Al-Quds Al-Arabi

شبح الفقر يخيم على تركيا مع استمرار التضخم

-

■ انقــرة - أف ب:تتــردد غــولاي أوصار بانتظام إلى هذا الســوق في المدينة القديمة في أنقرة المعروف بأســعاره المقبولة أكثر من أماكن أخرى، لكن حتى هناك تواجه صعوبات متزايدة في التســوق على غرار العديد من الأتراك الذين بــات عليهــم الآن التعامل مع ارتفاع الأســعار بوتيــرة يومية أحيانــاً. تقول هــذه المتقاعدة البالغة من العمر 65 عاما «هذه المرة الثالثة التي آتي فيها لشــراء بعض الأجبــان وأعود خالية الوفاض بعد أن أرى الأســعار. كل شيء باهظ الثمن».

ويعطــي الاقتصاد التركي، الذي كان هشــاً أساســاً قبل أزمة الوبــاء، إشــارات مقلقة مع استمرار التضخم وضعف قيمة الليرة التركية. وشــهدت بعض المواد الغذائيــة، مثل الزيت او منتجات الحليب، ارتفاعا في الاسعار في الآونة الأخيرة بشــكل أســبوعي. يقــول أحمد الذي جاء أيضا للتبضع في هذا الســوق «سعر زيت الزيتون الآن يعادل ســعر الذهب. هذا ما يجب أن يقدمه رجل ما لمن يحب لإثارة إعجابها».

وخلف هذه السخرية، هناك مأساة يواجهها العديد من الأتراك من ذوي الدخل المحدود الذين صاروا فجأة تحت عتبة الفقر، وبات العثور على شيء يأكلونه دون كلفة عالية صراعاً يومياً.

وحسب تقرير للبنك الدولي نشر في أبريل/ نيســان 2020 ، فإن 13.9 من الأتراك يعيشون تحت عتبة الفقر الوطنية المحددة بـ4.3 دولار يومياً للشخص الواحد. وتقول هاجر فوغو، مؤسســة منظمة «شبكة الفقر العميق» غير الحكومية «أعمل منذ عشرين عاما في أحيــاء فقيرة لمســاعدة الناس الذين يعيشــون في الفقر. لم يكن تأمــن الطعام أبداً مشكلة كما هي هذه الأيام».

وأضافت «في الماضي، إذا لم يكن لديك طعام فيمكن أن تطلب من الجيران. لكن حتى الجيران ليس لديهم الآن أي شيء أيضاً».

وفــي هــذه الأحياء، التــي يقطنهــا عموماً علملون فــي قطــاع البناء، يحاول أشــخاص يجمعــون القمامــة لإعادة تدويرها، وتســعى نساء وأطفال لتأمين معيشتهم كباعة متجولين.

وتضيف فوغو «لقــد رأيت أمهــات يطعمن أطفالهن الحساء الجاهز لأنهن لم يعدن قادرات على شــراء حليب الأطفال. إنه مكلــف للغاية لدرجة أن السوبرمارك­ت باتت تضعه في أماكن مقفلة كما وكأنــه منتج فاخر». ولــم يَعُد الفقر يطال فقط هؤلاء الذين كانــوا دائما في أوضاع صعبة، وانما أيضــاً الفئات التي كانت تظن انها بمنأى منه.

وتتابــع فوغــو «هنــاك أشــخاص وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل أو لم يطلبوا من قبل مساعدة غذائية يأتون إلينا».

ولم تكن المــرأة المتقاعدة أوصار تتصور أبداً أنها لن تتمكن يومــاً ما من دفــع فواتير الغاز. وتقول والدموع فــي عينيها أنه لــم يعد لديها وســائل تدفئة في المنزل رغــم درجات الحرارة التي تنخفض إلى ما دون الصفر ليلاً في أنقرة. وتضيــف «الحكومة غيــر آبهة. إذا ســألتهم، فيقولون أن كل هذه المخاوف غير موجودة».

وفي أكتوبر/تشرين الأول أثار شريط فيديو يظهر تاجراً يقول للرئيــس التركي رجب طيب اردوغان أنه «لم يعد بإمكانه إحضار الخبز إلى المنزل» ضجة كبيــرة. ورد عليه الرئيس «يبدو الأمــر مبالغا فيــه». وفيما تــؤدي الصعوبات الاقتصادية إلــى تراجع شــعبيته الانتخابية، يفضل اردوغان أن يعطــي في خطاباته صورة عن تركيا يحسدها الغرب وعلى وشك ان تصبح «أحد أكبر الاقتصادات في العالم.»

يقــول إرينج يلــدان، أســتاذ الاقتصاد في جامعة قادر هاس في إسطنبول، أن السياسات النقدية السيئة التي شــجعت النمو القائم على أساس المديونية وانعدام الثقة في الأسواق هي السبب وراء ارتفاع التضخم.

ويضيف «كان التضخم يبلغ رســميا 14.6 في 2020. لكن هذا الرقم ليس ســوى متوسط. هو أعلى بكثير ويبلغ حوالــي 22 للمنتجات الغذائية التي تشــكل الجزء الأكبــر من إنفاق الســكان ذوي الدخل المتواضــع». ويوضح أن الزيادة التراكمية في الأســعار منــذ عام 2018 للمنتجات الغذائية بلغت 55 .%

وفي مواجهــة الانتقادات، يتهــم اردوغان التجــار أو «جماعــات الضغط» بالســعي إلى جني أرباح غير عادلة. وقال يلدان «نحن نخلق أعــداء وهميين لمنــع تحول النقمة إلــى رد فعل ضد الحكومة». وأضــاف «تحاول تركيا أن تجد طريقها في الضباب لأن المؤسســات قد هدمت، لا نقــوم إلا بانقاذ الأثــاث». وخلُص إلى القول «هناك مشكلة حَوكمة حقيقية .»

 ??  ?? بضائع كثيرة ومشترون قلائل في سوق شعبي للخضار والفواكه وسط العاصمة التركية أنقرة
بضائع كثيرة ومشترون قلائل في سوق شعبي للخضار والفواكه وسط العاصمة التركية أنقرة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom