Al-Quds Al-Arabi

هل يكسب نتنياهو الانتخابات أم يخسر ويُسجن؟

- د. جمال زحالقة* *رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48

الانتخابــ­ات الإســرائي­لية، التــي ســتجري بعد أيام معدودة، ستحســم مصير بنيامــن نتنياهو، فإذا كســبها وحصل هو وحلفاؤه على أغلبية مطلقة، ســيحاول، عندها، تمرير قانون خاص يوقف محاكمتــه ويؤجّل إجراءاتها إلى أجل غير مســمّى. أمّا إذا خســرها وتشــكلت حكومة بديلة، فمن المتوقّع أن تســتمر محاكمته بوتيرة أســرع، وإذا أدين، كما المتوقّع، بتهم الفســاد وتلقّي الرشــوة فسيكون مصيره الســجن، مثلما كان مصيــر إيهود أولمرت، الذي ســبقه في الحكم. أما من الناحية السياســية، فــاز نتنياهو ام لم يفز، فنتيجة الانتخابات محســومة ســلفًا لصالح اليمين، الذي يحظى بأغلبية كبيرة في كل الأحوال.

هذه هي الانتخابات الرابعة في إســرائيل خلال سنتين، وليس واضحاً إذا كانت ســتحلحل الأزمة السياسية، إذ تدل كل اســتطلاعا­ت الرأي على أن مسألة تشــكيل حكومة، أي حكومة، وبقاء أو ذهاب نتنياهو ليست معروفة بعد. النتائج المتوقّعة أقرب إلى التعادل منها إلى الحسم، ما يجعل تشكيل الحكومة المقبلة أمراً فــي غاية الصعوبة والتعقيد، خاصة أن هناك معارضة قوية عند معظم الأحزاب المتنافسة للمشاركة في حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد.

بعد عشرات السنين من المنافسة الانتخابية الشديدة بين معسكر اليسار الصهيوني ومعسكر اليمين الإسرائيلي، تأتي هذه الانتخابات في غياب شبه تام للنقاش السياسي، وهي تتمحور حول سؤال واحد وهو: هل يبقى نتنياهو أم يذهب؟ التطوّر الجديد، الذي يعمّق الأزمة السياســية في إسرائيل، هو أن اليمين مقســوم على نفســه في هذه القضية، إذ التزم كل مــن أفيغــدور ليبرمان، زعيــم حزب «إســرائيل بيتنا» اليميني المتطــرف، أكثر من مرة بعدم المشــاركة في حكومة نتنياهو، وقــد منع هذا الموقف نتنياهو من تشــكيل حكومة عقب الانتخابات الثلاثة السابقة. أمّا جدعون ساعار رئيس حزب «أمل جديد» فقد انشــق عن الليكود، وأقام حزباً هدفه التخلّص مــن نتنياهو. وحتى حزب «يمينا»، الذي يرأســه نفتالي بينيــت، رفض الالتزام بدعم نتنياهــو، وترك الباب مفتوحاً لبدائل أخرى بعد الانتخابات.

يتكوّن التحالــف الداعم لنتنياهو من حزب الليكود، وهو اليوم الحزب الأكبر في إسرائيل، وأحزاب دينية فقط، بعد أن هجرته الأحــزاب اليمينية العلمانية. ويحصل هذا التحالف في الاســتطلا­عات الأخيرة علــى ما يقارب 49 مقعــداً، منها لحزب الليكود 30، ولشــاس 8، وليهدوت هتوراة 7، ولحزب «الصهيونية الدينية» 4. وقد يتعرّض هذا المعسكر لانتكاسة في حال عدم عبور الأخير نســبة الحســم التــي هي أربعة مقاعد بالضبط. ووصل الأمر بنتنياهو أن دعا إلى التصويت له لحمايته من الســقوط. إذا اضفنا إلى هذا التحالف حزب «يمينا» بزعامة نفتالي بينيت، الذي تتوقع له الاستطلاعا­ت الحصول على حوالي 11 نائباً، يصل تحالف نتنياهو إلى 60 عضو كنيســت من أصل 120، وينقصه صوت واحد للنجاح في تشــكيل حكومة. ويأمــل نتنياهو أن يســحب نواباً من أحزاب أخرى ويغريهــم بالمناصب، كي يتركوا أحزابهم، وقد لّمح إلى هذه الإمكانيــ­ة أكثر من مرة. هناك حزب آخر عبّر عن انفتاحه علــى إمكانية دعم نتنياهو ولــم يلتزم بالتصويت ضده، وهو حزب القائمة الموحّدة )الذي يتأرجح حول نسبة الحســم بين الســقوط والحصول على 4 مقاعد(، التي تمثل الحركة الإســامية الجنوبية )تختلف عن الشــمالية، التي يرأسها الشــيخ رائد صلاح(، ولكن نتنياهو أعلن أنه لا يقبل هذا الدعم، ولن يقبل تشــكيل حكومة حتــى بامتناع القائمة الموحّدة.

لا تشــكّل الأحزاب المعارضة لنتنياهو تحالفاً أو معسكراً متماســكا ومنســجما، بل هي مجموعة من القوى السياسية المتنافــر­ة أيديولوجياً وسياســياً. الحزب الأكبــر المنافس لنتنياهو هو «يوجد مســتقبل» برئاســة يئير لبيد ويحصل في الاســتطلا­عات علــى 20 مقعداً، وهو حــزب مركز – يمين

بالمقاييس الإسرائيلي­ة. الحزب الثاني هو «أمل جديد» برئاسة جدعون ســاعار، ولا يختلف عن الليكود في شيء سوى في الدعوة إلى إســقاط نتنياهو، وهو يصل في الاســتطلا­عات إلى 11 مقعداً، ويليه حزب «إســرائيل بيتنا» بزعامة اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان، ويحصل في الاســتطلا­عات على حوالي 7 مقاعد ويركّــز في توجيه حملته الانتخابية، ضد ما يســميه هيمنة الأحزاب الدينية. وعاد إلى الحياة السياسية حزب «العمل» برئاســة ميراف ميخائيلــي، ليحصل على 6 مقاعد في الاســتطلا­عات، بعد أن أعلن الكثيرون عن وفاته. ويتأرجح كل من حزب «ميرتس» وحزب «أزرق أبيض» حول نسبة الحسم بين صفر وأربعة مقاعد، وفي حال سقوطهما، أو حتى سقوط أحدهما فسوف تزداد بشكل دراماتيكي حظوظ نتنياهو في البقاء في السلطة. تشــير الاستطلاعا­ت إلى أن لهذه المجموعة حوالي 52 مقعدًا، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن القائمة المشتركة، ولها في الاســتطلا­عات -‪9 8‬ مقاعد، وهي تقف بحدّة أكبر ضد نتنياهو، فإن حوالي 60 يعارضون عودة نتنياهــو إلى الحكم بعد الانتخابات. في كل الأحوال يبدو أن ما سيحسم الانتخابات الإسرائيلي­ة هذه المرة، ليس الأحزاب الكبيرة، بل من سينجح ومن سيسقط من الأحزاب الصغيرة المتأرجحة حول نسبة الحسم.

يبدو نتنياهو قريبا من الفوز في الانتخابات، وحتى الفوز بأغلبية مقعد واحد هو نصر كبير لــه، بعد أن ظنّ الكثيرون أنه أنهى حياته السياســية بسبب تورّطه في ملفات الفساد، وفشــله في إدارة أزمة كورونا. ما يبقي نتنياهو في السلطة هــو أن المجتمع الإســرائي­لي يتجه أكثر فأكثــر نحو اليمين، ووفق الاســتطلا­عات تحصل الأحزاب، التي تعرف نفســها كيمين، علــى ما يقارب 80 عضو كنيســت، ولذا، ومهما كانت النتائج، فإن الحكومة الإســرائي­لية المقبلة ستكون بالتأكيد حكومة يمينية. لا توجد منافســة لنتنياهو من اليســار، أو من الوســط، والمعركــة الوحيــدة، التي يديرهــا هي حول قيادة اليمين الإســرائي­لي، الذي له الســلطة والهيمنة. لقد قام نتنياهو خلال الســنوات الماضية بقمع أي شــخصية من الممكن أن تنافسه، وسيطر بشــكل كامل على حزب الليكود، بعد أن تخلّص من ســيلفان شالوم وموشي كحلون وموشي يعلــون، وحتى مــن جدعون ســاعار، الذي لــم ينجح في المنافسة داخل الليكود فانشق عنه. لقد أصبح الليكود حزب السلطة، والصيغة الإســرائي­لية لحكم الحزب الواحد، ومن يرأس الليكود يكون رئيســا للوزراء. لا تصح مقارنة القوى

والقيادات السياســية، وفق مواقفها فحسب، ولا حتى وفق مناوراتها السياسية، بل يجب ربط الموقف بالقوّة. الخطورة السياسية هي حاصل ضرب مدى الرذيلة بمدى القوّة. هناك من منافسي نتنياهو من هم مثله أو حتى أكثر تطرفاً منه، لكن ليس لديهم القدرات والمهــارا­ت والقوّة التي عنده، وبالتالي هــم بالمحصلة أقل خطورة منه، فهو قادر على صناعة الشــرّ بنجاعة وبمهارة فائقتين، لذا هو خطير جدًّا وسقوطه يخفّف المخاطر ولو قليلًا.

تكمن خطــورة نتنياهو في أنّه نجح في جــر دول عربية إلــى التطبيــع مع إســرائيل، واســتطاع تهميــش القضية الفلســطين­ية، ووضع علــى الطاولة مشــروع الضم ليعود إليه لاحقًا، وهو يلعــب بالنار في الملف الإيراني ويقصف في ســوريا، وهو يخطط لحرب على لبنان وحــرب أخرى على غزّة، وذلك وفــق القاعدة التي صاغها منذ ســنوات طويلة وهي «التهديد الاستراتيج­ي بحاجة إلى حسم استراتيجي.» ومن يعتقد أن «الســام الإبراهيمي» قد يخفــف من النزعة العســكرية العدوانية، فهــو يخطئ في قــراءة الواقع، لأن هذا الســام المزعوم لن يكون له وزن فــي قائمة الاعتبارات الإســرائي­لية، عند اتخاذ قــرار عدوان عســكري ما، فهو لم يزد مــن احترام العرب، بل عمّق الاســتهتا­ر بهم في الذهنية السياســية الإســرائي­لية. لقد اســتفاد نتنياهــو كثيراً من التطبيع العربي، وظهر وكأنّه سياســي «ســاحر»، يستطيع اســتدراج دول عربية إلى حظيرة التطبيع مــع المضي قدماً في مشــاريع تعميق الاحتلال والتهويد والاستيطان والمس بالأقصى. إذا عاد نتنياهو لكرســي رئاسة الوزراء فسيكون ذلــك إلى حد كبير بفضــل الدعم العربي، مــن دول التطبيع المعلــن، ومن دول التطبيع غير المعلــن، ولا نقول المخفي لأنه لم يعد مخفياً. وحين يرتكب نتنياهو الجرائم بحق الشــعب الفلســطين­ي وشــعوب المنطقة، فإن له حلفاء عرب منحوه غطاء القبول والشرعية، وما يشبه الدعوة إلى التسامح مع العدوان والجريمة. وحتى لو لم يعــد نتنياهو، فكل ما تقوم به إسرائيل من جرائم وبالتهرّب من تبعات ارتكاب الجرائم، وبغض النظر عمّن في قيــادة الدولة العبرية، لا يمكن فصله عن التطبيع، الــذي يعبّد الطريق امام المجرمين والجرائم ولا علاقة له بقيم السلام السامية.

التطبيع، يعبّد الطريق أمام المجرمين والجرائم الإسرائيلي­ة، ولا علاقة له بقيم السلام السامية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom