Al-Quds Al-Arabi

«فورين بوليسي»: حساسية مفرطة وتاريخ مضطرب من العلاقات الأمريكية - الليبية... فهل يهتم بايدن بها؟

- لندن – «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

نشــرت مجلة «فورين بوليســي» تقريراً أعده كــولام لينتش بعنوان «حساســية ليبيا» وقال فيه إن التدخل في ليبيا عــام 2011 أدخل المنطقة في فوضى ونزاع اســتمر عقداً وأضعف ثقة الأمريكيين في حكمة استخدام القوة العسكرية لحماية الأرواح. وأشار إلى تباهي الرئيس السابق باراك أوباما أثناء الحملة الانتخابية لعام 2012 حيث قال إنه أطاح الرئيس معمر القذافي و»بكلفة أقل مما ننفقه في أسبوعين في العراق».

لكن الثمن زاد منــذ أن دفعت الولايات المتحــدة مجلس الأمن الدولي لتمرير القرار 1973 والذي أعطى صلاحية استخدام القوة لحماية المدنيين من الجرائم المحتملة التي كان سيرتكبها نظام القذافي. وملأ الفراغ الأمني جماعات متشــددة ومهربي بشــر وقوى إقليمية ودولية بشكل حول هذا البلد في شــمال أفريقيا إلى مصدر للفوضى وعدم الاســتقرا­ر في المنطقة. وأدى لمقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز وثلاثة مواطنين أمريكيين وعدد لا يحصــى من الليبيين. واوجــدت ليبيا علــى رادار الأمن القومي الأمريكي في العقد الماضي مع أنها ظلت مجرد أزمة بائســة لا تهم المصالح الحيويــة الأمريكية. وأصبحت اليوم ســاحة للقــوى الدولية والإقليمية المتنافسة والتي جلبت إليها الأسلحة المتقدمة ووضعت تركيا، عضو الناتو في مواجهــة مع مصر وروســيا والإمارات العربية المتحــدة وفي حروب وكالة أدت لدخول أكثر من 20.000 مرتزق من الســودان وتشاد وسوريا. وأصبحت ليبيا بالنسبة للكثير من الأمريكيين صورة عن محدودية القوة الأمريكية وحماقة التدخل العســكري في مناطق بعيــدة. وقوضت فكرة التدخل الإنســاني في العالم ولا تزال تلاحق الرؤســاء والدبلوماس­يين الأمريكيين الســابقين واللاحقين الذي ارتبطت مســيرتهم السياسية في ليبيا.

وبرزت ليبيــا كامتحان لإدارة جوزيــف بايدن واســتعداد­ها لتأكيد القوة الدبلوماسـ­ـية الأمريكية وقيادتها للأزمة. وحسب ستيفاني وليامز، المسؤولة الســابقة في الخارجية والتي عملت حتى الشهر الماضي كممثلة لــأمم المتحدة فــي ليبيا «أتفهم الألــم العصابي، التردد وأفهــم بالتأكيد التاريخ». وأضافت «من الناحية الجيو- استراتيجية تعتبر ليبيا مصلحة قومية حيوية للولايات المتحدة» و«لو تجاهلتها فهذا على مســؤوليتك». وكان قرار تحويل عملية بناء الاســتقرا­ر للأوروبيين والجماعات المحلية الفاسدة بمثابة «المســمار في نعش التدخل الإنساني» كما يقول ريتشارد غوان، ممثل مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة.

فيلتمان: أساليب فاشلة

وقال جيفري فيلتمان، الذي عمل مســاعداً لوزير الخارجية لشــؤون الشــرق الأدنى أثناء الغزو «لو واجهنــا وضعاً مثل ليبيا فســيكون من الصعب اتخاذ قرار كما في 2011». وقال «اعتقد ان السياســة في هذا البلد والتجارب فــي العراق وليبيا تقتــرح أننا لن نتدخل بالطريقة نفســها، فسنواجه عواقب كارثة إنسانية والثمن الإنساني لقمع الديكتاتور­يين.»

وأشــار إلى خطاب وزيــر الخارجية أنتوني بلينكــن الأخير الذي أكد فيه على نهج جديد يبتعد عن نشــر الديمقراطي­ة من خلال قوة السلاح أو التدخل العسكري. وقال «لقد جربنا هذه الأساليب في الماضي، ولم تنجح مهما كانت نيتها الصادقة.»

وفي الوقت الحالي احتفظت الولايات المتحدة بكل القوة لمواجهة الصين واعتمدت في الوقت نفســه علــى المبعوثين الخاصين لحــل النزاعات في اليمن وأفغانســت­ان. وتحاول إحياء الاتفاقية النووية مع إيران، ولهذا لم تعــد ليبيا على الرادار كما يقول النقاد. وعبر الخبراء عن قلقهم من ابتعاد أمريكا عن ليبيا كلما زاد تفككها، مع أنها قد تســتفيد من الولايات المتحدة لتقديم توازن حســاس. ويرى فيلتمــان الذي دعا إلــى دور أمريكي في العملية السلمية في البلاد «هناك حساسية من ليبيا» و»الولايات المتحدة ليست مركزة كما يجب مع أن ليبيا قد تكون فرصة.»

ويرى فيلتمان ووليامــز وغيرهما من المراقبــن أن إدارة بايدن لديها فرصة لمساعدة ليبيا ومنعها من الوقوع في الهاوية، وهذا يقتضي استثماراً دبلوماسياً كبيراً ومشاركة على مســتوى عالٍ. وقال أنس القماطي، مدير مركز الصادق في طرابلس «لا تقلل أبداً من قوة مكالمات بايدن وما يمكن أن تغيره على الأرض». ويعتقد أن بايدن يمكنه الضغط على تركيا والإمارات الالتزام بحظر تصدير الســاح. وحاول قادة الكونغرس حث بايدن على اتخاذ موقف متشدد ولكنهم لم يتلقوا تأكيدات بعد، وذلك حسب مسؤول على معرفة بالرســائل المتبادلة. وقام الكونغرس بإعداد مســودته التي تدعو إلى خروج القوات الاجنبية من ليبيــا وفرض عقوبات على الأفراد الذين ينتهكون حظر الأمم المتحدة. لكن المشــرعين يشكون في تردد إدارة بايدن أن تقوم بزيادة أعباء جديدة على سياســتها في الشــرق الأوسط. وقال المســؤول إن هنــاك مفهوماً لدى فريــق بايدن أنهم قامــوا بإخبار السعوديين والإماراتي­ين، بشكل أقل حول اليمن وجمال خاشقجي، ويطلب منهــم الآن إضافة أمور أخرى على القائمة. لكن مســؤولا بارزا في الإدارة قدم رؤيــة مختلفة عن وضــع الإدارة ثقلها في الموضــوع الليبي وعملية السلام.

الإدارة متفائلة

وقال المســؤول إن الســفارة الأمريكية في طرابلس بدأت في النقاش مع الحلفاء الرئيســيي­ن حول الحاجة لســحب القوات الأجنبية من ليبيا. و«بدأنا هذه النقاشات». والإدارة متفائلة حول المنظور السياسي في ليبيا بعد اســتمرار إطلاق النار وتشــكيل حكومة جديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة. وقال المســؤول في الإدارة «هذه لحظة تدعــو على التفاؤل». وفي الوقت نفسه ضاعف مستشــار الأمن القومي جيك سوليفان من جهود مع القوى الإقليمية وقال في بيان الأسبوع الماضي «لقد فات الوقت على الدول الأجنبية التي ترســل مرتزقة وأســلحة تضر بالأبرياء الليبيين، وعليها البدء بالانســحا­ب واحترام الدعوات الليبية الواضحة لعملية نقل سلمي للسلطة .»

ويشــير الكاتب إلى التاريخ المعقد للولايات المتحــدة مع ليبيا، حيث اســتدعت ســفيرها في طرابلس لأول مرة عام 1972 وأغلقت السفارة في 1979 بعدما أشــعل متظاهرون فيها النار. ووضعت واشــنطن ليبيا على قائمة الدول الراعية للإرهاب. وشــنت غارات جوية عام 1986 بعد هجوم إرهابي قتــل جنديين أمريكيين فــي برلين. وقادت جهــودًا دولية لفرض عقوبات علــى ليبيا لدورها في تفجير لوكربي عام 1988. وبدأت العلاقات بالتحســن إلا أن الربيع العربي أجبر الولايات المتحــدة على التدخل في الشرق الأوســط، وجاء قرار باراك أوباما للتدخل العسكري على مضض، فقد ورث حربين في العراق وأفغانســت­ان. إلا أن حشــود القذافي للهجوم على بنغازي دفع بالحكومات العربية، بقيــادة دول الخليج لدفع مجلس الأمن إلى التدخــل، وفي النهاية صدر قرار بعد جهود من لبنان وفرنســا

وبريطانيا. وشهدت البعثة الليبية في الأمم المتحدة خلافات في أثناء هذا، فالسفير عبد الرحمن شلقم الذي كان يعرف القذافي ويشير إليه بالصديق إلا أن نائبــه إبراهيم الدباشــي بــدأ يدعو للتدخل العســكري ومحاكمة القذافي أمام الجنائية الدولية.

وانقسم بالطريقة نفســها فريق أوباما بين نائب الرئيس جوزيف بايدن ومستشار الأمن القومي توماس دونيلون ورئيس طاقم البيت الأبيض وليم ديلي ووزير الدفاع روبرت غيتس الذين عارضوا بقوة التدخل العســكري. وقالــوا إن منطقة حظر جــوي لن تفعل الكثير لمنع هجــوم القذافي وحماية المدنيين. وقالوا إن مصالح أمريكا قليلة في ليبيا لتبرير تدخل عسكري جديد. لكن الســفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة ســوزان رايس لم تكن متشجعة للتدخل العســكري وانتقدت الخطط الأوروبية «لن تجرونا إلى هذه الحرب الهراء» كما قالت للســفير الفرنسي في الأمم المتحدة جيرار أرود. لكن رايس التي كانت ضمــن فريق الأمن القومي أثناء بيل كلينتون وعارضت إرســال قوات حفظ سلام لرواندا كانت تريد التكفير عن ذنبها ولهذا طلبت من فريقها صياغة قرار يشرع اســتخدام القوة. ودعم قرارها أنتوني بلنيكن وسامنثا باور. وعبرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن تحفظها من اســتخدام القوة لكنهــا تعرضت للضغط من القــادة الأوروبيين والعــرب في رحلتها لباريس في 15 آذار/مارس 2011. ويقول فليتمان «لا أتذكر أحدا كان متحمسا لهذا» و«كان أسوأ الخيارات». ووافق أوباما في النهاية على استخدام القوة ولكن بثلاث شــروط: تشريعها من الأمم المتحدة ومشــاركة الدول العربية فيها وتحمل الدول الأوروبية العبء الأكبر في العمليات العســكرية. وصدر القــرار في 17 آذار/مارس 2011، لكن العملية العســكرية أدت لندم، صحيح أن العملية منعت عملية ضد المدنيين في بنغازي لكن الناتو والدول المشاركة ذهبت أبعد من الصلاحية الممنوحة لها وقامــت بالانتقام من عناصر النظام وانتهت بصور الفيديو البشعة لسحل وقتل القذافي نفسه.

وقال الســفير الفرنســي ارود «كان هنــاك انطباع أن هــذا عظيم» و «كدبلوماســ­ي كنت فخوراً ببلدي التي قالت إنها تريد منع مذبحة كبيرة، ولكــن بعد ذلك بدأ كل شــيء يتداعى». ويضيف «دعنــا نتحدث بطريقة ساخرة» و «بصراحة كانت مصالحنا ستتحقق لو احتفظنا بالقذافي، كان لدينا ديكتاتور ولكن ديكتاتور مستقر وأغلق الأبواب على اللاجئين، ومن ناحية المصلحة الوطنية لم يكن علينا الذهاب هناك». وبدأ بنفس السياق صناع السياسة الأمريكيون بالندم خاصة بعد مقتل السفير ستيفنز.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom