Al-Quds Al-Arabi

عن الانتخابات الإسرائيلي­ة: من «أبو عاموس» إلى «ابو يائير»!

- ٭ كاتب فلسطيني

■ خمســة ايام تفصلنا عن الحلقة الرابعة الحالية في مسلســل الانتخابات الإسرائيلي­ة للكنيســت، )البرلمان الإسرائيلي( الذي بدأ قبل أقل من سنتين. لكل واحدة من هذه الحلقات، كما لكل معركة انتخابات اخرى، حكاياتها وظروفها، وطرائفها ايضاً. ويتابع الفلسطينيو­ن باهتمام هذه الانتخابات، وكل ما له علاقة بالوضع السياســي في إسرائيل، نظرا لما لذلك من تأثير مباشر على مجمل أوضاع شعبنا الفلسطيني، الذي يعاني من الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي: من التشــريد والحصار والتضييق والتمييز العنصري، على مدى اكثر من سبعة عقود متواصلة حتى الآن.

الملاحظة الأولى، وأهمها، على هــذه الانتخابات، هي أنها تشهد تكالباً غير مســبوق من الأحزاب الصهيونية، على أصــوات الأقلية الفلســطين­ية في إســرائيل، وذلك لأسباب متعددة ومتداخلة، اهمها اثنان:

ـ السبب الأول، هو حالة الاستعصاء المتواصل منذ اكثر من خمس ســنوات، على تشكيل ائتلاف حكومي مستقر، جراء شبه تعادل في الشــارع اليهودي في إسرائيل، بين مؤيدي رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من جهة، وبين المعارضين لبقائه على رأس الســلطة التنفيذية هناك، من جهة اخرى، وخاصــة بعد توجيه اتهامــات متعددة له، واخضاعه للمحاكمة.

ـ والســبب الثاني، هو ترســخ التواجد الفلســطين­ي الوازن والمستقل في الكنيست الإسرائيلي، بفضل أصوات الأقلية الوطنية الفلسطينية في إسرائيل، إثر توافقها على تشكيل «القائمة العربية المشــتركة» برئاسة أيمن عودة، واحرازها خمسة عشر مقعدا في الكنيست الحالية، وهو ما مكنها من ان تكون لاعباً مؤثراً في البرلمان الإسرائيلي، يقدم اثباتاً ملموســاً للمعادلة التــي صكّها ويكررها أيمن عودة، في مخاطبتــه لمعارضي نتنياهو وحكومته المغرقة في يمينيتها وعنصريتها، )حتــى بالمقاييس الصهيونية العنصرية:) «لا نســتطيع وحدنا، ولكنكم لن تستطيعوا بدوننا .»

بفعل هذين السببين اساسا، )اضافة الى اسباب فرعية اخــرى( جاء الانقلاب في موقــف نتنياهو تجاه أصوات الاقلية الوطنية الفلســطين­ية في إسرائيل، وجاء تحركه بخطوتين: متوازيتين عملياً، ومتناقضتين شكلياً:

ـ اولاهمــا: دق اســفين فــي تركيبة القائمــة العربية المشــتركة، «أثمر» في شــق «القائمة العربيــة الموحدة» برئاســة الدكتور منصــور عباس، )التــي تمثل الحركة الإســامية الجنوبية.. تمييزا لها عن الحركة الإســامية الشمالية، المعروفة بارتباطها العضوي بحركة «الإخوان المسلمين ») عن «القائمة العربية المشتركة »؛

ـ وثانيتهمــ­ا: في «رفــع الفيتو» عن شــرعية الصوت الفلسطيني العربي في الانتخابات للكنيست الإسرائيلي، ومبالغته في الســير علــى هذا النهج، الــى درجة فرض نفســه ضيفا على قبائل ومضارب وقرى بدوية في النقب الفلســطين­ي، وتقديم فناجــن «القهوة السّــادة» ليس لنفســه فقط.. بل ولمضيفيه انفســهم ايضاً، وباعتباره «ابــو يائير» وليــس مجرد رئيــس حكومة إســرائيل، بنيامين نتنياهــو. طبيعي، بعد هــذا الانقلاب في موقف وتعامــل نتنياهو مع الصــوت الفلســطين­ي العربي في الانتخابــ­ات الإســرائي­لية، أن تتســابق وتتكالب بقية الأحــزاب الإســرائي­لية الصهيونيــ­ة، وكذلــك «الحزب الفلسطيني العربي الاسلامي الإسرائيلي المتصهين» تحت اسم «القائمة العربية الموحدة» على الصوت الفلسطيني العربي الشريف.

مجمل هذه التطورات الإسرائيلي­ة الداخلية، في معركة الانتخابات الحاليــة، اعادتني، بالذاكرة، الى ما كان قبل ســتة عقود بالتمام والكمــال.. الى معركــة الانتخابات للكنيست الخامسة، في آب/اوغسطس 1961.

اثناء معركة الانتخابات تلك، قــام دافيد بن غوريون بــاول زيارة له منذ عــام النكبة لقرية عربيــة، هي قرية جولس في قضاء عكا، حيث وصلهــا بهيليكوبتر، والقى فيهــا خطابــا انتخابيا، باللغــة العبرية طبعــاً، ضمّنه بضع كلمــات باللغة العربيــة، منها بيتاً من الشــعر من قصيدة الشاعر الجاهلي الســموأل بن عادياء اليهودي. هذه الحادثة أوحت للشــاعرين الفلســطين­يين )الشّابين الصّغيريــن، فــي حينــه(: محمــود درويش وســميح القاسم، بكتابة مشتركة لمادّة شبه شعرية هزلية، للتندّر

والسخرية من بن غوريون.

التقــط الحزب الشــيوعي، فــي حينه، هــذه المادة، واعتمدها منشورا انتخابيا، طبعه بآلاف النسخ، ووزعه في كل نقطة تمكن من الوصول اليها.

كانت كلمات الفقــرة الاولى من تلك المادة الســاخرة شــبه الشــعرية هي : «هيليكوبتر هيليكوبتــ­ر.. حام في الجو وزمجــر، وابو عاموسَ فيه.. عابسٌ عبســة عنتر، هيليكوبتر هيليكوبتــ­ر». (ومعروف طبعا ان اســم ابن دافيــد بن غوريــون هو عاموس، واســم بِكــر بنيامين نتنياهــو هو يائير، وذلك اذا اســتثنينا ابنته من زواجه الاول، والتي لا يلتقيها اكثر من مرة في كل عام، وليس في بيته، وانما في مكان عــام، مقهى او مطعم مثلا، كما تقول مصادر إعلامية إسرائيلية.

وصلنا الى انتخابات الكنيســت الرابعة والعشــرين هذه الايــام، ليتحول فيها رئيس الحكومة الإســرائي­لية الحاليــة، بنيامين نتنياهو، الى «ابــو يائير » معتبرا هذه الكنيــة تكريما وتحبّبــاً، في حين أنها تعبيــر يقصد منه التندر والسخرية.

لكن المفارقة الطريفة هنا، ان قصــة الهيليكوبت­ر، )من نادرة بن غوريون وكنية «ابــو عاموس») عادت مجددا لتلعــب دوراً هذا الاســبوع، مــع قصة نتنياهــو، «ابو يائير».. تصديقاً لمقولــة كارل ماركس بأن «التاريخ يعيد نفسه مرتين، المرة الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة» حيث ان نتنياهو أمر بتجهيز هيليكوبتر عســكرية، صباح يوم الخميــس الماضي، لتنقله الى العاصمــة الأردنية، عمّان، ليستقل من هناك طائرة خاصة اماراتية ارسلت خصيصاً لنقلــه الى ابــو ظبي، عاصمــة دولة الإمــارات العربية المتحدة، في اول زيارة رسمية له للإمارات، وهي الزيارة التي لم تتم على أي حال.

ما كان لمثــل هذه التفاصيــل غير المهمــة ان تأخذ أي اهتمام، لو انه لم يســبقها باقل من أربع وعشرين ساعة، ارتكاب نتنياهــو واحدة من حماقاتــه، تمثلت في وضع عراقيل تسببت بإلغاء ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بــن عبدالله الثانــي، زيارة دينية للمســجد الاقصى في القدس، ليشــارك الفلســطين­يين احتفالهم بعيد الإسراء

والمعــراج، )وهو عيــد وطني فلســطيني بامتيــاز، اضافــة لكونــه عيدا دينيــا(. وفي هذا التوقيت بالضبــط، وبالذات، تقدمت إسرائيل بطلب روتيني تماما في الحالات العادية، هو اعطــاء اذن لطائرة نتنياهو بالتحليــق في الأجواء الأردنية، وهذا ما قدّم للاردن فرصة ذهبية لتوجيه صفعة علنية مدوية لنتنياهو، برفض الطلب الإسرائيلي، ومنع هيليكوبتر نتنياهو من استخدام الاجواء الأردنية، الأمر الذي نتج عنه الغــاء زيارته الرســمية الاولى الى دولة الامارات، والتي كان ســيعود منها بصورة مع ولي العهد الإماراتي، الشــيخ محمــد بن زايد، يحولهــا الى ملصق انتخابي في شــوارع تــل ابيب، يدلل بــه على نجاحاته السياســية، حتــى وإن كانــت بفعل وبفضــل الرئيس الأمريكي الســابق، دونالد ترامب، الذي خســر معركته الإنتخابية للتمديد له لولاية ثانية في البيت الأبيض.

على أن مسلســل حماقات نتنياهو لم تتوقف عند هذه النقطة، بل استمرت، حيث قالت وسائل إعلام إسرائيلية، انه ســارع الى اصدار امر باغلاق الأجواء الإســرائي­لية مــع الأردن. لكن هذه الحماقة الكبيرة لم تعمّر الا ســاعة واحــدة فقط، ما لبــث ان تراجع عنها اثــر تحرك جهات عديدة في إســرائيل، بيّنــت لنتنياهو أن إســرائيل هي المتضرر الحقيقي من هذه القرار الأحمق. لكن ما يســجل، بشــكل عام، في صالح نتنياهو، انه لا يتوقف طويلا عند توجيه أي صفعة او اهانة شــخصية له، ويعاود التركيز سريعاً على ما يعتبره مصلحة سياسية إسرائيلية، وهذا ما لمسه وعرفه كل المتابعين لتصرفات نتنياهو، عندما تمت اهانته داخل الكرملين في موســكو، وأجبر على الانتظار لفترة طويلة قبل السماح له بالدخول الى مكتب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، قبل سنتين.

لا تنتهي كلمات هذا المقــال، كما أريد له أن يكون، دون القول: أنا سأُعطي صوتي بعد خمسة أيام للقائمة العربية المشتركة، برئاسة الصديق الشاب أيمن عودة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom