Al-Quds Al-Arabi

خبراء دوليون يرسمون ملامح جديدة للصراعات العالمية في عصر الطاقة النظيفة

-

■ نيويورك - دب أ:منذ خمســينيات القرن الماضي تقوم «مؤسســة راند» الأمريكيــ­ة للأبحاث، بالتعاون مــع وزارة الدفاع الأمريكيــ­ة، بتصميم محاكاة لمناورات عســكرية وبوضع نماذج للســيناري­وهات الأمنية العملية التي يمكن أن تواجههــا الولايات المتحــدة مثل خوض حرب على جبهتــن في وقت واحد ضد روســيا والصين. والآن حولت مؤسســة الأبحاث أدوات «سياســة الواقع الافتراضي» لديها للتعامل مع قضايا أكثر ارتباطا بمجالات البيئة.

ومن هذا المنطلق تساءل مارك شــامبيون كبير محرري الشؤون الدولية في تحليل حديث عن الكيفية التي ستغير بها الطاقة النظيفة العالم.

وذكر شــامبيون أن «مؤسســة راند» أصبحت واحدة ضمن عدد قليل، لكنه يتزايد، من مؤسســات البحث والجامعات وحكومة أوروبية واحدة على الأقل أصبحت تضع ســيناريوه­ات وتنظم المناورات التدريبية للتعامل مع التداعيات الجيوسياسة لسيطرة الطاقة النظيفة على العالم في المستقبل.

وهذا الاهتمام يمثل أحدث إشــارة إلى أن فكرة اســتخدام مصــادر الطاقة المتجددة كبديل للوقود الأحفوري بدأت تسود حاليا.

وقــد كان العام الماضي نقطة تحول عندما انضمــت الصين، وهي أكبر مصدر لتلوث الهــواء في العالم، إلى باقي الدول والشــركات الكبرى في تحديد موعد مستهدف للتخلص تماما من الانبعاثات الكربونية.

كما أن الاتحاد الأوروبي أنتج لأول مــرة كميات كهرباء من المصادر المتجددة غير الكربونية تفوق الكميات المولدة من المصادر الكربونية.

وأعاد الرئيس الأمريكي جــو بادين قضية مكافحة التغير المناخي إلى جدول أعمال الرئاسة الأمريكية بعد أن كان سلفه دونالد ترامب قد تجاهلها.

ويقول أولافور راجنار غريمســون، رئيس أيسلندا السابق الذي كان يرأس لجنة دولية لدراســة الجوانب الجيوسياسي­ة للتحول في مجال الطاقة، أن «أي شــخص يمكن أن يكون لاعباً رئيســياً في مجال الطاقة. هذه هي طبيعة الطاقة المتجددة». ويرى غريمسون أن المستقبل للطاقة النظيفة.

وحالياً تحصل أيســلندا على 85 مــن احتياجاتها من الطاقــة من مصادر نظيفة، ويعتمد كامــل إنتاجها من الكهرباء على مصــادر متجددة. وكانت آخر مرة خاضت فيه أيســلندا نزاعــا مع دولة أخرى حول مــوارد طبيعية قد دارت حول مصائد الأســماك. وقال غريمسون «العالم يحتاج إلى نموذج جيوسياسي جديــد... لا يمكن وضع مصادر الطاقة المتجددة في إطار النموذج القديم الخاص بطاقة الفحم والنفط .«

وحتى تفرض الطاقــة المتجددة هيمنتها على العالم، يمكــن أن يكون للنفط تأثيرات مدمرة طويلة المدى. فعلى مدى ثلاثــة قرون تقريباً ، كان الوصول إلى الوقود الأحفوري)الفحم والنفط والغاز( يحدد صعود وسقوط القوى العظمى. فقد ســاعدت مناجم الفحم الوفيــرة والموجودة في مواقع جيــدة على إطلاق الثورة الصناعية لبريطانيا وتوسيع إمبراطوريت­ها.

كما عزز النفط والغاز القوة العســكرية للاتحاد السوفيتي السابق. وشكلت ثــروة النفط والغاز ملامح «القرن الأمريكي» بما فــي ذلك التحالفات الأمريكية وانتشار أساطيل الولايات المتحدة العسكرية حول العالم.

أما اندرياس غولدتو، رئيس مشــروع دراســة التأثيرات النظامية للتحول نحــو الطاقة النظيفة الذي تديــره جامعة إيرفورت الألمانيــ­ة، فيقول «نحن لم نقترب بعد من عالم تسيطر عليه الطاقة المتجددة.»

ويرى شــامبيون أنه يمكن أن يكون لهذا التحول الأساسي في النظام العالمي تداعيات عديدة. فالرئيس الروســي فلاديمير بوتين قد يكافح من أجل المحافظة على صعود روسيا «كقوة عظمى في مجال الطاقة». كما أن انهيار صناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة إلى جانب سيطرة الصين على صناعة مستلزمات الطاقــة المتجددة يمكن أن تحــدد خريطة القــوى العظمى في القــرن الحادي والعشرين. كما أن مبررات التحالفات والقواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوســط قد تتراجع. أيضاً يمكن أن يؤدي اختفــاء العائدات الضخمة لتصدير النفط والغاز إلى انتفاضات شــعبية على غرار ثورات الربيع العربي في الدول النفطية في الشرق الأوسط.

ويقول غولدتو «إن الشــيء الوحيد الذي نعرفه عن مراحل التحول هو أنها ليســت خطاً مســتقيماً أبداً». ويضيف «فلننظر إلى الصراعــات في جمهورية يوغوســافي­ا الســابقة بعد انتهاء الحرب الباردة، أو إلى التحول من الاقتصاد المخطط إلى الاقتصــاد الحر الذي بدأ في أواخر الثمانينيـ­ـات. كما أن الكثير من جمهوريات الاتحاد الســوفيتي الســابق من أوكرانيا إلى تركمانستان مازالت تعاني من الاضطرابات وبعيدة جدا عن النظــام الديمقراطي بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود».

ويقول إيريك وارنيس، كبير خبراء الاقتصاد في شــركة «إيكوينور» للطاقة النرويجيــ­ة المملوكة للدولة، أنه من الصعب رؤية انتقال ســلس وســريع إلى الطاقة النظيفة في ظل البيئة التنافســي­ة والنزعات القومية السائدة في العالم حالياً. وشارك وارنيس في لجنة غريمسون ويتفق بشكل عام مع استنتاجاته­ا المتفائلة بشأن مستقبل الطاقة.

ويضيــف وارنيس «لكي يحدث التحول الكامل فــي مجال الطاقة، قد نحتاج إلى مناخ جيوسياســي معتدل نســبياً... وبدرجة ما فإن هنــاك دائرة إيجابية علينا إنشاؤها» لتوفير هذا المناخ».

ويقول شــامبيون أنه على الرغم من أن مصادر الطاقة النظيفة من الشــمس إلى الرياح وأمواج البحر متاحة للجميع تقريباً، فإن المعركة ســتكون حول من ســيحقق أرباحاً من المنتجات المســتخدم­ة في إنتاجها. وستكون هناك منافسة حامية بــن دول العالم من أجل الحصــول على احتياجاتها مــن ألواح الطاقة الشمسية وتوربينات طاقة الرياح، وهو ما يعني أن الكثير من الدول الأقل حظاً لن تحصل على نصيبها من هذه المنتجات.

وتنتج الشــركات الصينية حاليا حوالي 60 من إجمالــي إنتاج العالم من ألواح الطاقة الشمســية، وهو مســتوى من الســيطرة تحلم به منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» عندما يتعلق الأمر بسوق النفط حاليا.

هذا الوضع يخلق ميزة تجارية كبيرة للصين، ولكن لا يمكن للرئيس الصيني ، شي جين بينغ ، الاستفادة منها بسهولة لتحقيق أهداف جيوسياسية.

ورغــم ذلك من المرجــح أن تتركز عدم المســاواة والتنافســ­ات العالمية على الوصول إلى التكنولوجي­ا والتمويل، ووضع المعايير والســيطرة على التجارة في المواد الخام الأساسية المســتخدم­ة في صناعة مستلزمات مشروعات الطاقة المتجددة، حيث تســيطر الصــن على أكثر من 90 من بعــض المعادن الأرضية النادرة اللازمة لصناعة توربينات الطاقة والسيارات الكهربائية.

وقد استخدمت الصين بالفعل هذا الوضع الاحتكاري مرة واحدة مما أدى إلى توقف إمدادات هذه المعادن إلى اليابان بعد نشوب نزاع تجاري بين الطرفين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom