Al-Quds Al-Arabi

اصطفافات جديدة في الصراع على سوريا

- ٭ كاتب سوري

■ ترافــق مــرور عشــر ســنوات علــى بدايــة الثورة الســورية مع حراك سياســي ودبلوماسي متعدد بشــأن الصراع في سوريا وعليها، لعل أبرزها اجتمــاع الدوحة الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية كل من قطر وتركيا وروسيا، وأعلن عن تشكيل «آلية ثلاثية» ســتكون لها اجتماعات لاحقة، في مواعيد قريبة، في كل من أنقرة وموســكو، موضوعها «البحث عن حل سياسي في سوريا». وهو ما يوحي، ضمناً، بأن الآلية الجديدة مصممة لتكون بديلاً عن آلية آســتانا ـ سوتشي، وإن كان الروس قد أنكروا ذلك. ما الذي يعنيه هذا التشكيل الدبلوماسي الجديد؟ يعني قبل كل شــيء اعترافــاً، ضمنياً، بوصول «الآلية» الســابقة إلى طريق مســدود، وهي الحقيقــة التي باتــت معروفة قبل زمــن. ويعني تشــكيل الثالوث الجديد، ثانياً، إخراج إيران وإدخــال قطر بدلاً منها في المساعي السياسية بشأن ســوريا، الأمر الذي يمكن فهمه على أنه ملاقاة للاســترات­يجية الأمريكية بشــأن عزل إيــران، مقابل اســتدراج الإدارة الأمريكية الجديدة للمساهمة بصورة إيجابية في البحث عن حل للمشكلة الســورية، في وقت لم يتضح بعد ما الذي قد تريده واشــنطن في سوريا باســتثناء مواصلة العقوبات المفروضة على النظام الكيماوي، ومواصلة دعم «قوات سوريا الديمقراطي­ة» في الشمال الشرقي.

كذلك تعني عودة قطر للانخراط في الملف الســوري نوعاً من التفاهم على ذلك مع الســعودية، بعد إنجاز المصالحة الخليجية، وقد تجلت هذه العودة بأوضح صورها في عودة رئيس الوزراء الســابق المنشق رياض حجاب إلى صدارة المشــهد المعارض، بعد ســنوات من تهميشــه من قبل المحور الســعودي ـ الإماراتي. فــي المقابلة التي أجرتهــا قناة الجزيرة الإخبارية مــع حجاب، لاحظنا حرصــاً على إظهار التفارق مع الإســام السياسي «الذي حرف الثورة السورية عن أهدافها» كما قال المحاور محمد كريشان، في حين دعا حجاب إلى «إعادة هيكلة المعارضة بصورة شاملة».

بصــرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، يمكــن القول إن انهاء الخلاف الخليجي قــد انعكس إيجاباً على القضية الســورية، على الأقل من حيث انهاء الوضع المشــلول لمؤسسات المعارضة الرســمية بسبب التجاذبات الإقليمية في داخلها. كذلك يمكن اعتبار اســتبدال «آليــة الدوحة» بآلية آســتانة، تطوراً إيجابياً بسبب اســتبعاد إيران منها. يبقى أن انعكاس هذه الإيجابيات النســبية على القضية السورية ستظل مرهونة بعوامل أخرى لعل أهمها الموقف الغربي. كذلك ينبغي توخي الحذر من التفاؤل لأن روسيا بوتين تبقى هي الشــريك الأقوى في الآلية الجديدة، كما كانت في القديمة، ودورها حاسم في رســم ملامح الفترة القادمة، لكونها مسيطرة عسكرياً على الوضع في ســوريا، إضافة إلى امتلاكها سلاح حق النقض في مجلس الأمن.

ولم تبدر من روســيا أي إشارة إلى التخلي عن حماية النظام الأسدي، بل على العكس من ذلك، رأينا وزير خارجيتها ســيرغي لافروف يســتبق اجتماع الدوحة الثلاثــي بزيارتين لكل من الســعودية والإمارات، تقول التقاريــر الإعلامية إن موضــوع مباحثاته مع قــادة البلدين ركزت على إخراج النظام الكيماوي من عزلته ومده بالمساعدات ليتمكن من الخروج مــن أزمته الخانقة. هذا ما يجعلنا، كســوريين، أقل تفاؤلاً بشــأن الفترة المقبلــة وما يمكن للآليــة الثلاثية أن تنجزه في ظل التعنت الروســي في التمسك بالنظام وفي الدفاع عن حقه في إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة.

من جهة أخرى جاءت التصريحات الأوروبية والأمريكية بشأن رفض منح الشــرعية للانتخابات المذكورة، استمراراً لمواقف تلك الدول الداعمة لـ«العملية السياســية» في إطار «اللجنة الدستورية» المعطلة، وقد كانت في الأصل هروباً من استحقاقات الانتقال السياسي وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

ويتضح من المقالة التي نشرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شــبكة بلومبرغ، ووجه فيها نداءً إلى الدول الغربية لدعم الموقف التركي في ســوريا بصورة فعالة بــدلاً من «مراقبة الصراع مــن المدرجات» على حد تعبيره... يتضح أن تركيا نفســها لا تعول كثيــراً على الآلية الثلاثية الجديدة مــا لم تدعم بجهود الدول الغربيــة، وبخاصة الولايات المتحدة التي خاطب أردوغان رئيســها جو بايدن مطالباً إياه بالوفاء لوعوده في الحملة الانتخابية بشأن ســوريا. فالآلية الثلاثية ملغومة سلفاً بسيرغي لافــروف الذي لا يفوت فرصة إلا ويكرر فيها أن بشــار الأســد هو رئيس شرعي منتخب لسوريا المنكوبة به.

ثمة دعوات فــي الكونغرس الأمريكي لتشــديد العقوبات على النظام الكيماوي وحلفائه، ومحاسبته على استخدامه المتكرر للسلاح الكيماوي، قبل صفقة أوباما بشــأنه وبعدها، وثمة تشــدد أوروبي تجاه النظام ما زال فــي إطار البيانات والتصريحات. من المحتمل أن روســيا تســتأنف مساعيها المتجددة لفتح قناة دبلوماســي­ة مع الإدارة الأمريكية، على أمل منها لإيجاد توافقات بشأن سوريا وموضوعات الخلاف الأخرى، ويمكن اعتبار اســتبعاد إيران من الآلية الثلاثية بشأن سوريا نوعاً من «رشوة» للولايات المتحدة بهذا الخصوص.

هل تتحول دعوة رياض حجاب إلى إعادة هيكلة المعارضة إلى موضوع جديد للتجاذبات المؤذية داخل مؤسســات المعارضة تشــغل الرأي العام بدلاً من إنجاز أي شيء ذي قيمة؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom