Al-Quds Al-Arabi

كم من الجرائم ترتكب أثناء غيابك

- د. علي محمد فخرو* *

في الأيــام القليلــة الماضية جــرت أحــداث ومناســبات تســتحق التعليق على جوانب منهــا، خصوصــا عندما تمس جوهــر الحــدث أو المناســبة وتشوههما.

في العراق قــام البابا بزيارة مواساة وتعاضد معنوي لضحايا الهجمة البربرية الاســتعما­رية، الصهيونية في حقيقتها، التي أدت إلى موت الألوف مــن المدنيين الأبرياء، وتشــريد الملايــن، وتدمير البنية التحتيــة، وإدخال مجتمع العراق في أتــون الصراعــات الدينيــة الطائفية والعشــائر­ية، وفتح الأبواب مشرعة لمجيء العنف الإســامي الهجمي المفتري على الإسلام وسماحته لاستباحة العراق وكل سكانه.

كانت دعوة البابا لإعلاء شأن الأخوة الإنسانية، والتعايش والتســامح ما بين الديانات السماوية، والانتقال من ظلام الجحيم الذي يعيشه العراق إلى نور مستقبل حضاري إنساني.

كانت دعوة صادقة وبلســما لجــراح الملايين من أبناء العراق وأمتهــم العربية. لكن أن يكتفي البابا بالحديث عــن العموميات ووصــف الجرائم التي ارتكتبت، بدون أن يشــار بالاســم إلــى المجرمين المتآمريــ­ن الكذابــن، الرئيس الأمريكي الســابق جورج بوش الابــن، ورئيس الــوزراء البريطاني الســابق توني بلير، اللذين اعترفا بأنهما أشــرفا على مؤامــرة غزو العراق وتدميــره، بكذب متعمد وشــعارات صليبية حمقاء، وباســتعما­ل انتهازي لمؤسســاته­م الاســتخبا­راتية الإجراميــ­ة، لغض الطرف عن ذلك الكذب، وتســببا فــي ما حدث من مآس ودمــار، وبدون مطالبة علنية مــن قبل البابا بمحاكمة الاثنين ومن أعانهما من أمثال ديك تشيني ورامســفيل­د وبريمر كمجرمين حرب، فإن ذلك غير مقبول منطقيــا وأخلاقيا وضميريــا، وبالتالي قاد إلى الشعور بأن المهمة النبيلة التي قام بها البابا، قد خدشت وكانت ناقصة.

المناســبة الثانية هي ذكرى مرور عشــر سنوات على بدء سلسلة أحداث التدمير البشري والعمراني الهائل للقطر العربي السوري. وبعيدا عن مماحكات كيف بــدأت تلك الأحــداث، ومن ارتكــب الأخطاء من داخل القطر الســوري وخارجــه، فإن الواضح وضوح الشــمس، أن مؤامرة خارجيــة وداخلية، وجهات حاقدة علــى التاريخ النضالــي العروبي التحرري للشــعب الســوري الشــقيق، وبلادات مواقف عربية، من قبل العديد من الأقطار العربية، والجامعــة العربية، ومنظمة التعاون الإســامي، وتســهيلات متعمدة لدخول ســوريا واستباحتها من قبل قــوى عنفيــة جهادية مجنونــة قادمة من كل أصقــاع الأرض، مع تجاهل فضائحــي من قبل الســلطات التركية... فإن كل ذلك ساهم في مأساة مريعة للشعب السوري العربي الشقيق. والسؤال الحائــر: ألم تتعب الأمة العربيــة من عيش عجزها ومناقشــات­ها البيزنطية لتسترد الموضوع السوري من يد الغير، ولترد للشعب السوري كرامته وتعمل بشتى الطرق الممكنة، وهي كثيرة لو توفرت الإرادة القومية، لوضع تصور معقول، ولو مرحلي، لإخراج شعب سوريا من الجحيم الحالي، وعودة المهجرين، والبــدء بإعادة بنــاء ما تدمر، مــن خلال خطوات أولى أساســية مثل، أن ترفض الحصار الاقتصادي الأمريكــي الجائــر وتكســره، وتعيد ســوريا إلى مكانها فــي الجامعة العربية والقمــة العربية، وكل المؤسســات القومية المشــتركة؟ الأمر صعب ولكنه ممكن لو توفر الوعي العروبــي والضمائر الخائفة من لعنــات التاريخ، ولو قررت هــذه الأمة أن تثور وتتحدى.

المناســبة الثالثة هــي احتفال العــرب مع باقي الشــعوب بالمرأة. لقــد تعالت في الوطــن العربي حفلات الحــب والتقديــر والمدائح لــأم والأخت والزوجــة، الفلكلوريـ­ـة. وذرف البعــض الدموع الصادقة تأســفا على مــا تواجهه المــرأة العربية من تحرش، وســوء معاملــة وجحــود وتهميش تاريخي. والســؤال: هل أن المــرأة العربية بحاجة لتلك الكرنفــال­ات والقصائد، أم أنها بحاجة لقوانين حقوق إنســانية كاملــة، ولفــرص حياتية مماثلة ومساوية لأخيها الرجل، ولأنظمة أسرية وشخصية تساويها بكل أفراد العائلة؟ وعليه أليس من الأفضل أن يغير مسمى يوم المرأة العالم ليصبح يوم حقوق المرأة العالمي؟

والحدث الرابع هو التصاعد الأخير لآلام وكوارث الوضع الاقتصادي والسياســي والأمني في القطر اللبناني الشقيق. واضح أن الحصارات والتدخلال الخارجية يقصــد بها أن يدفع لبنان ثمن انتصارات شعبه على مؤامرات الإذلال والتركيع الاستعماري والصهيوني. فهل ســيترك لبنان ليواجه الطوفان لوحده دون عون وإســناد من قبل أشقائه العرب؟ كل مــا يواجهــه ويصطلى بنــاره وطننــا العربي يســتدعي أن نصرخ بأعلى صوتنا: يا رابطة هوية العروبة، كم من الجرائم ترتكب أثناء غيابك؟ كاتب بحريني

كل ما يواجهه وطننا العربي يستدعي أن نصرخ بأعلى صوتنا: يا رابطة هوية العروبة، كم من الجرائم ترتكب أثناء غيابك؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom