Al-Quds Al-Arabi

فتح والانتخابا­ت الفلسطينية: «انشقاق» ناصر عقابه الفصل

- *كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

وأخيرا حسم الأمر ونال ناصر القدوة الجزاء الذي يستحقه، وفصل من مركزية فتح، لتشــكيله حزبا، أو كمــا يحلو له تسميته ملتقى ينافس فيه حركته في الانتخابات التشريعية المقبلة، بما يتعارض مع لوائحهــا الداخلية. وللتوضيح فإن القــدوة كان أحد الأشــخاص المركزيين في صياغــة النظام الداخلي، الذي فُصل بموجبه، وبذلــك يصبح العضو الثاني في تاريــخ الحركة الحديث، الــذي يفصل مــن منصبه بعد محمد دحلان، الذي طرد عام 2011 لأســباب تتعلق، كما تقول السلطة، بالفســاد. والفصل هو إجراء طبيعي تتخذه جميع الأحزاب فــي العالم المتحضر وغير المتحضــر، في حال تمرد عضو على سياستها، ناهيك من قائد من الصفوف الأولى.

وبهذا القرار انتهت زوبعة ناصر، التي أراد منها خلق حالة جماهيرية، لم تر النور، ولم تكن هناك ردود أفعال رســمية، باســتثناء تعليق متوقع من دحلان اســتغلالا لهذه الفرصة، لأنه ليس هناك من يصدق مســؤولا قضى نحــو45 عاما في مناصب عليا، لم يحدث خلالها أي تغيير، ولم يحرك ساكنا.

ولا بد من تذكير ناصر بالمواقع والمناصب التي تولاها على مدى عقود طويلة، ولم يعمل خلالهــا من أجل التغيير، عضو

في المجلس الوطني لمنظمــة التحرير 1975 وعمره لم يتجاوز 23 عامــا، ورئيس اللجنــة التنفيذية للاتحــاد العام لطلبة فلســطين 1980، وعضو المجلس المركزي 1981 وعضو المجلس الثوري لفتح 1989 ومندوب فلسطين في الأمم المتحدة 1991، خلفــا لزهدي الطرزي، وزيرا للخارجيــة 2003. والحق يقال إنه أدار معركة ناجحة ضد جدار الفصل عام 2005 في المحكمة الدولية. وفي عــام 2009 انتخب عضوا فــي اللجنة المركزية لحركة فتح، حتى قرار فصله.

ناصر ليس ضحية، بل هذا ما جناه على نفسه وكان يدفع بهــذا الاتجاه، ربما لعدم قدرته على اتخــاذ القرار، وافتقاره للشجاعة الكافية لتحمل مسؤولية «الانشقاق»، وبناء على ما تقدم فلا أشــعر بتعاطف معه. فما فعله في الأسابيع الماضية غير مبرر، وليس لمصلحة وطنية، بل لمصلحة شخصية بحتة، وبإمكانــي أن أجزم أن تشــكيل ما ســماه بالملتقــى الوطني الديمقراطي الفلســطين­ي، لم يكن غرضه الإصلاح، وتأكيده على أنه ليــس حزبا في إعلانــه، لا يغير من الواقع شــيئا. كان بإمكانه أن يســمي هذا الإجراء ما يشاء، ملتقى، جمعية أو تجمعــا، منظمة أو حزبا، تيارا أو حتى حســبة أو بازارا لا فرق، والتسمية لا تعني شيئا، ولن تغير من الواقع شيئا، لأن المغزى واحد والهدف واحــد والنتيجة واحدة، وإن اختلفت التسميات، إنه الانشقاق بعينه، أما غير ذلك فيسمونه تلاعبا بالكلمات ومحاولة لاستغباء الناس والاستخفاف بعقولهم. قرار الفصل صائــب، وكان على ناصر لو صدقت النوايا لديه أن ينسحب بهدوء، ومن دون زوبعة، من الحركة التي أعطته ما لم تعطه لأحد غيره. وأكد بعــد إعلان فصله، «من جانبي، ســأبقى فتحاوياً حتى العظم ولن يغير ما حدث شيئاً في هذا الخصوص. وسأبقى حريصاً على مصالح الحركة، وقبل ذلك مصالح الوطن، وأتطلع للمســتقبل حين يكون ممكناً تصويب وضعنا الداخلي وعــودة الحركة لمكانتهــا الطبيعية، رائدة للعمل الوطني ومنتصرة لكرامة شــعبنا وحريته». وقال في تغريدة له عبر تويتر: «فلسطين أولاً وأخيراً ». ولكن أين كانت فلسطين في السنوات الـ45 الماضية يا ناصر؟

ويبرر ناصر خطوته بأن الفلســطين­يين «ســئموا الوضع الحالي... من ســوء التصرفات الداخليــة، وأمور مثل غياب سيادة القانون وغياب المســاواة وغياب العدل»، يحكي عن الفساد وكأنه ليس عضوا في هذه القيادة «الفاسدة المسؤولة عن التصرفات الداخلية السيئة» منذ عودتها إلى أرض الوطن بعد اتفاق أوسلو المشؤوم. مشكلة ناصر، أنه يفتقر للشجاعة، إلى جانب التعامــل الفوقي وغياب القاعدة الشــعبية، التي يمكــن أن يرتكز عليها، ولم يفلح بعــد عودته إلى الوطن بعد اتفاق أوســلو عام 1993 في بناء القاعــدة الجماهيرية التي هو بأمس الحاجة إليها الآن. يريــد ناصر إعادة فتح لمصافها الطبيعية. ولكن عن أي المصاف يتحدث، وإلى أي فتح يشير، هــل فتح الرصاصة الأولى، أم فتح تحرير فلســطين من النهر إلى البحر، بالحرب الشــعبية، أم فتح الكفاح المســلح؟ وهل هي فتح الدولة الديمقراطي­ة على كامل التراب الفلسطيني، أم هي فتح مفاوضات مدريد واتفاق أوسلو والدولة الفلسطينية على أقل من %22 من فلسطين التاريخية؟

إن تأســيس الملتقى الوطنــي الديمقراطي الفلســطين­ي، ليس خطــأ ولا عيبا، بل هو حق. وكنا ســنقف مع الأخ ناصر لو تمت الأمور بشــكلها الصحيح، إعلان الانســحاب بهدوء من فتح، وتشــكيل ما يريد، فهذا حقه الطبيعي، لكن ما ليس من حقــه هو الإمســاك بالعصا من الوســط، والتخفي وراء الإصــاح والتغيير، فلا هــو أراد أن يتخلى عــن منصبه في الحركة وحوافزه وامتيازاته، ولا هو اعترف بانشقاقه. ولهذا لا أشــعر بالتعاطف مع الأخ ناصر فهذا ما أراده. كنت أتوسم بناصر خيرا لكنه خيب ظني، فلا يمكن له أن يكون إصلاحيا، كما لا يمكــن أن يكون دحلان إصلاحيا فهو يريد شــراء ذمم النــاس بالمال، ولقاحات ســبوتنيك الروســية الصنع، التي يقف وراءها محمــد بن زايد، أدخل منها إلى غزة نحو 50 ألف جرعة لأغراض انتخابية. ولا تأتــي دعوات الإصلاح في ظل ظروف يتربص فيها المتربصون، مــن أمثال دحلان، من دون دعم خارجي. فناصر ليس معروفا عنه مغامراته، وســننتظر لنرى كيف تسير الأمور في الأسابيع المقبلة، وأتمنى أن تكون توقعاتي ليســت في محلها وأن غرض القدوة شــريف وإن جاء متأخــرا، أكثر من 25 عاما، وإنه فقط أخطأ الحســابات، لكن تصريحه لموقع «عربي 21» لا يبشــر بخير، إذ قال «ولديّ احترام كبير للكل بمن في ذلك محمد دحلان الذي جاهد كثيرا من أجل الشعب الفلسطيني».

ناصر الذي ظل لعقــود عديدة ينعم بالرخــاء التنظيمي والحمايــة، لم يعرف غير فتــح وتربى بحســها وبحضنها، ومنحته ما لم يحلم به أحد، مــا كان ليضرب بعرض الحائط كل ما توفره له من امتيازات، وما كان ليتمرد على هذا الحضن الدافــئ، إلا إذا كان هنــاك حضــن أكثر دفئا. لقــد وضعتني تصرفات ناصر في موقف المدافع عن فتح، ولكن ما تقدم ليس وقوفا معها، ولا تبرئة لها، وليس دفاعا عنها، أولا لأني لســت عضوا فيها منذ عشــرات الســنين، وثانيا لأن لديّ كما هائلا مــن الانتقادات لسياســاته­ا. وثالثا لأن قيادتهــا من ضمنها ناصر »مشلشلة» بالأخطاء والأغلاط.

وأختتــم بنظرية غريبة طلع علينا بهــا الكاتب الصحافي والسياســي والبرلماني والدبلوماس­ــي الفلسطيني الأسبق نبيل عمرو، الــذي ظل يدافع عن فتح ومنظمــة التحرير إلى أن أُخرج من أطرهما القياديــة. ويريد ليّ القوانين والأعراف وفقا لتطلعاته، بأقل الخســائر الممكنة، خاصة أنه أفضل من أمســك العصا من الوســط. اعتبر الأخ نبيل أن تعدد القوائم داخل حركة فتح هــو أمر يضيف لها فــرص النجاح أكثر من الخســارة، مشــيراً إلى أن «فتــح» بحاجة إلى عــدة قوائم للفوز بالانتخابا­ت. طيب كيف؟ خلينــا نفهم، فأنا اعيش في بريطانيــا التي يطلق عليهــا أم الديمقراطي­ات، وأمارس فيها حق الانتخاب لسنوات، ولكنني لم أسمع بنظرية نبيل عمرو، القوانــن واضحة وصريحة فمن يخرج عــن قرار حزبه فهو منشــق ويطرد من الحزب، حصل ذلك مــع العديد من أقطاب وقامــات حزب المحافظين، خلال أزمة الانســحاب من الاتحاد الأوروبي في الســنوات الأخيــرة، وراح ضحيتها العديد من المعارضين، وفصلوا من الحزب، ونحن نتحدث عن أقطاب في الحزب. وقال عمرو إن فتح هي حركة وطنية وليست فصيلاً، أو حزباً لذلك نظام القوائم يضيف لها ولا يخسرها، كيف يا أخ نبيل، الأصوات ستوزع بين القوائم، ومن لا يصل حد الحسم منهــا، يعني إلقاء الأصــوات التي حصل عليهــا في القمامة، باختصــار أكثر من قائمة يعني اقل مقاعد وربما خســارة. ما يعني أنه ليس نظامــا توحيديا، بل هو نظام تفرقة كما تقول. ولنأخذ القائمة المشــتركة في مناطق48 مثالا، فهي تحتل في الكنيست المستقيل 15 مقعدا في ما الانقسام الذي تسببت فيه الحركة الإسلامية الجنوبية سيفقد المشــتركة نحو 6 مقاعد، بينمــا قد لا تحصل الحركة الإســامية على نســبة الحســم وتذهب أصواتها هدرا.

نظرية غريبة لنبيل عمرو: تعدد القوائم داخل حركة فتح هو أمر يضيف لها فرص النجاح أكثر من الخسارة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom