انتخابات الفلسطينيين: إشكاليات الجسد الممزق
■ تحــوّل الفلســطينيون، بعد نكبــة 1948 ثم هزيمة ثلاث دول عربية في حزيران 1967، إلى جســد مقسّــم بــن الذيــن ظلــوا ضمن مــا يســمى «الخــط الأخضر» وصــاروا «مواطنين» في الكيان الإســرائيلي الناشــئ على أنقاض بنيتهم الوطنية الفلســطينية، ولاجئين في الدول العربية المحيطة، وخاضعين لســلطة احتلال في الضفة الغربية وغزة.
تحوّل ســكان الضفة وغــزة، بعد اتفاقات أوســلو، وعودة منظمــة التحرير إلى فلســطين، إلى ســكان في جغرافيا مقسّــمة لخرائط بأســماء الأحــرف، تحكمها ســلطة وطنيّة فلسطينية تســعى للحصول على سيادة مكتملــة ووضعيــة دولة، ثــم انقســموا، مجــددا، بعد نزاع «فتح» و«حماس» عــام 2007، ليصبحوا مواطنين تحكمهم ســلطتان وطنيتان مهددتــان دائما بالهجمات الإســرائيلية، والحصارات، وإمكانيــة إعادة الاحتلال، كما نشــأ تشــطير جديــد، وخصوصــا بعــد أن أعلنت الولايــات المتحــدة الأمريكيــة، فــي ظــل حقبــة دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل، لفصل المقدسيين عن باقي الجسد الفلسطيني.
إضافــة إلى انعــكاس التشــتت الفلســطيني، بفعل الاســتيطان والاحتــال واللجــوء، بشــكل فــادح على قدرات الفلسطينيين على تمثّل هوية فلسطينية واحدة، فإن أي محاولات للتعبير عن هذه الهوية سياســيا، ولو بطريقــة رمزيــة، تتعرض لأشــكال من القمع والقســر والضغوط، من الســلطات الإســرائيلية التــي تعتبر أي شــكل من أشــكال التوحّد الفلســطيني تهديدا مباشرا لها.
مفيــد في أجواء الانتخابات الحالية، التي ســتجري فــي الضفــة وغــزة والقــدس، وكذلــك الانتخابــات الإســرائيلية التي سيشــارك فيهــا الفلســطينيون، أن نحــاول فهم ما يجري على ضوء هــذا المنظور، بدءا من التطوّر المؤسف الذي حصل بين مواطني دولة الاحتلال الفلســطينيين، والمتمثّــل فــي انفصــال أحــد مكوّنات «القائمة المشــتركة» عنهــا، على خلفيّة وعــود انتهازيّة
من رئيس الوزراء الإســرائيلي بنيامين نتنياهو، ويظهر الأثر السيئ لهذا الانقســام حين نقارنه بالنجاح الكبير الذي حققته «المشــتركة» في الانتخابات الســابقة، مما أدى لجعل الصوت الفلســطيني وازنا ضمن الكنيست وتحســب الكتل السياسية الأخرى، وخصوصا اليمين المتطــرّف العنصــري والاســتيطاني، حســابا له، وهو ما أدى إلى تغييــر نتنياهو لتكتيكاته السياســية تجاه العرب، واستجابة البعض لهذه التكتيكات.
كان ملحوظــا أيضــا، فــي ســياق مناطــق الســلطة الوطنية، الصراعات الناشبة داخل حركة «فتح» والتي كان آخر تداعياتها فصــل عضو لجنتها المركزية ناصر القــدوة مــن الحركة، كما طفــت على الســطح أنباء عن خلافات مع القائد الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي، الذي أعلن نيته خوض الانتخابات الرئاســية ثم تراجع عن ذلك، والقيــادي في الحركة نبيل عمــرو الذي أعلن أيضا إمكانية ترشحه خارج قائمة «فتح».
مــن جهتهــا، فقــد نجحــت «حمــاس» فــي إنجــاز انتخابات داخلية أسفرت عن فوز جديد لقائدها يحيى الســنوار بعــد معركة صعبة مــع القيادي نــزار عوض الله، لكن الإجراءات لم تخل من نقد يطالب، على لســان القيادي يحيى موســى، بـ«دمقرطة» كاملة للحركة، من حق الترشح والدعاية وتقديم البرامج وتشكيل القوائم والتحالفات الانتخابية والنشــر والاعتراض والطعون، والانتقــال علــى تبنــي فكرة المؤتمــر العــام، وهو طرح تجاوز طروحات المعترضين الفتحاويين الكثر.
تدفع هــذه الظواهر للتســاؤل عــن إمكانيّة حصول ديمقراطيــة مجزأة على أقســام الشــعب الفلســطيني، الخاضع كل قسم منه لظروف مختلفة، ويزداد السؤال خطورة حين يوضع ضمن منظور مواجهة الفلسطينيين )المجزئــن جغرافيــا وسياســيا بشــكل لا يشــبه أي شــعب آخر فــي العالم( لخصمهــم الإســرائيلي، الذي يحــاول التلاعب فــي انتخاباتهم، والحد مــن نزوعهم الديمقراطــي، بقدر ما يهمّــه إبقاء ســيادتهم منقوصة وانشقاقاتهم مستمرة.