Al-Quds Al-Arabi

الصين وزلزال الثورات العربية

- *كاتب وصحافي مصري عادل صبري *

دخلــت الــدول العربيــة مرحلــة مخاض ثورات الربيع العربي، نهاية العشــرية الأولى من القــرن الحالي، ولم تنتبه الصين إلــى الكارثة التي تنتظرها. كانت دول تغلي تحت وطــأة الفســاد السياســي والتوريث، التي تعامــل معها الصينيون برضى تام في ســوريا بشــار، ورحبوا بمؤشــراته في مصر، بمد العلاقات بين الحزب الوطنــي والحزب الشــيوعي الصينــي. وجهت الصين دعــوة لجمال مبــارك فــي أغســطس/آب 2010، لزيارة الصين فــي الفترة ما بــن أكتوبر/تشــرين الأول حتى نوفمبر/تشــرين الثاني 2010، بمناسبة احتفالات بكين بأعياد الثورة الشيوعية.

ورغــم قبــول جمــال مبــارك لتلــك الدعــوة بصفتــه أمينا للجنة السياســات في الحــزب الحاكم في مصر، والمرشــح كما يظنون لخلافة أبيه، فإن المشــهد بيّن إلى أي مــدى يفتقد الصينيون لرؤية الواقع المصري. فالأمر المخطــط مســبقا أن مصر كانــت مقبلة علــى انتخابات برلمانية في شــهر أكتوبر، تجري علــى 3 مراحل، تنتهي قبيــل نهايــة العــام، وكانت الأوضــاع داخــل الحزب الوطني سيئة للغاية، حيث ابتدع أحمد عز أمين التنظيم وجمــال مبــارك، طريقــة جديــدة لاختيــار المرشــحين

للحــزب، أثــارت انشــقاقات واســعة. كانــت مرحلــة بدايــة انهيار الحزب والنظام برمتــه. واكبت ذلك حملة واســعة من العمال الُمســرحين من المصانع والشركات العامة، التي طرحت للبيع، وشاركت قيادات نقابية في المظاهرات التي اندلعت في المدن الكبرى، وأمام البرلمان احتجاجــا على الفســاد والغــاء، وانطلقــت الحملات الشــبابية ضد حالات التعذيب داخل الأقسام، وقضية التوريث، مستخدمة الفيسبوك ووسائط الإعلام البديل في مواجهة السلطات.

وبينمــا كانت مصر على صفيح ســاخن، وتظهر آثار هذه الســخونة فــي الإعلام الدولي، خاصــة بعد تزوير نتائــج انتخابات برلمــان 2010، كان الصينيون يتابعون حفــات أعياد الميلاد في مصر والشــرق الأوســط، إلى أن وقعــت الواقعة في تونس وهرب الرئيس التونســي زيــن العابديــن بــن علــي بعــد أيــام قليلــة مــن انفجار شــرارة الغضب مطلــع يناير /كانــون الثاني 2011. ظن الصينيون في اللحظات الأولى لميلاد الربيع العربي، أن ما يحدث في تونس أمر لا يعنيهم في شــيء، باعتبارها دولــة تقع فــي اهتمامات الغــرب، خاصة فرنســا، لأن حجم التجــارة بينهما ضعيفة للغاية. شــعر الصينيون بالمشــكلة بعد أيام من وصول شــظايا الثورة التونسية إلــى عواصم العرب، حيث ارتفعــت صيحات الغاضبين فــي القاهــرة، ومــن بعدها فــي ليبيــا واليمــن، وزادت تفاعلات الشــباب العربــي على السوشــيال ميديا، بما يدور في تونس من أحــداث. أفاق الصينيون على واقع لم يفهموا مغزاه، ولا حجم الكوارث المترتبة عليه، حيث لا ســبيل لهم بالأســالي­ب التي يتبعها الشــباب العربي فــي الترويــج لأفكارهــم، ودفــع غيرهم للمشــاركة في الاحتجاجات. فالصينيون تمكنوا خلال العقد الأول من القرن العشــرين، من بناء حزام ناري «فاير وول» حول الصــن يمنع عن شــبابهم الفيســبوك وتويتــر، وغيره من وســائط التواصل الاجتماعي، عدا دفعهم شــركات ياهــوو وغوغــل وهــوت ميــل إلــى تســليم المعلومات كافــة، التــي تطلبهــا الجهــات الأمنية عــن المعارضين، أو الذيــن يخرجــون على تعليمــات الدولــة. وتعرضت

شــركات كبرى للطرد من العمل فــي الصين، والملاحقة الإلكتروني­ة، في حالة عدم استجابتها لأوامر السلطات الصينية، وفي الوقت نفســه اتجهت الصين إلى إنشــاء الوســائط الخاصة بها مثل، بايدو ووي شات، وكانت من الفقر الفني الذي يدفع شباب الصين إلى البحث عن برامج كمبيوترية تســمح لهم برؤية الفيســبوك وغيره، بما يعــرض الكثيرين منهم للمطاردة الأمنية والســجن. تلاحقــت الأحــداث بأســرع مما تخيــل الجميــع، وهنا ظهرت اهتمامات الصين بما يحدث في الشارع العربي، فقــد أيقنت أن الحكومات والأنظمــة التي تتعاون معها، أصبحــت غير قادرة على شــرح ما يحــدث على أرضها، وأن الشــارع العربي غاضب، ومع ذلك تجاهلت الصين معرفــة أســباب الغضب، أو ســمحت لأجهــزة إعلامها بالتواصــل مع الناس، باعتبار هذه الأمور ضد قناعاتها وأفعالهــا داخــل أراضيها. كان أمراً غريباً أن ســفارات الصين في الشــرق الأوســط، التــي تضم كــوادر فنية، لها علاقات ممتدة بالــدول العربية، حيث أصبح الجيل الــذي درس في جامعات القاهرة ودمشــق وبغداد، في ســتينيات القرن الماضــي، أثناء فترة المــد الثوري لدول عدم الانحياز، وعلى رأسها مصر والصين ويوغسلافيا وإندونســي­ا، وقــد شــغلوا في هــذا التوقيــت مناصب ســفراء دولهم فــي المنطقة، لــم يحيطوا علمــا بخطورة ما حولهم. خلال مقابلة مع الســفير وو ســي كه سفير الصين خلال زيارته لمصر عام 2010، بدا متفائلا للغاية، بمــا يجري في مصر. وعندما غادر البلاد ليصبح عضوا في مجلس نــواب الشــعب الصيني، ومبعوثا للســام في الشــرق الأوســط، ترك خلفه الســفير تشي تشيان جــي لإدارة البعثــة الدبلوماسـ­ـية، الذي أصبح ســفيرا للصين في ســوريا، وهما من أكبر الباحثين في الشــأن العربــي، ويتحدثــان العربية بطلاقــة. وضمت البعثات الدبلوماسـ­ـية الصينية في لبنــان، وان كيه جيان نائب الســفير الصينــي فــي القاهــرة، مــن قبل وانضــم إليه الســفراء شــن وفونغ فياو ســفير الصين في ســوريا حاليا، وهؤلاء جميعا مــن الرعيل الذي تربي في الدول العربيــة، منــذ نعومــة أظفارهم، حيــث التحــق أغلبهم

بالمدارس الثانوية، ثم الجامعات العربية.

لاحظ الصينيون أن المنطقة على حافة زلزال حقيقي، وليــس مجــرد أعمــال احتجاجيــة مؤقتــة، فتحركــت قوافلهــم، التي جاءت من المراكز البحثية التابعة لمجلس الدولــة والجامعات الصينيــة، ورأس الدفعة الأولى من هذه القافلة السفير شين وكيل وزارة الخارجية، وسفير الصين الأســبق في القاهــرة، وكبار أســاتذة جامعات بكين وشانغهاي، للتعرف على مظاهر «الربيع العربي.» كان الوقــت متأخــرا كــي تعــرف الصــن أن الثــورات أصبحــت واقعــا لا محالــة، فعندما التقيت بالمســؤول الصينــي، ومســاعده الدكتــور وو بنغ بنغ فــي جامعة بكين وزميله وانغ بسام الاستاذ في جامعة شانغهاي، بادرنــي الأول، أثناء حضور مؤتمرهم الصحافي النادر في ســفارة الصين في القاهرة، في قلــق «هل تتوقع أن تقع هذه الأحــداث في مصر»؟ قلت لــه: أريد رأيك أنت، كرجل صيني مســؤول؟ فضحك وقال لســت مسؤولا، فأنا أستاذ جامعي، واستطرد، عموما لا أظن ذلك.. لأن مصر مختلفة، فلديها نظام حكم قوي وليس بالســهولة أن يقــع فيها مــا حدث في تونــس. قلت تســألني رأيي بصفــة صديق، قــال نعم، قلت ستشــهد المنطقــة بداية انهيــار الدومينو، لأنكم لا تشــاهدون ما خلف المشــهد وتكتفون بدعم الأنظمة حفاظا على مصالحكم، للأسف بصفتي مراقبا في الشــارع وصحافيا في البرلمان، أرى أن المشــكلة أعمق بكثير وســتصل شــرارات تونس إلى مصــر، وإذا مــا اندلعت فيها لن تنجــو منها أي عاصمة عربية. قال هل يمكن أن تصل إلى سوريا قلت ربما تكون سوريا قبل أي دولة أخرى لأني رأيت نظامها الهش من الداخل، وســتقع في ليبيا واليمن ومنهمــا إلى العراق، فإذا ما كتب لها النجاح ســتصل للدول الملكية؟ فأسقط الأمــر فــي يد الرجــل وكانــت المظاهرات قد احتشــدت على مشــارف حي الزمالك، حيث مقر السفارة ووسط القاهرة والإسكندري­ة والسويس معلنة إرهاصات ثورة 25 يناير.

تجاهلت الصين معرفة أسباب الغضب العربي، باعتبار هذه الأمور ضد قناعاتها وأفعالها داخل أراضيها

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom