Al-Quds Al-Arabi

إعادة تقييم المسار: الأقلية العربية في إسرائيل تحول قوتها السياسية إلى أموال لتحسين أحوالها

- ميراف ارلوزوروف

■ مع منصور عباس في الكنيســت أو بدونه، ســيكون المواطنون العــرب في جميع الأحوال إلــى جانب الفائز في جولــة الانتخابات الرابعــة. مكانتهم كمواطنين متســاوي الحقوق»تقريبــاً» أصبحــت قويــة، بعــد أن تعلمت جميع الأحــزاب اليهوديــة الاعتــراف بوجــود الأقليــة العربية وحاجتها إلــى خدمتها. وقد أعلنت أحزاب اليســار جميعها بأنها لن تتردد في ضم الأحزاب العربية لائتلاف برئاستها. والأكثــر درامياً هو ســعي رئيس الحكومــة نتنياهو وراء أصوات العرب. هو فعلياً يؤســس ائتلافه المحتمل على دعم منصور عباس من الخارج.

المعنــى واحد بالنســبة للجمهور العربي في إســرائيل، ســواء كانت الحكومة القادمة يمينيــة أو ائتلافاً بين اليمين والوسط؛ ففي كل الأحوال هناك إصغاء سياسي لاحتياجات المجتمع العربي، الذي ســيحصل كما يبدو على إضافة كبيرة من الميزانية. بالنسبة للمجتمع العربي، يأتي هذا في توقيت مثالي، حيث انتهاء الخطة الخمسية للمساواة في ميزانيات المجتمع العربي، وهي على جدول أعمال خطة جديدة.

فــي صالح نتنياهو يجــب القول بأن الخطة الخمســية القائمة، وقرار الحكومة 922 الذي جاء في بداية العام 2016، كان أحد الأفعال السياسية الأكثر شــجاعة لنتنياهو في الـ 11 ســنة من ســنوات ولايته المتواصلة كرئيس للحكومة. احتاجــت المصادقة علــى هذا القــرار إلى ثلاث جلســات للحكومة، وتمــت المصادقة عليه رغم معارضة شــديدة من وزراء صقور فــي حكومة اليمين. فعليــاً، وضع نتنياهو كل ثقله من لهذا القــرار مع أخذ مخاطرة سياســية كبيرة على عاتقه. فــي إطار الخطــة، تم تخصيص ميزانيــة بمبلغ 10 مليارات شــيكل للمجتمع العربي، إلــى جانب فرض واجب غير مســبوق على وزارات الحكومة بأن تخصص للمجتمع العربي حصة ثابتة من ميزانياتها.

تصميــم نتنياهو علــى إجازة القــرار 922 نبع من ثلاثة أســباب: الأول هــو أن دول OECD هددت بأن تكشــف تقاريرها التمييز فــي الميزانيات تجاه المواطنين العرب، بعد أن اعترف رئيس قسم الميزانيات في وزارة المالية في حينه، أمير ليفي، علنــاً، بوجود هذا التمييز. الثاني هو أن نتنياهو فهم أن أقلية مهمشة وفقيرة، تشــكل 20 في المئة من إجمالي سكان إســرائيل، تمثل عقبة أمام قدرة الدولة على مواصلة النمو. واستوعب بأنه لن يكون في إسرائيل نمو بمعزل عن نمو في المجتمع العربي، كما أشــارت رسالة ليفي، بدعم من وزير المالية في حينه موشيه كحلون.

أما ما ساعد على إدراك نتنياهو فهو السبب الثالث، الذي

وقف في خلفية القرار – ففي العام 2015 تنافس العرب للمرة الأولى في قائمة مشتركة للكنيست ووصلوا إلى رقم قياسي بلغ 13 مقعداً. ولم يكــن بالإمكان مواصلة تجاهل هذه القوة السياســية الجديدة للعرب، حتى لو لم يكونوا شــركاء في ائتلاف نتنياهو اليميني. وســاهمت في ذلــك أيضاً المقاربة الجديدة لرئيس القائمة المشــتركة، عضو الكنيســت أيمن عودة )حداش(، الــذي آمن بالتعاون مع الحكومة. فقد وجد عودة أذناً مصغية لدى ليفي، ودفع مهنياً وسياســياً اتخاذ القرار التاريخي.

بأثر رجعي، قرار 922 كان الســنونو الأولى التي بشرت بالتغيير فــي مكانة العرب في إســرائيل: لــن يظلوا أقلية يتم كنســها تحت البســاط، بل أقلية يجــب الإصغاء إليها والاســتثم­ار فيها أيضاً. تم تنفيذ الاســتثما­ر غير المســبوق في عدة مجالات، منهــا المواصلات العامــة والمباني العامة والتخطيط والبناء والتشغيل وزيادة قوة السلطات المحلية والتعليم العالي والشرطة. ورافقتها خطط أخرى، مثل خطة للمجتمع الدرزي وأخرى لبدو النقب، التي أوصلت استثمار الحكومة في المجتمع العربي إلى مبلغ 13 مليار شيكل. لم تكن هناك حكومة في إســرائيل استثمرت هذا الحجم من الأموال في المجتمع العربي.

ليــس بنوايا حســنة فقط يمكــن الذهاب إلــى البقالة. إجمالي الســنوات الخمس لخطة 922 يكشــف كل مشكلات الحكومــة – الكثير من النوايا الحســنة والقليل من القدرة. من بين 10.7 مليار شــيكل في الخطة المصادق عليها، خصص 7.7 مليار شيكل فقط. نفذ منها فعلياً حوالي 3.6 مليار شيكل فقط – نصف المبلغ الذي تم تخصيصه، و36 في المئة فقط من المبلغ الأصلــي الذي صادقت عليه الخطــة. وتعاملت معظم وزارات الحكومــة بجدية مــع خطة أصليــة تاريخية؛ فقد أنشأت وزارة الإســكان قســماً خاصاً لمعالجة خطط البناء فــي المجتمع العربي. وهذا لم يســاعد بشــكل كبير. ومجال التخطيط والبناء هو أحد المجالات التي لم تنجح الخطة 922 في إحداث ثورة فيها.

يشير إجمالي الإنجازات إلى بعض المجالات التي حدثت فيها انطلاقة؛ فقد قفز عدد الطلاب العرب للقب الأول إلى 18

في المئة في التعليم العالي، أي مثل نســبتهم لدى الســكان تقريبــاً، أما الألقاب الأعلى فما زال الأمر فيها على حاله. وفي مجال التخطيط حدثت ثورة أيضاً، حيث حصلت 95 في المئة من القرى العربية الكبيرة على خطط هيكلية مصادق عليها. شــخصيات رفيعة في المجتمع العربي تنظر إلى هذا على أنه «إنجاز هســتيري»، في ضوء تخلف كبيــر في خطط البناء المصادق عليها ســابقاً. وهذا الإنجاز لــم ينضج بعد ليصبح بناء على الأرض.

إضافــة إلى ذلــك، تم بناء 26 مشــروعاً للشــوارع، كما تضاعف اســتخدام المواصــات العامة، وتم بناء عشــرات المباني العامة و11 مركزاً للشــرطة و36 مشــروعاً في مجال الصرف الصحــي. «المجالات التي يمر فيهــا التنفيذ بصورة مباشرة في الحكومة»، قال عوفر دغان، مدير عام مشترك في جمعية «سيكوي»، التي تعمل على الدفع قدماً بالمساواة بين العرب واليهــود. «وكما نجحت المواصلات العامة أو التعليم العالي، فالتخصيص والتنفيذ كانا جيدين أيضاً.»

في المقابل، ما لم يعمل بشكل جيد هو جميع الاستثمارا­ت التــي كانت بحاجة إلى تدخل الســلطات المحليــة العربية، بســبب ضعفها. وكل ما ووجــه بعقبات خاصــة للمجتمع العربــي، مثل كــون الأراضي فــي القرى العربيــة خاصة، وليست تابعة لسلطة أراضي إسرائيل. ولأن 93 في المئة من الأراضي في إسرائيل تعدّ أراضي دولة، ففد اعتادت الحكومة إلى التخطيط والتطوير والبناء في أراضيها، وهذا لم ينجح في القرى العربية، التي تعد فيها الأراضي خاصة.

بتأخير كبير، أدركت الحكومة بأن تخصيص الميزانيات لا يكفي، بل يجب أيضاً التغلــب على العوائق التي تمنع تنفيذ الميزانية. «لقد نسوا تعزيز آلية الاستغلال الأساسية لأموال 922»، قال دغان. «بدون أقســام هندســة قويــة فلن تنجح الســلطات المحلية العربية في تنفيذ ميزانيات للبناء، وهي بدون مستشــارين ليس باستطاعتها الإجابة على الأصوات الداعيــة للإنفاق». وتحدث دغــان أيضاً عــن الحاجة إلى ملاءمة سياســة الحكومة مع الاحتياجات الخاصة للمجتمع العربي. ومثال على ذلك، الشــرط الذي تتضمنه خطة «ثمن للســاكن»، يمكن المشــاركة في القرعة فقــط لأزواج عقدوا قرانهم، في حين أن شراء شقة مشــتركة في المجتمع العربي هو على الأغلب شرط مسبق للزواج. على أي حال، يبدو أن نجاحاً جزئياً لقرار 922، فتح الشهية. يرسم المجتمع العربي الحاجة إلى خطة مكملة. أولاً، هي خطة يجب أن تشمل جميع المجالات التي لم تحصل على ميزانيــات في إطار خطة 922. خطة لإغلاق الفجــوات الصحية، ومعالجة فرع الســياحة والزراعــة والرفاه، وبالأســاس زيادة ميزانيــات التعليم العربي. حتى الآن خصصــت وزارة التعليم الميزانيات فقط لإغلاق الفجوات في التعليم الأساســي، لكنها أبقت المراحل الإعدادية والثانوية بدون أي إضافة في الميزانية.

ثانياً، كانت في مجال التشــغيل إنجــازات في إطار 922 مع زيادة واضحة في تشــغيل النســاء العربيات، والمرحلة القادمة يجب أن تركز على جودة التشغيل. لم يعد الأمر فقط دمجاً في التشــغيل، بل دمج في التشغيل مع أجر وإنتاجية عالية. بعد لحظة من انتهاء أزمة كورونا، حيث تكبد المجتمع العربي زيادة كبيرة في البطالة داخله، ســيكون هذا تحدياً غير بسيط.

بالطبع، درة تاج الخطة المكملة هي إيجاد طريقة للتغلب على العقبات التــي منعت تطبيق الجزء الأهم في خطة 922، وهو زيادة احتياطي الوحدات الســكنية في القرى العربية. المشــكلة هنا هي أن العقبات ليست في الميزانيات، بل ثقافية وقانونيــة، الأمــر الذي يحتــاج إلى نوايا حســنة من قبل الحكومة بشــكل خاص، ومن قبل المجتمــع العربي، من أجل النجاح وتحطيم العوائق.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom