Al-Quds Al-Arabi

ماذا تبقى من الثورات سوى المرتزقة؟

-

■ أينما ولّيــتَ وجهك هذه الأيام فثمة رائحة ووجه وأخبــار المرتزقة فــي اليمن وســوريا كما فــي ليبيا والعراق ولبنان وحتى تونس. للأســف الشديد، صار الارتزاق واللبننة عنــوان المرحلة في بلاد الثورات. لم يعد أحد يتحدث عن ثــورة، ولم يعد أحد يعمل لصالح الشعوب، بل صار كثيرون يعملون لصالح القوى التي تدخلت في بلاد الثــورات لإجهاضها أو احتلالها تحت حجج واهية. أين ثــورة اليمن الآن؟ مــاذا بقي منها؟ هــل مازالت الفصائل المتصارعة فــي اليمن تعمل لأجل البلد، أم صارت مجرد أدوات وبيادق في أيدي مشغليها المتصارعــ­ن على ثــروات اليمن وموقعــه الجغرافي الاستراتيج­ي؟

خذ الحوثيين مثــًا. هل لديهم أجنــدة وطنية فعلاً لتحرير اليمن وإنجاح أهداف الثورة التي رفعها الشعب اليمني، أم إنهم صاروا مجرد أدوات مفضوحة في أيدي الغزاة الإيرانيين الذين يتفاخرون بأعلى أصواتهم الآن أنهم باتوا يســيطرون على خمس عواصم عربية. وقد كان أحد الإعلاميين الإيرانيــ­ن صريحاً جداً عندما قال بالحرف الواحد إن صنعاء صارت مربط خيلنا. بعبارة أخرى، فإن الحوثي لا يسيطر على العاصمة اليمنية بل يعمل أجيراً لدي المحتلين الحقيقيين لليمن. لا تقل لي إن الحوثي هو الذي يخترع الطائرات المسيرة والصواريخ البالســتي­ة، ولا تقل لي إنه يشتريها حتى، فالصواريخ التي تنهمر على الأراضي السعودية والطائرات المسيرة التي تصل إلى عمق المملكة ليست ملكاً للحوثي، بل هي أدوات إيرانيــة لا تخطئهــا عــن، وأن الحوثي مجرد أجيــر عند مشــغله الإيرانــي. لا تقل لــي إن الحوثي

يحمل مشــروعاً وطنيــاً، لا أبداً بل هو ينفذ المشــروع الإيراني في اليمن. ولو لا سمح الله انتصرت جماعات المرتزقــة الحوثية في اليمن، فهذا يعني أن اليمن أصبح مستعمرة إيرانية كالعراق ولبنان وإلى حد ما كسوريا. لقد كنا طوباويين كثيراً عندما ظننا أن الثورات قد تنتج أنظمــة وطنية، لا أبداً، فأي طــرف ينتصر في الثورات سيكون في النهاية مجرد عميل لدى القوى التي مكنته من الانتصار. وهــذا ينطبق على الحوثي والســوري والعراقي والليبي والتونســي وغيــره. وليس هناك شــك بأنه لو انتصرت قوى المعارضة الســورية على النظام فلن تمثل الســوريين لاحقاً بل ســتمثل مصالح الدول والقوى التي مكنتها من الانتصار على النظام في سوريا. ما حدا أحسن من حدا. الأنظمة تشتغل لصالح مشغليها وكذلك معارضوها الذين ظننا أنهم ثوار.

ومــا ينطبق على الحوثي ينســحب علــى قوات ما يســمى بالشــرعية. وقد قالت مجلة التــايم الأمريكية الشهيرة إن المرتزقة اليمنيين أرخص مرتزقة في العالم، بحيث لا يصل سعر المرتزق في جنوب اليمن الذي تديره الإمارات إلى مئة دولار وأحياناً إلى مئتين. وبذلك يتوزع المرتزقــة اليمنيون علــى ثلاث جهــات. مرتزق يقبض ويقاتل من أجل الســعودية، والثاني من أجل الإمارات والثالث من أجل إيران. حقيقة مرة، لكنها حقيقة.

ولا يختلف الأمر في لبنان وســوريا. هل لدى حزب الله أجنــدة وطنية لبنانيــة، أم إن حســن نصرالله يصرخ بأعلى صوته أنه جندي في خدمة الولي الفقيه في إيران؟ وكما أن النظام نفســه في سوريا تحول إلى أداة فــي إيدي داعميه الــروس والإيرانيي­ن، فإن قوى المعارضة صارت تعمل أيضاً لدى داعميها ومشــغليها. وهــل مثلاً ما يســمى بالجيش الوطنــي المعارض، هل هو جيش ســوري فعــاً، إم إنه يعمل لدى مشــغليه وموجهيــه؟ هل خــاض أي معركة لصالح ســوريا أم لصالــح مموليه؟ من المحزن جداً أننا شــاهدنا مرتزقة ســوريين مما كان يعــرف بالجيش الحــر يقاتلون في ليبيا. كما شاهدنا أيضاً مرتزقة سوريين تجندهم روسيا يقاتلون إلى جانــب الفصائل التي تدعمهــا في ليبيا. وما رأيناه في ســوريا من قتال بين الأدوات السورية، رأيناه لاحقاً في ليبيا. سوري يقاتل سورياً آخر لصالح الجهــات المتصارعة علــى الأرض والثــروات الليبية. ولا ننسى الســوريين الذين يقاتلون لصالح الأمريكي والإسرائيل­ي والفرنسي في شمال شرق سوريا. وكيف ننسى السوريين المساكين الذين جندتهم روسيا للقتال حتى في فنزويلا مقابل دخل هزيل بالدولار.

وحتى فــي ليبيا ذاتهــا، نرى أن الليبيــن توزعوا على القوى المتنافســ­ة على أرضهم. هــذا يقاتل لصالح الروســي وذاك يقاتل لصالح الإماراتــ­ي، وذاك يقاتل لصالــح التركي. وهلم جرا. حتى المشــير خليفة حفتر الذي كان يمــأ الدنيا ويشــغل البشــر اختفى فجأة مــن التداول الإعلامــي بعد اتفاق جنيــف الذي رعته الأمريكية ســتيفاني وليامز. لم نعد نسمع بحفتر الذي أصبح نسياً منسياً عندما اتفقت الجهات المتصارعة على ليبيــا على الحل وجاء الأمر الأمريكي بتســوية الأزمة الليبية. بعبارة أخرى، فقد كان حفتر وميليشياته التي تزعم الوطنية مجرد مرتزقة عند مموليهم ومشــغليهم المعروفــن. وعندما يقرر المشــغل، ينتهي دور المرتزق.

وهــو أمر يســري علــى كل القــوى المرتزقة في ســوريا وليبيا واليمن. الغزاة يقررون ومرتزقتهم المحليون ينفذون.

وحتى تونس التي ظن البعض أنها نجت من تبعات الثــورات تعاني بطريقتها مما تعانيه ســوريا واليمن وليبيــا. هل ما يقوم بها بعض جماعات المعارضة داخل البرلمان التونســي يمثل الشــعب التونســي أم يمثل ممولي وداعمي تلك الأبواق والجماعات التي تشــاغب داخل قبة البرلمان؟

كي لا نكــذب على بعض، لقد انتقلــت بلاد الثورات للأســف الشــديد من الثورة إلى اللبننــة والارتزاق. ويبدو أن الأمــور تتفاقم أكثر فأكثر. في لبنان مجموعة قوى وطوائــف مرتهنة للخارج منذ عقــود، ويبدو أن الحالة اللبنانية بدأت تنســحب على سوريا والعراق واليمن وليبيا وربما تونس. قبل الثورات كان يحكمنا عميل ومرتزق واحد يعمل لصالح مشغليه في الخارج. أما اليوم في بلاد الربيع العربي فقد صار لدينا مرتزقة محليون كثيــرون بدل مرتزق واحــد، وكل فصيل من هؤلاء المرتزقــة يعمل لصالح مموليــه، وبذلك بدل أن تتحــرر بلادنا من الظلــم والطغيان صــارت دويلات وإقطاعيات يقودها الصبيان والعجيان. ماذا تبقى من الثورات سوى المرتزقة؟ وسلامتكم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom