Al-Quds Al-Arabi

عندما قالها ملك الأردن «خلص بيكفي»: هل حصلت وزارة الخصاونة على «فرصتها»...؟ متى يتم إصلاح الأمور؟

- عمان «القدس العربي» من بسام البدارين:

قد لا يكون من الجائز، سياسياً وبيروقراطي­اً وحتى أمنياً، ممارسة الهجوم مجــدداً على الانفعال والحراك الشــعبي الأردني، وبالتزامن الامتنــاع حكوميــاً علــى الأقل عــن توجيه رســائل حقيقيــة وعميقة وجذرية توحي للمجتمع برمته بأن الأمور سيتم إصلاحها على الأقل.

إفقاد الحراك الشعبي المؤدلج أو الأجنداتي أو الانتهازي لإمكانية التوســع والنمو، خصوصاً بعد حادثة نقص الأوكســجي­ن المؤلمة في مدينة الســلط، يتطلــب قبل أي اعتبــار آخر اتخاذ قــرارات وخطوات وإجــراءات تقنع الــرأي العام بأن الأخطــاء البيروقراط­يــة «لن تعود مجدداً .»

قال رئيس الوزراء الدكتور بشــر الخصاونة شــيئاً من هذا القبيل مرتين على مــدار يومين: الأولــى في مؤتمر صحافــي، والثانية تحت قبــة البرلمان، وبعبــارة مختصرة «الحكومة ســتصلح الأمور إذا هيئ لهــا ذلك». صحيــح أن منطوق ومضمــون عبــارة الخصاونة ينطوي على قــرار شــجاع يعتــرف بفداحة الخطأ الــذي حصل في الســلط. وصحيح أيضاً أن مضمون تلك العبارة الهادفة مؤشــر على أن رئيس الوزراء ضمنياً يطلب من الشعب والقيادة «فرصة لإصلاح الأمور بعد حصول الخطأ الجسيم.»

هل تحظى الحكومة بتلك الفرصة؟ الإجابة على هذا الســؤال الدقيق منوطة بالصلاحيات الدستورية للملــك وليس بحراك الرأي العام، بصرف النظر عن مبرره وشــرعيته ووجــود أطراف عادت مجدداً لصخب الشــارع في ســياق التوظيف والاســتثم­ار. لكن ثمــة صلاحيات ومبــادرة ومنــاورة يملكها رئيس الــوزراء في واقع الاشــتباك، فالحديث عن «فرصــة لإصلاح الأمور» ينبغــي أن يترافق وفوراً مع إجراءات فعالــة ومنتجة وعميقة، والأهم مقنعــة، حتى لا يســتقطب الحراك وجملته المعترضــة المبالغ فيها في ظرف دقيق وحســاس المزيد في الحاضنة الاجتماعية، لأن المزيد هنا يتغذى على الاحتقان والوضع المعيشي المتردي.

ويتغذى أيضاً ليس فقط على تكرار الأخطاء التي تحصل في قطاع الصحــة أو غيره، بل أيضــاً على ترك عبارة «فرصــة لإصلاح الأمور» هائمــة في الفضــاء الإعلامي ودون إجــراءات ســريعة تقنع المجتمع بأن قواعد اشــتباك مثل التحشد في الشــارع مجدداً وترك الكمامات والتباعــد مؤذية للشــعب والمجتمع فــي ظل الفايــروس الخطير، كما يؤكد لـ «القدس العربي» القطب البرلماني خليل عطية.

عطيــة مــع غيره مــن نواب الخبــرة، يســاند تفويــت الفرصة على الفوضــى، لكن يؤمن بأن على رئيس الــوزراء اتخاذ إجراءات حقيقية وفعالة وســريعة لا تقف عند عبارة التعبير عن الأسف، ولا عند محطة الإقرار الشجاع بالمسؤولية.

ليــس من الحكمــة مطالبــة حكومــة حظيــت بتعديــل وزاري للتو

بالاستقالة الآن، بتقدير عطية وغيره.

لكــن الحكمــة تتجلــى فــي الصدمة التــي حققهــا للجميــع حادث الســلط المؤلــم، والتي مــن الممكــن أن تتحول إلــى فرصــة للمعالجة والوقايــة وطنياً، ليــس فقط حتــى لا يتكرر الخطأ ولكــن أيضاً حتى تتغير اســتراتيج­ية الحكومة من الانتظــار والتريث حتى يحصل خطأ لمعالجته إلى الحفر في الأعماق لمعرفة تلك الأسباب التي تؤدي أصلاً إلــى حصول الأخطــاء في القطــاع العــام، والتي ينتج عنها خســائر فادحة في بعض الأحيان، كما حصل في مدينة السلط. حتى الملك عبد الله الثاني شخصياً أعلنها.. «خلص بيكفي». بذلك فقط يضمــن الخصاونة إلباس حديثه السياســي عن رغبته في فرصة لإصلاح الأخطاء إذا تهيأ لحكومته ذلك ثوباً من الإجراءات الفعالة المقنعة.

وعندمــا يتعلــق الأمر بالحفر في مســألة القطــاع الصحي تحديداً يعيد مخضرم محنك وسياسي عمل في القطاع الطبي لأكثر من نصف قــرن مــن وزن الدكتور ممدوح العبــادي، وبعد جلســة عصف ذهنية مع «القــدس العربي»، التذكير بــأن الأخطاء الطبيــة أعراض للمرض الأساسي وتختفي عندما تبدأ عملية معالجة المرض. ما هو المرض الذي يتحدث عنه العبادي هنا بصورة محددة؟ تلك معادلة لإجابة مباشــرة وبســيطة قالها العبــادي في أكثر من منبــر خلال ثلاثة أيام، فأصــل المرض هو في ميزانيــة وزارة الصحة المالية، والتي لم تشــهد أي زيادة منذ سنوات طويلة، لا بل نقصت في العامين الأخيرين مع أنها وزارة ضخمة جداً تتعامل مع تزايد سكاني يعرفه الجميع، فيما تواجه اليوم معركة شرســة مع الفايروس العدو كورونا الذي يتطلب بحد ذاته مالاً جديداً للإنفاق.

أمام «القدس العربي» يشرح العبادي قليلاً: إنشاء المباني والمرافق الصحية وتجهيز المعدات والأسـّـرة والغرف مهم وأساسي ولا يمكن الاســتغنا­ء عنه، لكن الميزانية المالية عليها أن تتجه نحو الأكثر أهمية، فتلك المرافق تحتاج إلى كفاءات مهنية وكوادر بشــرية مؤهلة تديرها، والنقص حاد جداً بعلم جميع وزراء الصحة المتعاقبين.

باختصــار، كما يقولها، إن أزمــة وزارة الصحة لها علاقة بالميزانية المالية فقط، فهي تحتاج إلى مزيد من التوظيف واستقطاب الكفاءات، وهــذا يتطلب المال قبــل أي اعتبار آخر، والمعالجة برأيــه تبدأ من هنا. والمعنــى هنا أن حكومــة الخصاونة عليها أن تبــدأ بمعالجة الأمراض الإداريــة وليس الأعــراض التي تنتج عنها، الأمر الــذي لو حصل على يقظة إدارية سياسية وانتباه سيؤدي بالنتيجة إلى الالتزام بمضمون عبارة «الفرصة عندما تتهيأ.»

فــي المقابل، تلــك الفرصة لن تتهيأ سياســياً ولا شــعبوياً إذا كان العمل الإداري البيروقراط­ي السياســي يطبــق مرة تلو الأخرى قواعد تركيب قطع الســاح، على حد خبير طبي عســكري قالهــا لـ «القدس العربــي» باختصار: «فقط عند تركيب الســاح يتم اتباع القاعدة التي تقــول معالجة الخطأ بالخطأ».. في السياســية الأمــر مختلف، وتلك طبعاً قصة أخرى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom