هل سيضحي الاتحاد الأوروبي بأكثر من ألف مليار يورو من أجل مقاطعة لقاح أسترازنيكا بسبب «بريكست»؟

يعيــش الاتحاد الأوروبي جدلاً قوياً حول اللقاح البريطاني-الســويدي أســترازنيكا بين المنع والترخيص وتناســل التأويلات بين العلمية المحضة وأخــرى ذات طابع سياســي تتحدث عــن عقاب أوروبي ضد لندن بســبب «بريكست».

وخلال الأيام الأخيرة، أعلنت أكثر من 10 دول تجميد التلقيح من ضمنها ألمانيا وإســبانيا والنمســا والبرتغــال وهولندا في انتظــار رأي المختصين. وعــادت الوكالة الأوروبيــة للأدوية إلى تأكيد نجاعة لقاح أســترازنيكا في تقريــر لها يوم الخميس من الأســبوع الجاري. ولم تســتبعد الوكالة وجود حالات معزولة من المخاطر التي يتســبب فيها اللقاح. وأكدت الوكالة «مزايا للقاح أكثر من سلبياته» وهو اعتراف بوجود حد أدنى من الخطر.

وبــدأ قرار الوكالة يشــجع الــدول الأوروبية على اســتئناف اســتعمال أســترازنيكا فــي التلقيح ومنها فرنســا وألمانيا، بينما فضلــت دول أخرى تأجيل استئناف اللقاح إلى الأسبوع المقبل مثل إسبانيا والبرتغال.

ورغــم حاجة الأوروبيــن إلى اللقاح للخــروج من حالة الحجــر المتكررة والتــي تؤثــر على الاقتصــاد والنشــاط الاجتماعي، لا يحظى أســترازنيكا بســمعة إيجابية لدى الأوروبيين مقارنة مع باقي اللقاحات وخاصة فايزر، ويعود ذلك لأسباب عدة.

فــي المقــام الأول، الفعاليــة المحدودة للقــاح مقارنة مع لقاحــات أخرى. وتتعــدى فعاليــة أســترازنيكا 65% في أقصــى الحالات وهــو تقريباً الحد الأدنــى المطلــوب، بينمــا تتجــاوز فعاليــة فايــزر وموديرنــا الأمريكيــن وسبوتنيك 5 الروسي 92.٪

وفــي المقام الثاني، يعد اللقاح الذي تدور بشــأنه شــبهات التســبب في أعراض جانبية خطيرة مثل تخثر الدم عكس باقي اللقاحات. وآخر دراســة تشــكك في تسببه بتخثر الدم هي الصادرة الخميس الماضي عن المستشفى الجامعــي فــي أوســلو بالنــروج، حيث أكــد باحثــون الأعــراض الجانبية الخطيــرة. ويقول بعض الخبــراء كل دواء له أعراض جانبيــة لكن إذا كان أســترازنيكا سيســبب في أعــراض خطيرة لـــ 2% من الملقحــن فهذا خطر حقيقي.

ومــن ضمن نتائــج كل هذا، ترفض نســبة من الأطبــاء والممرضين تلقي حقن أســترازنيكا وتفضل فايرز. ويســير على نهجهم نسب ليست صغيرة مــن المواطنين في أوروبا، حيث يشــترط الكثيرون تلقــي فايرز. ومن ضمن الأمثلــة، فقــد توصلــت ألمانيا بما يفــوق مليــون ونصف مليــون حقنة من أســترازنيكا، وبالــكاد اســتعملت 20% بســبب رفــض العاملين فــي قطاع الصحة والناس العاديين لهذا اللقاح.

ويتكرر هذا في باقي الدول الأوروبية، فقد بثت إذاعة أوروبا 1 الفرنسية صباح الجمعة تقريراً حول اســتئناف التلقيح بأســترازنيكا وكيف يتحفظ النــاس على اللقاح. ونقلــت تصريح الدكتــور هيبر بابان مــن مدينة نانت: «قرار تجميد اســتعمال هذا اللقاح من طرف عــدد من الدول جعل المواطنين يفقدون الثقة فيه رغم قرار الوكالة الأوروبية للأدوية باستئناف استعماله مجدداً .»

هل تعاقب أوروبا بريطانيا بسبب «بريكست»؟

ووسط الجدل العلمي بين مشكك في اللقاح ومؤيد له، يبرز كذلك العامل السياســي، حيث تذهب بعض التحاليل إلى استحضار الهاجس السياسي والحديث عن معاقبة سياسية من طرف الاتحاد الأوروبي لبريطانيا بسبب مغادرتهــا الاتحاد، وتتحــدث تقارير أخــرى عن صراع لوبيات الشــركات عالمياً بإقصاء أسترازنيكا من السوق.

ويبقــى التأويل السياســي ضعيفــاً للغاية، فعندما يجــري الحديث عن الطابع الجيوسياســي للقاح فهو يتجلى في الدول التي ستحصل على أكبر

نســبة من اللقاح لها ولمحيطها لاستئناف النشاط الاقتصادي والسياسي. أما على مســتوى تجاري فلا يمكن الحديث عن المنافســة للاســتحواذ على الســوق، إذ إن قدرة الشــركات محدودة ولن تغطي الحاجــات من التلقيح خلال هذه الســنة والمقبلة. وعليه، كل ما ســتوفره الشــركات ســيتم بيعه مباشرة.

في الوقت ذاته، لا يمكن لأوروبا معاقبة بريطانيا، أولاً، أســترازنيكا هي شــركة بريطانية-ســويدية وليس فقط بريطانية. ثانياً، حصلت الشــركة على دعم أوروبي للاســتثمار بما يفوق 300 مليون يورو. ثالثاً، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية لشــراء مئات الملايين من الحقن من أسترازنيكا ولم يطلب باســتعادة أمواله بل يطالب بتســليم باقي الدفعات فــي الوقت المتفق عليه رغم الشكوك حول صلاحية اللقاح.

هل تضحي أوروبا بألف مليار يورو من أجل 5.5 مليارات؟

ويبقــى الأهم أن تلقيح شــعب مثل ألمانيا بأســترازنيكا لــن يتطلب أكثر مــن 450 مليون يورو، بينما تأخير التلقيح يعني اســتمرار أنواع الحجر وما يترتب عن ذلك من خســارة اقتصادية. وفقدت ألمانيا خلال الســنة الماضية 150 مليار يورو وقد تخســر هذه السنة 145 مليار دولار من إنتاجها القومي الخام. فهل، بتجميدها للقاح أسترازنيكا ستضحي ألمانيا بـ 150 مليار يورو من أجل 450 مليون يورو؟ ولا يتعدى سعر اللقاح 5 يورو للحقنتين.

ويبلــغ عدد ســكان الاتحــاد الأوروبــي 447 مليون نســمة، وفــي حالة اقتصارها فقط على أســترازنيكا، ستكون فاتورة التلقيح 4 ملايين ونصف مليار يورو، في حين خســر الإنتاج القومي الخام للاتحاد الأوروبي بسبب استمرار فيروس كورونا وغياب التلقيح أكثر من ألف مليار يورو عام 2020. فهل سيضحي الاتحاد الأوروبي بألف مليار من أجل أربعة ملايين ونصف يورو؟