محلل يهودي يحذر من تبعات صفقة استعادة الفتاة الإسرائيلية من سوريا
حذر محلل إســرائيلي للشؤون الاستراتيجية من الثمن «غير المتناسب» الذي دفعته إسرائيل مقابل استرداد الفتاة الإســرائيلية المتسللة إلى سوريا في الشهر الماضي، وانتقد التلويح باحتمال اســتعادة رفات الجاسوس إيلي كوهين لأغراض انتخابية.
ويقــول المحلــل الإســرائيلي يوســي ميلمــان الخبير بالشــؤون الأمنيــة والاســتراتيجية إن رئيــس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كان مســرورا جــدا لو أن عظام الجاسوس الإســرائيلي التاريخي في سوريا إيلي كوهين تم إحضارها كي تدفن في البلاد قبيل الانتخابات العامة في الثالث والعشرين من الشهر الحالي.
ويرى في مقال نشــرته صحيفة «معاريف» أن نتنياهو على قناعة بأن هــذه الخطوة، التي حتــى الآن لم تنجح، ويرافقها مرة تلو الأخرى نشر إيماءات كاذبة، كانت ستزيد عدد مقاعده في الكنيست. ويؤكد أنه من أجل ذلك استعان نتنياهو برئيس الموســاد، يوسي كوهين، وبالاستخبارات العســكرية وبيارون بلوم، ممثل رئيس الحكومة لشؤون الأســرى والمفقودين بخلاف معايير العمل السليم. ويتابع «لكن الشــخص الرئيسي هنا هو الرئيس الروسي فلادمير
بوتين. فقط هو الذي يســتطيع ان يستخدم رافعة تأثيره، على فرض أن بشار الأســد يعرف مكان بقايا رفات كوهين. ربمــا يكون هذا هو التفســير لموافقة نتنياهــو على صفقة التبادل المشكوك فيها مقابل الإســرائيلية التي تسللت الى ســوريا )تم تقديم لائحة اتهام ضدها( والتي يؤدي إطلاق ســراحها لخلق ســابقتين على الأقل. ويقــول إن هذه هي المرة الأولى التــي توافق فيها حكومة الاحتــال على دفع فدية مقابــل مواطن قام باجتياز الحــدود بمحض إرادته. ويستذكر أنه في السابق وافقت إسرائيل على دفع عشرات ملايين الدولارات النقدية أو عن طريق سلع مثل النفط، من أجل إطلاق ســراح الطيار المفقود في لبنان منذ حرب لبنان عــام 1982 رون أراد. ويقول إن هنــاك واجبا أخلاقيا لدفع فدية حتى مقابل جنود تم أســرهم، ولكن لا يوجد أي مبرر للدفع من أموال دافع الضرائــب مقابل مدنيين، خاصة وأن افعالهم هي التي تسببت بضائقتهم.»
ويشــير أنه حتى دول غربية وأيضــا دول عربية دفعت في الســابق الفدية من أجــل إطلاق ســراح مواطنيها تم احتجازهم مــن قبل «منظمات جريمة» في لبنان وســوريا وأفغانستان وأمريكا الجنوبية، اشترطت ذلك بأن يكونوا قد اختطفــوا أو احتجزوا رغما عنهم ولم يتطوعوا بالعبور الى الجانب الآخر.
ويعتقــد ميلمان أن تكلفة الفدية مقابــل فتاة هي مليون دولار تقريبا، وهذا المبلغ سيتم دفعه للشركة الروسية التي تنتج لقاح «سبوتنيك» ســيعطى للجيش السوري وجهاز المخابرات السوري ومقربي نظام الاسد.
أما السابقة الثانية في رأيه فهي أن «هذه هي المرة الأولى التي صممت فيها شرطة إسرائيل والنيابة العامة على منع نشر اســم الفتاة، ومن أجل ذلك تم إصدار أمر بمنع النشر بمصادقــة المحكمة، حتى بعد انتهاء التحقيق. وقال إنه منذ الخمســينيات نشر اســم كل إســرائيلي، مدني أو جندي، تمت إعادته من الســجن أو الأســر في دولة معادية أو كان محتجزا لدى منظمة إرهابيــة». ويتابع «مثلا، في منتصف الخمسينيات اجتاز شــلومو مرسكي بن يهودا الحدود الى سوريا وتم اطلاق ســراحه في صفقة تبادل. في عام 1961 تســلل مردخاي لوك )الرجل الذي يحمل حقيبة( بإرادته الــى قطاع غزة. وفي عــام 2004 تطوع الحنــان تيننباوم بالذهــاب الى صفقة مخدرات في أبو ظبي وتم اختطافه من قبل مقاتلي حزب الله ونقل الى لبنان.
أيضا فــي مئــات الحــالات الاخرى تم نشــر أســماء إسرائيليين اجتازوا الحدود وتسللوا الى دول معادية».
وبالنســبة لميلمان فــإن حالــة الفتاة التي يســمونها بالحرف الأول من اســمها «د» وســابقات من الماضي تثير قضايا مهمة تتحدى حكومات إســرائيل التي تجد صعوبة في التعامل معها. ويتساءل ما هي حدود مسؤولية الدولة تجــاه مواطنيها؟ وهل حكم الجنود أو من تم إرســالهم من قبلها الى مهمات مثل حكــم المدنيين؟ وهل المواطنون الذين خالفوا القانون يســتحقون أن تعمل الدولــة على اطلاق ســراحهم؟ وإذا عملت أليس من واجبها معاقبتهم؟ وبدون صلة بمســألة تقديمهــم للمحاكمــة، هل يجــب مطالبتهم بتعويض الدولة عن الأضرار المالية التي تسببوا بها؟
ويوضح أن محاولة من المحاولات الجدية لمناقشــة هذه الأمور كانت في عــام 2008 عندما أمر وزير الأمن في حينه، ايهود باراك، بتشــكيل لجنة فحص برئاسة رئيس المحكمة العليا السابق مئير شــمغار. ويستذكر أن «كل ذلك جاء في أعقاب انتقاد حاد للجمهور لعدد من صفقات التبادل وعلى رأسها صفقة الحنان تننباوم. وعنها يقول «في تلك الصفقة الفضائحيــة وافقت حكومــة اريئيل شــارون على إطلاق ســراح نحو 400 إرهابي مقابله ومقابل جثث ثلاثة جنود إســرائيليين. وبعــد انتهاء عمل اللجنة في2012 ناقشــت حكومة نتنياهو التقرير، لكنها لم تتبن استنتاجاته.»
ويقــول انه رغم أن التقرير كان ســريا ولم يتم نشــره رســميا فقد تســربت منه بعض التفاصيــل، وهو يتحدث عن سلم أولويات وعن تناســب: اللجنة تفرق بين المدنيين والجنود وتقول إنه يجب التمييز بين أربعة ســيناريوهات من خلالها يتم اشــتقاق موقف الحكومة والتزامها، حسب ترتيــب تنازلــي للأهمية: جندي تم أســره أثناء نشــاط عملياتي، وإســرائيلي أســر فــي أعقاب نشــاط إرهابي، ومواطن إســرائيلي اجتاز بالخطأ الحــدود وتم اعتقاله، ومواطن اجتاز الحدود بإرادته.
وفي رأي ميلمان فإنه في كل واحدة من هذه المجموعات الثمــن الذي يكــون على إســرائيل دفعه يجــب أن يكون متناســبا، فـ «الجندي الأســير أو المخطــوف يجب إطلاق ســراحه مقابل عدد غيــر كبير من الســجناء وجثث قتلى العدو. وجثة الجندي ستتم اســتعادتها مقابل الإفراج عن جثة عدو أو ســجين واحــد. من الواضح أنــه مقابل إعادة مدنيــن، الذيــن بالتأكيد هــم مدنيون اجتــازوا الحدود بإرادتهم، الثمن يجب أن يكون أقل.»
ويرى أن «حكومة شــجاعة يجب عليهــا وضع خطوط حمراء واضحة: من اجتاز بإرادته الحدود الى دولة معادية، وهو مســتقر نفسيا، لا يســتحق أن تهب الدولة لمساعدته. ويمضي في توجيه انتقاداته للحكومة الإسرائيلية بالقول «عندما لا تقوم الحكومة بعملها فــي القضايا المصيرية مثل أزمة كورونا أو المشروع النووي الإيراني أو المفاوضات مع السلطة الفلســطينية أو الاتفاق مع حماس الذي سيسمح بإعادة جثامين الجنود )والمفقودين المدنيين الذين اجتازوا الحــدود بإرادتهم الى غــزة( فإن توقع أن تحــاول تبني سياســة عقلانية في كل مــا يتعلق بالأســرى والمفقودين والمتســللين بإرادتهم، يكاد يقارب الصفر. عندما يتم اتخاذ القرارات حسب نزوة ودون أي نقاش جذري ومعمق، يبدو أن «د» لــن تكون المتســللة الأخيرة، والثمــن الذي دفعته إسرائيل مقابل اطلاق سراحها هو سابقة لثمن أعلى بكثير ستضطر الى دفعه في المستقبل.»