شادي عبد السلام: مؤرخ السينما المصرية ومُبدعها الفصيح
فــي متحــف المخرج المصري شــادي عبد الســام في مدينة الإســكندرية، الذي يضم بعــض مُقتنياته ولوحاتــه وقطع من أثــاث مكتبة، توجد بعض أوراقه الخاصة، التــي دوّن فيهــا وجهات نظره فــي الكثير من القضايــا المهمة، وبالطبــع تأتي قضية الإبداع الســينمائي على رأس كل القضايا، وقــد اســتخلصنا مــن عباراته مــا يتصل اتصالاً مباشر بفنه وفكره، ووعيه الخاص بالدور الثقافــي وكيفية تفعيله ليكون نواة للتقدم والرقي، وقد جاءت عباراته البليغة علــى النحو التالــي.. قضيتي هــي التاريخ الغائب أو المفقــود.. الناس الذيــن نراهم في الشــوارع والبيــوت.. فــي الحقــول والمصانع.
هــؤلاء النــاس أغنــوا الإنســانية، فكيــف نعيدهم للدور نفســه، كيف نستعيد مســاهماتهم الإيجابيــة والقويــة فــي الحيــاة؟ لا بــد أولاً أن نعــرف مــن هم؟ وماذا كانــوا، وماذا قدموا؟ لابد أن نوصــل العلاقة بين إنســان الأمــس وإنســان اليــوم لنقدم إنســان الغد.. تلك هي قضيتي.
كانــت الكلمــات التــي ضمتهــا أوراق المبدع، بوابة الدخــول إلــى عالمــة الفنــي الواســع، حيــث ترتبط كل الصــور الإبداعيــة بهــذا المفهــوم الــذي لخصــه، المخــرج، وكاتــب الســيناريو ومهنــدس الديكــور ومصمم الأزياء فــي جُمل قصيرة شــديدة البلاغة والدلالة، وربطها بالمفهوم الإنســاني للفــن ولغــة الحضــارات التــي لا تعــرف فروقــاً طبقيــة، ولا حســابات أيديولوجية ولا حدودا جغرافية.
اللافت والُمبهر في مسيرة المبدع الراحل شادي عبد الســام، ذلك النسق التاريخي في اللقطــات الفوتوغرافيــة لبعض أفلامه الســينمائية ذات الطابع الوثائقي الروائي الُمختلــف، خاصة التي اعتنى فيها بتصميم أزياء أبطالها وملابســهم، ليُحــدد المرحلة
الزمنية للأحــداث، ويضيف بعداً جمالياً المتميزة فيلــم «أنشــودة وداع» عام 1970. غيــر أن للمخــرج الكبير تجارب ســينمائية بدأ تصويرهــا ولم يُكملها كفيلم «الحصن» إنتاج 1979 و»الدندراوية» 1989 وسيناريو فيلم «مأســاة البيت الكبيــر» أو «إخناتون» الــذي اختــار لبطولته الشــاعر أمــل دنقل ليجســد شــخصية إخناتون لتقارب الشبه بينهمــا، فضلاً عن إحاطة دنقــل بتفاصيل القصة التاريخية وإلمامه بها. ويُحسب لشــادي عبد السلام الذي ولد في مدينة الإســكندرية في الخامس عشــر مــن مــارس/آذار عــام 1930 وتخــرج فــي كلية الفنــون الجميلة بقســم العمــارة عام 1955، أنه قام بتصميم عشرات الديكورات لأفلام عالمية من بينها فيلــم «كليوباتــرا» عــام 1964 للمخــرج جوزيــف مينكيفيتش، وفيلم «الصراع من أجل البقــاء» للمخرج روبرتو روســيلليني، فضــاً عن عمله مستشــارا تاريخيا للديكــور والأزياء في فيلم «فرعــون» للمخــرج كافــا يروفيتش. ومــن أقــوال المخــرج المصــري، صاحــب الروائع الاســتثنائية فــي تعريفــه بنفســه، إنه ابن بيئتين، حيث ولد وعــاش في الإســكندرية، وينتســب فــي الوقــت نفســه لعائلــة محافظــة مــن عائــات مدينــة المنيــا، مؤكــداً أنــه تأثر كثيراً بالتنــوع البيئي، جغرافيــاً ومناخياً، فهذا التنوع هو الذي خلق منه فناناً عاشقاً للإبــداع والابتكار، رغــم بُعد أســرته التام عــن هــذه الأجــواء وعــدم صلتهــم بالفن، وبحســب قولــه أيضــاً إن هــذا الانفصال العائلــي عــن أجــواء الثقافة والإبــداع قد خلــق في داخله مقاومة ذاتيــة لمعاداة الفن وأعدائــه، وجعله أكثر ارتباطاً به، لاســيما أنه لم يكن من المتفوقين في الدراســة، الأمر الذي جعلــه يعوض ذلــك بانتمائه للمجال الإبداعي والثقافي والســينمائي على وجه الخصوص.
ويــروي شــادي عــن والــده كراهيتــه للاحتــال، وانتمــاءه الوطنــي الجــارف لبلاده، ورفضه لحُكم السرايا إبان المرحلة الملكيــة، موضحاً تأثره الشــديد به في هذا الخصوص، وتأييــده لثــورة يوليو/تموز، رغــم أنه لــم يكــن يومــاً سياســياً بالمعنى المعروف، لكنــه كان منحازاً لفكــرة العدالة الاجتماعيــة، ورافضاً للقهــر ومؤمناً بحق الفقراء فــي الحياة الكريمة. ويُســتنتج من كلام شــادي عــن نفســه، أنــه كان مُتعدد الثقافــات والميــول، فنانا بالســليقة مُحباً للســينما وعاشــقاً للصــورة والشــكل الجمالي وتواقاً للتجديد والحرية.