Al-Quds Al-Arabi

مع الجوائز

- إبراهيم عبد المجيد

بعــض الجوائز تثيــر كثيرا مــن اللغط خاصة بعــد أن تظهر نتائجها.. وأكثرها هي جائزة البوكر العربية. لا أعرف ســببا محددا لذلك، فلكل أســبابه، قد تكون لعدم فوزه، وقد تكون لقلة قيمة العمل الفائز عن غيره، وأنا شــخصيا توقفت عن التعليق عليها منذ دورتها الثالثة أو الرابعة لا أذكر، لأن صحافيا شــابا أحبه حين ســألني عن إعلان عدد من الكتاب مثل رضوى عاشور وجمال الغيطاني، رحمهما الله، أنهمــا لن يتقدما إليها فقلت له هذا أمر يخصهما ولســت ضده، وحين نشــر التحقيق وجدت فيه على لساني هجوما على الجائزة لم أقله.. لم أشــأ أن أصحح له المعلومة، ليعيد نشرها فقد كان في بداية حياته، لكني صححتهــا في حوارين أحدهما فــي صحيفة «الأهرام العربي» والثاني في مجلــة «الإذاعة والتلفزيون» واعتبرت أن الأمر انتهى، وبالفعل بدا لي أن الأمرانتهى.

تقدمت إليها مرتين بعد ذلك في إحداهما ظهرت في القائمة الطويلة، وفــي الأخرى لم أظهر فيهــا، لكن تظل هناك أســئلة تثيرها الجائزة نفسها حين تعلن عن المرشحين للفوز. الإعلان عن الجائزة يكون على طريقة عدد ممثلي كل دولة، وأن هناك حرصا على كتابة اســم الدولة أمام الذي تم اختياره في القائمة. هذا يثير ســؤالا، هل يتم تقســيم الجائزة بين الدول العربية، بينما الروايات كلها بلغة واحدة. سؤال آخر تثيره تصريحات اللجان، حين تتحدث عن اختيار الشــباب أو المباهاة بذلك، والســؤال هو هــل هي جائزة للعمــر؟ أم للجديد في الكتابة الأدبية شــكلا وموضوعا. وفي مصر يثور سؤال لماذا قل عدد ممثليها في القائمة الطويلة مثلا. هل خلت من الكتاب المميزين؟ ولماذا يتكرر اســم دور نشــر بعينها في كل مرة، وفي مصر دور نشر أخرى مهمة تصدر إصدارات جيدة جدا شبه غائبة، باختصار لم أعلق على أي من هذا لأن التعليق عليه سيفسد الود بيني وبين كثير من الكتّاب، وكثير من دور النشــر، وليس الود مع الجائزة، مــن فضلك، فهذا لا يهمني.

انتقل الأمر إلى ســؤال هل صارت الجوائز ســببا في الإقبال على الرواية، وهنا أجبت وكانت إجابتي أن هــذا حقيقي. لقد انتقل إليها شعراء وصحافيون ونقاد، وأنا لســت ضد ذلك فأنا من زمان مؤمن بالتنقل بين الفنون، وقــد كتبت مقالات نقدية، ومقالات سياســية، وكتبت شعرا على لسان بعض شخصياتي في بعض رواياتي، وقمت بالترجمة أحيانا وكتبت للدراما. المشــكلة فــي الناتج، وهل هو جيد أم لا؟ وليست الجوائز وحدها ســببا في الانتقال إلى الرواية، لكنها أيضا نســبة مبيعات الرواية إلى غيرها من الأنواع الأدبية الآن، فقد صــارت الرواية هي الأكثر مبيعا من غيرهــا، ليس في العالم العربي فقط، لكن فــي كل الدنيا، بل أضيف أنه قد دخــل حقل الرواية أناس يســتأجرون من يكتب لهم. انتقل الســؤال إلى هــل صارت الجوائز ســببا في ركاكة كثير من الكتابات الروائية؟ هناك رأي ســائد يقول ذلك، خاصة أن الجوائز كثيرة وكل عــام، ما قد يدعو إلى العجلة في الكتابة، لكني لم أتحدث فيه لأني لا أقرأ كل ما ينتج ولا نصفه ولا حتى ربعه. ليس موقفا مــن أحد لكن تغلبني العادة مــع التقدم في العمر فاقرأ لمن تعودت عليهم أكثر، وربما أيضا أنســى مع انشغالي بكتابة رواية، مما لا يعطيني فرصة القراءة بغزارة، كما أني لســت منشغلا أن أكون ناقــدا. وأحيانا تقفز إلى روحي أســئلة عبثية من نوع، لقد قرأنــا وكتبنا كثيرا فمــاذا حدث لهذا العالم. لقــد خرجت إلى الدنيا وحولي كل الشــعارات تدعو إلى الوحدة العربية، وانتهى الأمر إلى حروب عربية عربية وانهيارات في دول عظيمة مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، وشــتائم على المثقفين، كأننا كنا ندير الحكم فــي هذه البلاد، أو غيرها، ممن تدخلوا في انهيارها، وتحميل الكتّاب كل ذنوب الساسة، بينما السجون كانت وما زالت مفتوحة لهم، ولولا أن الإبداع متلازمة ربانية لتوقفــت عن الكتابة. وهي متلازمة تعطي صاحبها من المتعة أكثر مما يحصل عيله من أي شــيء آخر. ولو كان الله قد خص المبدعين بخاصية عدم الأكل والشــرب، لاكتفوا بكتابة أعمالهم، ولم يتقاضوا أي عائد مالي عن نشرها.

الذي يجعلنــي لا أهتم بالتعليــق على الجوائز هــو ما جرى لي مع الجوائــز. كانت أول جائزة عــام 1969 عن قصــة قصيرة فازت بالجائزة الأولى على مســتوى الجمهورية لنــادي قصة أقامه وقتها في الإسكندرية الصحافي فتحي الإبياري، رحمه الله. كانت الجائزة ثلاثة جنيهات. ما أسعدني هو أنها نشرت في صفحة كاملة في جريدة «أخبار اليــوم» مع مقدمة لمحمــود تيمور وما أدراك مــن هو محمود تيمور، فاشــتريت بالثلاث جنيهات نســخا مــن الصحيفة وزعتها على الناس. كما حولها فتحي الإبياري إلى ســهرة إذاعية في صوت العرب. كانت هذه هي بداية تفكيري في الرحيل إلى القاهرة، وهو ما حدث في ما بعد. مرّ أكثر من ربــع قرن وفزت بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية، وكان أول عام للجائــزة وبلا تقدم لها، وهنا انفتح الجحيم. ثــارت الدنيا من بعض الكتّــاب واتهموني بالعمالة لأمريــكا، وحديث طويل لــن أعود إليه كتبته فــي كتابي الأخير عن «الأيام الحلوة». مشــت الجائزة بعد ذلك وحتى الآن والحمد لله ولم يُتهم أحد بشــيء. الهجوم أكثره شــخصي وليــس موضوعيا. هذه خبرتي يؤكدها ما حدث بعد عشرين سنة، حين فزت بجائزة كتارا في دورتها الأولى مع غيري من العالم العربي، واتهمني البعض بالعمالة من جديد لكن لقطر، ولم تكن العلاقات ســيئة بين مصر وبينها بعد، ولا بين الخليج وقطر، ومن يومها فاز في كل عام كاتب مصري لا يتهمه أحد بشــيء، وتنهال عليه التهاني على الفيسبوك. تأكد لي ما أعرفه وهو أن الأمر شخصي.

الحمد لله حين فزت في العام التالي بجائزة الشيخ زايد لم يتهمني أحد بشيء، وكتبت أنا عميل لمن الآن؟ رواياتي وكتبي هي التي تفوز وليس أنا يا بشــر. رأيت مع التطبيع بين الإمارات وإسرائيل أصواتا تنادي بمقاطعة جائزة البوكر والشيخ زايد ولايكات إعجاب كثيرة. كنت أعرف أن الأمر ســيمرّ فأكثر الكتاب الآن ابتعدوا عن السياسة. كما أننــا في مصر آخر من يتحدث عن ذلــك، فدولتنا هي أول من قام بالتطبيع ونحــن نحصل على جوائزها في ســعادة، وأضيفت إليها جائــزة عربيــة الآن. تأكد لي ما فكــرت فيه، وها هــو الفرح حولنا بالمرشــحي­ن للفوز بالبوكر. أحيانــا أضحك وأقول لــو كنت تقدمت وظهرت في القائمة الطويلة لظهر موضــوع التطبيع من جديد! عدم تقديمي أنقذ الجائزة من حديث التطبيع. أقول لنفسي ذلك وأضحك، والذي يجعلني أفكر هكذا هو ما جرى لي من قبل طبعا.

في النهاية تظل البوكر الأكثر اهتماما بين الجوائز، لأنها تفتح باب الترجمة، ولعل أصحاب الجوائز الأخــرى يفكرون في ذلك. لن أقول مصــر لأني طلبت ذلك مــن وزارة الثقافة المصرية كثيــرا ولا فائدة. أعني أن تكون جوائزها مصحوبة بترجمة الأعمال الفائزة. أعرف أن الترجمة مع البوكر قلّت الآن عن ســنواتها الأولى، ورغم ذلك تحظى بالاهتمــا­م الأكبر. باختصار موضوع الجوائــز هذا لا قاعدة له لا في الفــوز ولا في الهجوم على الفائزين. وما كتبته هنا من أســئلة حول البوكر هو مجرد أســئلة وليس رأيا نهائيا. والجوائز كما أردد دائما مثل الزواج قســمة ونصيب. وللذين لم تظهــر رواياتهم في القائمة أقول من قال إن حياة الأعزب ســيئة؟ هو الذي لا أحد يعرف كم عرف من النساء!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom