Al-Quds Al-Arabi

«فورين بوليسي»: إيران تزيد من جهود «تشييع» السنة في سوريا

- لندن «القدسالعرب­ي» من إبراهيم درويش:

تحت عنوان «إيران تحاول تحويل ســوريا إلى التشيع» قالت الصحافية أنشال فوهرا في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» وجاء فيه أنه مع مرور عشرة أعوام على الحرب السورية، تحاول إيران جعل تأثيرها دائماً.

وقالت إن نظام البعث لحافظ الأســد كان الأول الذي أعطى شــرعية لآية الله الخميني وثورته الإسلامية في إيران، لكنه كان حذراً من السماح لإيران بتوسيع نفوذها في سوريا كما فعلت في لبنان عبر حزب الله.

لكــن حالة اليأس التي أصابت نجله وخليفته بشــار أعطت التوســعيي­ن في إيــران الفرصة التي كانوا ينتظرونها. ودخلت القوات الإيرانية ســوريا للدفاع عن الأســد ضد المعارضة المسلحة وكذا حزب الله اللبناني بل وجندت الميليشيات من أفغانستان والعراق وباكستان للدفاع عن نظامه.

ومع مرور الوقت، جندت إيران ميليشــيات محلية بذريعة حماية المزارات الشيعية ووطدت علاقتها مع الجهاز العسكري وبخاصة الفرقة الرابعة التي يقودها واحد من أبناء حافظ الأســد، وهو ماهر. وبعد مرور عقد على الحرب الأهليــة باتت الجماعات التي تدعمها إيران تســيطر على ضواحي دمشــق وتحرس البلدات الإســترات­يجية علــى الحدود الســورية - اللبنانية وهي حاضرة بأعداد كبيرة قرب الحدود الســورية مع إسرائيل ولديها قواعد عدة في حلب وأقامت منذ هزيمة تنظيم الدولة عام 2018 عدداً من المعسكرات قرب الحدود السورية - العراقية.

ولم تقم إيران بتأمين هلال التأثير عبر الســاح في كل من العراق وسوريا ولبنان، بل وفي السنوات الأخيرة وبعد انخفاض وتيرة المعارك عملت إيران على تشجيع السنة في سوريا على التشيع أو تخفيف مواقفهم من منافسيهم الشيعة. وتحدثت «فورين بوليســي» مع عدد من السوريين الذين يعيشون داخل مناطق النظام وتحولوا للتشــيع حيث قالــوا إن الأوضاع الاقتصادية جعلت من الصعوبة عليهم تجاهل الامتيازات التي تقدمها إيران. وتوفر هذه الأموال النقدية للمحتاجين السوريين مع جرعة ثقيلة من التثقيف في المدارس الدينية ومنح لأطفالهم للدراســة فــي الجامعات الإيرانيــ­ة وعناية صحية مجانية ورزم طعام ورحلات إلى المزارات الدينية التشجيع على التشيع.

وهذه الإجراءات الصغيرة ليست مكلفة بدرجة كبيرة ولكنها تعطي إيران فرصة للتأثير على الفقراء الســوريين. وقامت إيران بتجديد المزارات القديمة وبنت أخرى، وكأنها تحاول إعادة كتابة تاريخ ســوريا الديني، والتي ظلت دولة ذات غالبية سنية بأقلية شيعية.

وقال عدد من الناشــطين والســكان المحليين والمحللــن إن إيران تحاول تقديم نفســها كقوة ناعمة من أجل بناء قاعدة دعم لها طويلة الأمد بين السنة بهدف الاحتفاظ بتأثيرها والســيطرة على الجماعــات الوكيلة لها كما فعلت في العراق ولبنان. وســاعد النظام الســوري الميليشيات الإيرانية من خلال قراره ســيئ الذكر «أمر 10» والذي يســمح بموجبه ببيع ممتلكات اللاجئين السوريين في الخارج. وقد اشــترت الميليشيات بيوت السوريين وصادرتها في حالات أخرى. بل قام أفرادها بجلــب عائلاتهم من لبنان والعراق للإقامة الدائمة في ســوريا. ويقول الخبراء إن الاختراق الثقافي والديمغراف­ي يهدف لزيادة أعداد الشيعة في سوريا ومساعدة إيران تأكيد قوتها نيابة عنهم. ولو كان عدد كبير من الشــيعة في سوريا، فستزعم إيران أنها تمثل مصالحهم في أي اتفاق نهائي للتســوية وتطالب نيابة عنهم منحهم مناصب سياسية وفي الجيش والمؤسسات الأخرى للدولة.

وتضيف الكاتبة أن إيران تريد ممارســة التأثير علــى الداعمين لها داخل النظــام الحاكم وليس الرئيــس المدين بالفضل لها والذي قــد يتراجع دعمه لها حالة عقد صفقات مع روســيا والإمارات العربية المتحدة اللتين تحاولان إعادته إلى الجامعة العربية. وعلى خلاف العراق ولبنان، فســوريا هي دولة ذات غالبية سنية مما يعني أن مهمة إيران ستكون صعبة، لكن لا شيء يردعها علــى ما يبدو. وقالت إن أحمــد /24 عاماً/ من بلدة المياديــن في محافظة دير الزور، شرق ســوريا فر أثناء الحرب إلى بلدة الباب قرب تركيا، لكن صديقا له أخبره أن كل مشــاكله ســتحل لو انضم إلى كتائب الســيدة زينب. وقال «أخبرني صديقي في الميادين أنني أستطيع العودة والانضمام إلى الإيرانيين ولن يتحرش أحد بي أو بعائلتي.»

ويعمل أحمد كحارس للمزار في جنوب دمشق ويحصل على 100.000 ليرة ســورية شــهرياً، وكان في حاجة لمال أكثر لكي يوفر المال لغسيل الكلى الذي يحتاجه والده. وفي شــباط/فبراير عرض أحد قادة الميليشــي­ات عليه بأن يضاعف راتبه لو تحول من السنة إلى الشيعة، ووافق أحمد حالاً. وقال «قبل فترة عقدنا اجتماعاً مع قائد الميليشــي­ا الذي قال إنه سيتم ترفيعنا ونحصل على أموال لو تشيعنا واستمعنا لبعض المحاضرات في السيدة زينب» و «قلت نعم، مع 20 آخرين لأننا في حاجة للمال، لو أصبحت شــيعياً فسأحصل على 200.000 ليرة سورية وأنا في حاجة للمال لعلاج والدي ولا يهمني الدين.»

وحكى تيم الأحمد، مــن مدينة درعا الجنوبية القصة نفســها عن صديق انضم إلى ميليشــيا تابعة لإيران ثم تشــيع لاحقاً. وقــال «رفعوه وأعطوه شــقة» و «يحصل على علاج صحي مجاني، وعبوات غاز شهرية رغم الأزمة الاقتصادية في ســوريا». وقــال الأحمد إن صديقه حصل فجــأة على منافع غير متوفرة لبقية الســوريين مثل إذن من الأمن للتنقل داخل ســوريا «بدون تحرش .»

وتظل محافظة دير الزور المكان الأكثر نشاطاً للإيرانيين، فقد شهدت مدينة البوكمال على الحدود العراقية نشــاطات تبدو غير ضارة ولكنها فيها تلاعب وفــي الفترة الماضية. فقد قامت إيران بإعادة بنــاء المتنزه الذي دمره تنظيم الدولة وســمته «متنزه الأصدقاء» ذلك أن النظام السوري يطلق على إيران

بالدولة الصديقة. وفي كل أســبوع تقوم الميليشــي­ات بتنظيم نشــاطات في المتنزه حيث يتم إخبار الناس، الأطفال بخاصة عن أئمة الشــيعة وأن إيران هي القوة التقية التي تواجه إسرائيل والإمبريال­ية.

وقال الناشــط صياح ابو وليد من البوكمال «كل الألعــاب البريئة ما هي إلا حيلة لتغيير عقــول الأطفال وعائلاتهم وجرهم نحو التشــيع». وحولت الميليشــي­ات النادي الرياضي في المدينة إلى مطبــخ ومطعم والملعب البلدي إلى قاعدة عســكرية لها، كما يقول أبو وليد. وحسب المرصد السوري لحقوق الإنســان ومقره بريطانيا فقد دعت إيران أناســاً من الميادين إلى مركز النور الثقافي الإيراني في دمشق لحضور دورة حول العقيدة الشيعية. وبعد نهاية الدورة أعطي لكل الناجحين في الدورة 100.000 ليرة ســورية وســلة غذاء. وافتتحت إيــران عدداً من المدارس والجمعيــا­ت الخيرية والمزارات ولم تجد مقاومة كبيرة للتوسع في دمشــق وحلب إلا أنها حاولت إغراء قادة العشائر في دير الزور للتوســع في المحافظة. وعادة ما يهتم قادة العشائر بمصالحهم ودعم القوة الصاعدة أيا كانــت. ورد أعضاء قبيلة البقارة بإيجابية لأن أحد قادتها وجد منفعة من التقارب مع إيران.

وعلى الجانــب الآخر من الحدود تقوم كتائــب عصائب الحق، التي تعمل ضمن الحشد الشــعبي بحماية المصالح الإيرانية. ونظراً لعدم اهتمام روسيا بديــر الزور فلا تجــد إيران أي منافس لها لإنشــاء معســكرات فيها. ويرى الدبلوماسي السوري الســابق بسام بربندي، والمقيم في أمريكا أن نشاطات إيران وحضورها يبذر بذور التمرد في المســتقبل، و»هناك إمكانية لمواجهات ضد الغزو الفارســي». وقال بربندي إن «الإيرانيين وحــزب الله ذهبوا أولًا إلى مناطق العلويين مثــل اللاذقية لكن العلويين مجتمع مفتوح عندما يتعلق الأمر بالدين والأعراف الاجتماعية ويحبون شــرب الخمر، وأخبر العلويون الإيرانيين، «مع السلامة وحظاً سعيداً». ووجد الإيرانيون سهولة في التلاعب بالســوريي­ن الذين تأثروا بشــدة من الحرب، وبالتالي توسعهم في المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة سابقاً».

ويقول نوار شــعبان من مركز عمران للدراســات الإستراتيج­ية إن إيران تبني ببطء وبشــكل ثابت علاقات مع السوريين من كل الطبقات الاجتماعية. و»اشــترت إيران عقارات في دير الزور والمناطق التي يســيطر عليها الأكراد عبر وكلاء محليين» و»نســجوا شــبكة عنكبوت في ســوريا ولديهم ناسهم في كل مكان، في الجيش والحكومة وحتى بين التجار الســنة والمسيحيين». ورغم العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على إيران ضمن سياســة أقصى ضغط إلا أنها ظلت تدعم الأســد. وفي زيارة للصحافية إلى دمشق في آب/أغسطس للمشــاركة في المعرض التجاري، كانت معظم الأكشاك وعددها 31 هي إيرانية تعرض كل شــيء من الطاقة إلى البسكويت والصابون. وبعد عامين أعلن عن إنشــاء غرفة التجارة المشتركة الســورية - الإيرانية، وفي الشــهر الماضي زار وفد إيراني دمشــق لزيادة بصمات إيران الاقتصادية في سوريا. ويخشى المراقبون أن تقوم إيران التي لم تتوقف عن دعم النظام من ضخ المال للميليشيات والجمعيات الخيرية لدفع التشيع حالة انضم جوزيف بايدن للاتفاقيــ­ة النووية. فبعد عامين على توقيــع الاتفاقية النووية، زادت إيران من دعمها لحزب الله.

ولا توجد إحصائيات حول عدد الســوريين الذين غير طائفتهم للتشــيع أو مــن خففــوا موقفهم من الشــيعة لكن التأثيــر العســكري والاقتصادي والميليشيو­ي في ســوريا يخلق الظروف لظهور خطوط صدع جديدة في بلد هش على كل الجبهات. وحينها من السهل الحديث عن مفاقمة إيران التوترات الطائفية في المنطقة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom