال المؤتمر القادم، إلا أن إمكانية تأسيس حزب من طرف بن كيران والانشــقاق يبدو لي أمر مستبعداً .»
أما بخصوص تأثير القاســم الانتخابي على الأغلبية، فأبرز الأكاديمــي المغربي أن الأغلبية لم تكن منســجمة منذ يومها الأول، وأن ضامن اســتمرارها لا يوجــد بداخلها، فمنــذ البداية كان التوافــق بينها لا على مســتوى الأفكار أو التوجهات وحتى الخيارات محدوداً جداً، وكان من الملاحظ كم المشــاكل التي أثيــرت في هذه الأغلبية والكثير مــن الصعوبات التي واجهتها منذ يومها الأول.
وأشــار الدكتور جبــرون إلى أن القاســم الانتخابي مرَّ بأغلبية الطرف الأضعف فيها هو حزب «العدالة والتنمية» الذي بدا أقلية وليس أغلبيــة. وأفاد أن الأغلبيــة الحكومية بمعناها المتداول سياسياً غير موجودة في الحقيقة منذ مدة ليست بالقصيرة، وخلُص إلى أن التحالف الحكومي تحالــف هشٌّ وضمانات اســتمراره وتأثيره تعود لعوامل خارج الحكومة أكثر منها داخلها.
ويرى المحلل السياســي أنه لا علاقة للقاسم الانتخابي الذي وصفه بـــ «البدعة» بالأعراف الديمقراطيــة، معتبراً أنها نوع من الممارســات النادرة التي تُحســب عُنوة على الديمقراطية، وأضاف: «يجب أن نكــون واضحين، لا نعيش بالمغرب تجربة ديمقراطية ســليمة ومستقيمة، المغــرب يُــراوح مكانــه ويحاول أن يؤسِّــس لديمقراطية يبدو الكثير من عواملها وأُسســها مفقودة، وعلى رأسها مسألة التعددية الحزبية المتينــة والمعارضــة القويــة وعــدد كبير من المقومات التي تكاد تكون مفقودة.»
ويرى صاحب كتاب «نشــأة الفكر السياسي الإســامي وتطــوره» أن القاســم الانتخابي أعطى الشــرعية لواقــع بئيس، وســاهم في الابتعــاد بشــكل أو بآخــر عــن الديمقراطية ومعناها الإيجابي والمتــداول. وقربنا أكثر من نموذج يعطي قــوة للنظام السياســي الذي لا يحتاج للديمقراطيــة والانتخابات إلا من أجل تجديد شــرعيته وتطعيم مؤسســاته بنخبة مــن الكفــاءات والتكنوقراط ممــن يعمل على المساعدة في تطبيق عدد من السياسات وابتكار بعض الحلول وتنفيذ أجندة النظام السياسي، وفق تعبيره.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشــريعية، يــرى المتحدث أنه مــن الصعــب الحديث عن التحالفــات قبيل الانتخابــات، موضحاً أن كل طرف ســيعمل ويجتهد لرفــع حظوظه وعدد المقاعــد التي ســيحصل عليها، ولفــت إلى أن التفاوض بشــأن التحالفات في المغرب غالباً ما يبوء بالفشــل، أو لا يُكلَّل بالنجاح لأن الصراع يولى للَّوائح ومن أولى بالترشــيح، وهي أمور لا تســاعد الأحزاب على بنــاء تحالفات يمكن اعتبارها ذات طبيعة استراتيجية.
وعــن الســر وراء قبــول حــزب «العدالة والتنميــة» القائــد للائتــاف الحكومــي في المغرب، بعــدد من الأمور التي تخالف مرجعيته وتعارض مبادِئه، مــن قبيل إعادة العلاقات مع «إســرائيل» وتمرير قانون تقنين القنب الهندي لدواع طبيــة وتجميلية، لفــت المتحدث إلى أن هناك أمريــن وجــب الانتباه إليهمــا، يتجلى الأول في كون الحزب غير مســؤول عن القرار السياسي الاســتراتيجي للبلاد، مشيراً إلى أن القرار تتحمل مســؤوليته مجموعة من الجهات والمتدخلــن وعلى رأســها المؤسســة الملكية، وبالتالي فالكثيــر من القضايــا ذات الطبيعة الاستراتيجية، لا يكون حزب العدالة والتنمية مَعنيًا بالتقرير والخوض فيها.
ويتعلق الثانــي بضرورة عــدم تجاهُل أن «العدالة والتنمية» واحد من الأحزاب المشــكلة للحكومــة وليس لديه الأغلبيــة الحكومية، ما يجعله مضطراً للتفاوض بشأن أمور كثيرة مع شركائه في الحكومة والأحزاب المؤلِّفة للائتلاف الحكومي. وبالتالي، فالقرارات المتخذة لا تشكل بالضرورة قناعات «العدالــة والتنمية» ولكنه يعكس قناعات الحكومــة المكونة من لفيف من الأحزاب فيه الليبرالي واليســاري والمحافظ، خالصــاً إلى أنه مــن الخلل والعيب أن نَســب القرارات كلها لـ «العدالة والتنمية.»
وأبرز جبرون أن هذه المستجدات التي تظهر مُتعارِضة مع مبادئه هي بمثابة تحدٍّ لفكر الحزب وآرائه واجتهاداته ورؤيته للسياسة، ما يجعل الحزب مُطالَباً مســتقبلاً ببلــورة وجهات نظر واضحة، حتى لا يبدو مجرد مســايِر أو جماعة وظيفية في إطار ممارسة حكومية معينة لا أفكار له فيها وهو تابع لا أقــل ولا أكثر، مؤكداً حاجة الحــزب ذي المرجعية الإســامية إلى مراجعة أفكاره ومبادئــه بالنظر إلى التطــورات التي يعرفها الواقع والمغرب.