Al-Quds Al-Arabi

المرأة الأديبة: استحقاق أم زيف ومحاصصات؟

-

■ وجود يوم عيد للمرأة هو عين التمييز والاعتبار لها على أنها كائن منقوص .

ما يسمى عيدها هو يوم لتكريس التشييء للمرأة وتسخيف آدميتها وتجفيف كينونتها وحصر تعريفها وتأطيرها في جندريتها.

لن تكون المرأة والبشرية بخير طالما ظلت الجندرية مأخوذة في الاعتبار في كل المجالات. كل الأعياد المعلبة والبلاســت­يكية و)الأممية( لا تقدم حقوقاً ولا تنصف مظلوماً، لكنها حتماً شــكلٌ مؤدلج مــن البورجوازي­ة الفكرية التــي تقدم كمضادات حيوية تختلف في لون غلافها الخارجي لتسهيل بلعها. وهي تسويق لطبقية المجتمعــا­ت وتصنيفها بــن متحضر يمســك بزمام العالم، ليس في البحث العلمي والاقتصاد فقط، وإنما في تصدير الفلســفات والتنظير القيمــي والقانوني الذي يتحكم بآخر نامٍ تابــع محكوم عليه بالحبو في ســبيل مطالبه ولقمة عيشه والرضا بالمقسوم بما في ذلك الاحتفاء بأيام تكرس دونيته ونموه. أيضاً: مع الإقرار بوجود اســتثناءا­ت، في داخل الذكور المحتفين بهذا الحدث، ذلك المستبد الذي يسقطه موقف محك خلف الكواليس في بيته، أو في الشارع وينبغي لنــا أن لا نصدق كل هــذه النعومة والشــيكول­اتات العولميــة التي أســبلتها علينــا وســائل التواصل. في داخــل الكثير من النســاء عدو شــرس وصريح لنفســها، وميل لتعزيز ســلطة الذكر وتلذذ بما يقدم لها من جرعات الاستبداد والتسلط، لتعطيه بدورها الحبل الذي يحكم به عليها بيد، وباليد الأخرى تشــد الوثاق معه حينــا باختيارها. هذه الأصناف العولمية البورجوازي­ة هــي مورفينات نخــب رديء لا يعوّل عليها إلا للضحــك على الذقون. مما يثير الســخرية حقا الاحتفاء بالمرأة الأنثى المتخمة بالترهل الشعري والكتابي، حيث الكتابــة بأنواعها عملية تحرّر ذاتي في صياغة للأفكار والرؤى الكبيرة والصغيرة، وهي اكتشــاف للذات وخلق لها، بل اســتمرار هذا الخلق، وهنا أشــير إلى أن لعبــة اللغة بحد ذاتهــا هي فعل تحرّري آخر، وهذا ما يعطي الكتابة هذه القوة الناعمة لفعلها الحقيقي المتشابك لدى الكاتب والمتلقي. لكنني أرى أن الكتابة بالنســبة للمرأة بالــذات، إن لم تكن شكّها المطلق في المطلق، ولا مطلقها المستمر في الرؤية تحولت إلى ســور كبير لا تراه فقط، لبعده عن مرآها مباشــرة، يقيدها رغم ما تعتقده وتظنــه أنه فضاء وسعة. وفي الوقت نفســه لا ننكر أن جينات الأنوثة المرتبطة بالتفاصيل والإتقان والإنضاج، تنعكس إلى حدّ لا يســتهان به في الكتابة الشــعرية، وفي الوقت ذاتــه لا يمكن تعميمه لدى الشــاعرة المــرأة، وللدقة أقول إن هذا يجتمع بتكامل مع الشعرية لدى فئة قليلة ومحدودة جداً من الشاعرات، والأنوثة كثيراً ما تفسد شعرية النص وتعدمه الرؤية.

القصيدة الحقيقية أيّاً كان نوعها هي القصيدة التي أتمنى لو كنت شاعرتها وأشعر بالبهجة وأحبها وأحب كاتبها في هذه اللحظة. هناك طوفان )كتابي( رهيب، وأضع أقواســاً لأن هذا يشــمل الغث والسمين، يعني ما هو جيد وما هو تافه وســطحي ولزج، فلا يمكنني أن أســميه شــعراً، ولا رواية يلصق عنوةً وتضليلاً بالأدب، ومــع ذلك فإنني لا أرى احتــكار الكتابة، بل للجميع الحــق في الكتابة، لكننــي ضد المحاصصات لصالح الكتابــات الرخوة والمشــوّهة. ولكي أحصر مــا أقوله حول الشــعر، فإن أهم عوامل هذا الســيل الجارف هــو الرقمية ووســائل التواصل الاجتماعي والصحافيين والنقاد والشــعراء أصدقاء الشــاعر. تحولت الساحة الشعرية إلى مكان فيه القليل جداً من الكتابة والشعر، وسط ثكنة ضخمة من الجزر للفساد والتخريب والهدم بمعاول الشعراء ذاتهم وأصحابهم من الدوائر واللجان الشــعرية نفسها، خربة الضمير والذائقة والنقد، الذي أصبح مســتنقعاً وســلماً في آن، وانتهــى نهائياً ولم تعد له علاقة من قريب ولا من بعيد في جرد وتجريد الأدب من الحسابات، وتقييمه ووزنه في موازين القيمتين الأدبية والفنية.

وباختصــار أفرزت هذه الحالة مجانية وســيولةً وابتذالاً، بل ترويجــاً للربط بين التفاهــة والركاكة والابتذال الفكــري واللفظي والفنــي. ولكي لا يبادر أحد بتشــويه ما أقوله، والالتفــا­ف عليه، فأنا حينما أقول ترويجاً أعني ترويجاً وتعمداً وافتعالاً، وصناعة لفكــرة الخــروج الرخــو الأراجوزي لمجــرد افتعال التغيير والحداثة والرفض، بينما الشعرية في الحالة تحت الصفر. التجريب بحد ذاته ضروري ومطلوب، لكن الاختــاف لأجل الظهور والشــو ولفت الأنظار، أو الاختلاف كي أكون موجوداً بصفة شــاعر فحسب، ولو على رميم كلام لا يضم في ثناياه الاشــتباك بين اللغة والدهشــة والرؤية، ســواء كبيرة أو صغيرة يســمى قصيدة، وهو مجرد كلام لا علاقة له بالشعر وهو إســفين في مقتل يقصم ظهر القصيدة والكتابة، ويعطي مسوغاً للاصطياد في الماء العكر من عصابيّي اليمين واليســار والرجعيين، وفئــات أخرى كثيرة، للعبث من جهة ولقصقصة الإبداع ومسخه من أدواته كيفما كان، وبالتالي الخروج بالنتيجة التي تؤول إلى الصفر حول الجودة والقيمة الشعرية وحرية الكتابة معــاً. كما أن الإفراط في الســردية، وفي صنع صور، إما ســطحية مفتعلة، أو طلسمية ومفككة، والتناسخ وكتابــة الكتالــوج الكتابــة ذات نمــط )الباترون( والتي تــكاد أن تخمن جملتها الثالثــة والرابعه كلها من الكوارث التي انهالت علــى قصيدة النثر، بحجة ســعة عباءة هذه القصيدة التي صارت ســبوبة لكل الجرائم. والأمر برمته أشــبه بتــزاوج مفزع ومريب يهدم القيمــة والذائقة والخيال، مــن خلال مكونات مســطحة وهلامية بها بعــض النتــوءات للتمويه، ويسميها شعراً.

الشــعر الحقيقــي لا يحتاج لعرّابــن ولا لنجوم، والشــعر يأتي ويــروح فالشــاعر الحقيقــي يكتب بالعمــوم نصوصاً جميلــة وجيّدة، لكنــه قد يكتب نصوصاً عادية جداً ومتواضعة، والنقيصة الحقيقية في الكــذب والتزييف وتحويل العــادي والتافه إلى عظيم.

٭

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom