Al-Quds Al-Arabi

صورة مؤسفة

-

هزيمة تاريخية

قال عمار علي حســن في "المصري اليوم" بأن النيل لمصر وجود، وللمصريين حياة، وللسلطة الراهنة شرعية، وعبر التاريخ الإنســاني كانت الشــرعيات تروح وتأتي، تسقط وتقــوم، لكن الوجود بديله العــدم، والحياة بديلها الموت. لهذا لا تفريط في قطرة من مائنا، وأي تهاون ســيجرف في طريقه كل مفرط، كما يفعل الماء فــي أيام فيضانه الرهيب. لقد كانت حكمة المصريــن دوما أو عقدهم المتفق عليه وغير المكتوب هو، أنه لا طاعة لأحد في ضياع النيل. إن ما يجري الآن يطرح ســؤالا جوهريا: هل العالم فقد عقله حتى يترك 140 مليون نَفَس في مصر والســودان مُعرَّضين إما للعطش أو الغــرق؟ ماذا لو وقعــت الكارثة وزحــف 30 مليونا إلى الشمال الشرقي ليشربوا من «الليطاني»، وزحف أضعافهم عبــر القوارب إلى شــواطئ أوروبا، أو زحفــوا جميعا إلى المنابع في الجنوب؟ لا نطلب ســوى تطبيق القانون الدولي الذي يطــال أي اتفاقات تخالفه، وهو فــي صفنا. عارضت مبــارك منذ أن صــرت طالبا فــي كلية الاقتصــاد والعلوم السياســية، وقضيــت فترة تجنيــدي ضابطــا احتياطيا يحمل نوط الواجب العســكري قائد سرية مدفعية مضادة للطيران. كتبت مرات أيام مبارك: لو فُرضت على مصر حرب سأرتدي زيي العسكري وأسلم نفسي لأقرب معسكر مجندا أو متطوعا، وأقول للرئيس: تمام يا أفندم.

عجرفة إثيوبية

أكد عبــد اللطيف المناوي في "المصري اليــوم"، أن اللهجة التي تحدث بها مســؤولون إثيوبيون منذ يومين، زعموا فيها أن حصتهــم من نهر النيــل هي 85٪، وباقــي الدول 15٪ فقط، لهجة متعجرفة متعالية، لا شــك في أنها ستزيد الأمور تعقيــدا، خصوصا في ظل الحديث عن وســاطات جديدة. لا شــك أيضا في أن تلك اللهجة هي نتاج موقف متعنت تتخذه أديس أبابــا، ربما منذ بدايــة مباحثات ســد النهضة، التي زادت على الســنوات العشر، إذ دأب المســؤولو­ن هناك على الحديث عن حقوق ليســت من حقوقهم في شيء، بل تجدهم تارة يتحدثــون بلهجة المظلوم، الذي لا حيلــة له، ثم بلهجة حادة رافضة للمفاوضات تارة أخرى. تلك اللهجة ربما تكون نتاج سنوات طويلة من علاقات مضطربة بين مصر وافريقيا، حتى لو ساهم الرئيس السيسي في إصلاحها خلال السنوات السبع الماضية. قديما، درسنا في مدارسنا في حصص التاريخ والجغرافيا والمواد الاجتماعية، مواقف مصر المؤيدة لحركات التحرر الافريقية، وعرفنا أســماء زعمــاء افارقة، ولكن منذ فترة ليســت بالقصيرة، بدا الأمــر وكأن العلاقات مع الدول الافريقية لم تعــد في بالنا، وبدا الوضــع وكأن مرحلة دفء العلاقة مع افريقيا مرحلة ومرت. القارئ للتاريخ سيكتشــف أن دور مصر تراجع بشدة في افريقيا، وأن ما تفعله مصر الآن على مســتوى القيادة، لا بد أن يُترجم ويُعمم في المستويات الأخــرى، حتى نخلق حالة مشــابهة للحالة التــي كان فيها المواطن المصري شغوفا بمعرفة ما يحدث في القارة الافريقية، التي ننتمي إليها بحكم التاريخ والجغرافيا، ونهر النيل الذي يمتد في شرايين قلبها.

رائحة إسرائيل

واصل عبد اللطيــف المناوي مطالعتــه للموقف: "أتابع بشغف ما بين السطور، وأدرك تماما أن ما وراء التصريحات الإثيوبية مواقف وأحداثا، أرى وأشتم رائحة قوى إقليمية تريد أن تشــغل الفراغ الكبير الذي تركته مصر في السابق. أشــتم رائحة إســرائيل والصين ودول أوروبية، بل رائحة الولايات المتحدة نفسها ودول افريقية أخرى.. ليس شرطا أن تكــون رائحة عداء، بل يمكن أن تكــون من صديق يريد جــذب مزيد من النجاحــات الاقتصادية على حســابنا. إذ تظل الســوق الافريقية إحدى الأســواق المهمة والأساسية للمواد الخام والمــواد الغذائية، وبقدر أعلى من التنســيق في العلاقات بــن الدول العربية ـ مصــر تحديدا ـ والدول الافريقية يمكن أن يكون مردود هذا التنســيق أكثر مما لنا أن نتخيل. التوجه الذي تتبنــاه مصر الآن ينبئ بأن هناك إدراكا لهذه الحقيقة، وأن سياســة جديدة بدأت تعود لتطل برأســها، تتفهم أهمية العلاقة والروابط المصرية الافريقية، ولكن مطلوب المزيــد، ومطلوب إدراك خطــورة وجود أي أحاســيس بمعاداة افريقيــا أو إهمالها. مطلــوب التواجد والتنسيق والمشاورة والتعاون".

واضحة من البداية

يرى الدكتور محمود خليل في "الوطن"، أنه منذ بداية أزمة سد النهضة كان موقف إثيوبيا واضحا كل الوضوح. إنها تريد الاســتئثا­ر بالنســبة الأكبر من ماء النيــل، وتصادر الحقوق التاريخيــ­ة لمصر في مياهه، وهي الحقــوق المكفولة باتفاقيات دولية. خرج وزيــر الخارجية الإثيوبي وقــال نصا: «لا يمكن لأحد أن يحرم إثيوبيا من حصتها البالغة 86٪ في نهر النيل.» سواء أكان الوزير يقصد بنسبة الـ86٪ حقا، أم حجم مساهمة في ميــاه النيل، فإن التصريح خطير فــي مبناه ومعناه، وهو يعكس نوايا أديس أبابا، التي تعودنا منها أن تفعل الشيء ثم تنفيه، كما حدث عند الملء الأول، حين أنكرته إثيوبيا رسميا في البداية، ثم احتفلت به بعد 48 ســاعة من الإنكار. ولعلك تذكر أنه منذ عدة شــهور، وبمناسبة الملء الأول للسد )يوليو/تموز 2020(، خــرج وزير الخارجية الإثيوبي الأســبق، وقال كلاما شــبيها بكلام الوزير الحالي. لقد قال موجها كلامه إلى الشعب الإثيوبي والعالم بالتبعية: «تهانينا.. سابقا كان النيل يتدفق، والآن أصبح في بحيرة، ومنها ســتحصل إثيوبيا على تنميتها المنشــودة.. في الحقيقة.. النيل لنــا». إثيوبيا كانت واضحة، فهي ترى أن النيل الأزرق الذي يغذي نهر النيل بنسبة تتراوح بــن 80٪ و85٪ من مياهه بحيرة إثيوبيــة، من حق أديس أبابا فقط الاســتفاد­ة منها. كلام إثيوبيا يحمــل أيضا دلالات عديدة في ما يتعلق بالمســتقب­ل. فكونها تعتبــر النيل الأزرق بحيرة إثيوبية، وكونها ترى أن حصتها في النيل 86٪، يعنب أنهــا تحمل رؤية تدميريــة لكل من مصر والســودان. إثيوبيا بهذا الكلام تقــول إن مخططاتها في ما يتعلــق بالنيل الأزرق لــن تتوقف عند حد ســد النهضة، بل ســتتجاوزه إلى غيره، والمعلومات التي تتواتر في وسائل إعلام أديس أبابا حول هذا الأمر تحمل مؤشرات على ذلك.

لا جديد في التصريحات

تابع الدكتور محمود خليل: "لك أن تتخيل صور المستقبل في مصر والســودان، في ظل هذا النمط مــن التفكير الذي يحكم صانع القرار في أديس أبابا. الموقف الإثيوبي الحالي كان واضحا منذ 10 ســنوات، وظني أنه لا يوجد جديد في التصريحات التي تتردد على ألســنة المسؤولين الإثيوبيين حاليا. المســألة كلها في المياه.. ودعك مما تردده أديس أبابا حــول توليد الكهربــاء والتنمية وغير ذلــك، فطاقة توليد الكهرباء عبر السد لن تزيد على 6 آلاف ميغاوات، من الممكن أن تتوافر لها بمنتهى السهولة، عبر بناء محطات توليد، أو عبر الاســتيرا­د من دول عديدة يتوافر لديها فائض كهرباء، من بينها مصــر. إثيوبيا تريد حجز المياه.. لأنها ببســاطة تنظر إليها كســلعة مثلها مثل البترول، وهي تريد بيعها لمن يحتاج، ضاربــة بالحقوق التاريخية التي تنظمها اتفاقيات عرض الحائط. العديد من التصريحــا­ت التي ترددت على مدار العام الماضي على ألســنة مسؤولين أمريكيين من إدارة الرئيس ترامب عكســت وعيهم بالمخطط الإثيوبي، وأصبح تســاؤلهم عن رد الفعــل المصري نحــوه. الإدارة الحالية برئاســة بايدن دعت الدول الثلاث إلــى الجلوس معا من جديد إلى مائــدة المفاوضات، المؤسســات الأمريكية تتابع مســار المفاوضات عبر الســنوات الخمس الماضية، وتعلم أنها لم تحل المشكلة بســبب التعنت الإثيوبي.. فما جدوى دعوتها إلى مواصلة المفاوضــا­ت الآن، والباقي على موعد الملء الثاني أقل من ثلاثة أشــهر ونصف الشــهر؟ المجتمع الدولي الذي تقــوده الولايات المتحــدة لا يُنصف صاحب حق، إنه يرضخ فقط للقادر على فرض إرادته. الطريق بات واضحا.. فماذا تبقَّى لكي نلبى نداء البحيرة؟".

تأخرت كثيرا

أشــاد فاروق جويدة في "الأهرام" بالتنسيق بين الشعبين الشقيقين في المرحلة الراهنة: "أســبوع واحد شهدت القاهرة والخرطوم أحداثا وقــرارات ضخمة، كان ينبغي أن تحدث من ســنوات.. زار الرئيس السيسي الخرطوم والتقى الفريق عبد الفتــاح البرهان رئيس المجلس الســيادي، وزار رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فريد، الخرطوم وأجرى مباحثات عســكرية انتهت بتوقيع معاهدة دفاع مشــترك بين البلدين. ثم كانت زيارة عبــد الله حمدوك رئيس الوزراء الســوداني للقاهــرة على رأس وفد وزاري رفيع المســتوى مــن الوزراء، حيث جرى تنســيق كامل مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر في كل المجالات. لا شــك في أن أي مراقب للأحداث لابد أن يتساءل لماذا تأخرت كل هذه اللقاءات، وغاب التنسيق كل هذه الســنوات ولا أقول الشــهور والأيــام.. إن كثيرا من العقلاء في البلدين ضاعت أعمارهم وهم يصرخون في البرية، أن المصيــر واحد، والمســتقب­ل واحد، والمصالــح واحدة. ولم يســمع أحد هل كان من المنطقي أن تضيع ثلاثون عاما من عمر الشعبين، بدون تنسيق أو تعاون؟ هل يعقل أن تبقى العلاقات بــن البلدين تحركها الأهواء، ما بين محاولات اغتيال فاشــلة وحروب أهلية وانقسامات دينية وعرقية؟ هل كان من الحكمة أن ينقســم الســودان إلى بلدين، وأن يحارب بعضه عشرين عاما ونحن نجلس في مواقع المتفرجين؟ تدفقت دماء الشــعب السوداني في الجنوب لتقام دولة على أطلال السودان الموحد، واشتعلت المعارك في دارفور، وغرق السودان في حروب أهلية قســمته إلى جماعات متصارعة. وأمام هذه الصراعات اتجهت مصر شــمالا وشرقا ونسيت عمقها الاســترات­يجي ومصالحها الحقيقية".

كنز لا نراه

كنــا نعلم والكلام مــا زال لفاروق جويــدة، بأن مصالحنا مع الســودان في الماء والأرض والزراعة والثروة الحيوانية وملايين البشــر يعيشــون في البلدين.. وكنــا نعلم التلاحم الســكاني بين صعيد مصر وشمال الســودان.. وكنا نعلم أن النيل تاجنا الأزلي وفرطنا فيه، هــل كان من الحكمة والمنطق أن تظــل الأبواب مغلقة بــن البلدين في كل شــيء.. ثلاثون عاما وتنتشر الوفود الدبلوماسـ­ـية في كل بلاد الدنيا، تبحث عن فتات من المصالح الهشــة، بينما كنــوز الأرض في بلادنا لا نراها.. هذا تاريــخ طويل من التخبط والارتجال شــهدته العلاقات بين مصر والسودان، ولم يكن على مستوى المصالح والثوابــت والتاريــخ، حتى وجدنا أنفســنا أمــام تحديات مشتركة تهدد مســتقبل حياة الشعبين في كارثة سد النهضة. هل كان من الضرورى أن تحدث هذه الكارثة حتى نشــعر بأن المصير واحد؟ إن الســنوات العجاف مــن الإهمال والتخبط وعشــوائية القرار وصلت بنا إلى هذا الواقع المظلم. ينبغي ألا نبكي على اللبن المسكوب، وإن كان يستحق البكاء دما وليس دموعا ولكن ما حدث من خطوات في الأيام الماضية يســتحق أن نبني عليه.. كان أخطر ما فيه اتفاقية الدفاع المشــترك بين القوات المســلحة في البلدين، وهو إنجاز تأخر كثيرا، خاصة في الظروف الحالية وما فرضته تحديات سد النهضة على أمن واستقرار مصر والســودان. أمام الصلف الإثيوبي لقد دخلت العلاقات بين مصر والسودان مرحلة جديدة تحكمها المصالح، وليس شــعارات الإخوة التي لم تحقق للشــعبين شــيئا في عشرات الســنين.. وجاء الوقت لكي نضع أقدامنا على المسار الصحيح، نحن في حاجة إلى تعاون زراعي حقيقي، والأرض في السودان توفر الغذاء لكل العالم العربي.

انتحار مكلف

لمــاذا ينتحر البعــض؟ علاء عريبــي حــاول الإجابة في "الوفد": "فتاة تســافر عشــرات الكيلومترا­ت من بلدتها إلى بلدة أخرى لكي تنتحــر، لماذا لم تنتحر فــي بلدتها؟ ما الذي كانت تفكر فيه طوال هذه المســافة؟ ألم تصادف طوال ساعات السفر ما يثنيها؟ شاب يغادر منزله، يقف على المحطة، يحشر نفســه في المواصلات، يســدد الأجرة، يخلي مقعده لمسن أو مريض أو سيدة، ينزل ويتجول، يصعد البرج، ويلقي نفسه، ما الذي كان يســيطر على عقله وفكره وأحاسيسه طوال هذه الســاعات؟ فتاة تنزل إلى الصيدلية تشــتري مادة سامة أو بعض الحبوب المخدرة، وترجع إلــى منزلها، تدخل حجرتها، تغلق على نفسها، تبتلع المادة وتلفظ أنفاسها، وأخرى تدخل الحمام تلقي على نفســها الجاز أو البنزين وتشــعل النار في جســدها، ورابعة تلقي بنفســها في البحر أو النيل. وشــاب يعلق نفســه في مروحة المنزل، أو في حديدة سقف حجرته، يسحب كرسي المكتب أو السفرة، يربط ملاية السرير في حلق الســقف، ويعمل في طرفها الثاني طوق المشنقة، يضعه حول رقبته، يضرب الكرســي برجله، وينتقل من حجرته إلى عالم الموت، الذي لا نعرف عنه شيئا ونخافه. لماذا ينتحر البعض؟ ولماذا يخطط البعض الآخر لعملية انتحاره؟ هل فكّر في كيفية انتقاله من الوجود الذي نعيشه إلى وجود آخر غيبي لا نعرف عنه شيئا؟ هل فكر في ما قد يتلقاه من عقوبة أو ألم أو خوف؟ يقال إن للمنتحر مبررات كثيــرة، وفي مجملها تقع تحت كلمة العجز، في لحظات يشــعر الإنســان بأنه أصبــح عاجزا عن مواجهة مشاكله، وبأن استمراره لا فائدة منه، وبأن استمراره سوف يتسبب له في المزيد من الشعور بالعجز أو الانكسار أو الخجل أو المهانة أو الفشــل. الفقر والبطالة والمرض والغضب على قائمة مبررات إقدام البعض على الانتحار، يكتشف فجأة أنــه عاجز عن تلبية احتياجاته، أو غير قادر على تحمل آلامه، لم يعد أمامــه أي حلول ليجتاز هذه الحالة، انســدت الحياة وغلقت منافذ النجاة. قد نتقبل إقدام البعض على الانتحار في لحظة غضب، سيطرت عليه مشــاعر سوداء، ولدت له الفكر، انتحــر، لكن ماذا عن الذي قرر وخطط وحدد لتنفيذ جريمته؟ ماذا عن الذي ســافر وغادر واستقل وذهب لساعات إلى مكان انتحاره؟ هل كان في وعيه؟".

درس من الأردن

واقعة شــديدة الدلالة أهتــم بها الدكتور عمرو هاشــم ربيع في "الشــروق": "حادث مستشفى السلط في محافظة البلقاء في المملكة الأردنية، الناجم عن نقص الأوكســجي­ن، وأســفر عن وفاة 9 أشــخاص، الذي وقع يــوم 13 مارس/ آذار الحالي، أدى إلى هزة كبــرى في المنظومة الصحية في الأردن، التى توصف عادة بأنها واحدة من أرقى المنظومات الطبية في الوطن العربي. فالأردن ينفق نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالــي على الصحــة، وهو معدل كبيــر، يناهز ثلاثة أضعاف مــا ورد في المادة 21 من الدســتور المصري، الــذي قــرر أن موازنة الصحــة «لا تقل عــن 2% من الناتج القومي الإجمالــي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية»، من هنا كان حادث مستشفى السلط يلقي بالعبء الكبير على مصدر دخل كبير للأردن.

حادث السلط ربما يذكرنا بحادثي مستشفى الحسينية في الشــرقية فــي 3 يناير/كانــون الثاني الماضــي، وقبله بساعات حادث مستشفى زفتي العام في الغربية. فهل يمكن للمــرء أن يقارن بين الحادث الأردنــي والحادثين المصريين من حيث المعالجة. حادث مستشفى الحسينية العام تسبب في وفاة 4 أشــخاص، وحادث مستشفى زفتي العام تسبب في وفاة شخصين. ســبب الحادثين وقت الإعلان عنهما هو انقطاع الأوكســجي­ن عن مرضى كوفيد 19. وبذلك يبدو أن الحادثين يتشــابهان مع حادث الســلط، في أنه عبارة عن انقطاع أوكســجين أدى لوفاة المرضى. فى الســلط انقلبت الدنيا داخل الأردن، ذهب الملك إلى المستشــفى، وأمر وزير الصحة نذير عبيدات بالاســتقا­لة، وأعلن بشر الخصاونة رئيس الوزراء تحمل المســؤولي­ة الأخلاقية السياسية عن الحادث، وأجرت نيابة الســلط تحقيقات واســعة بعد أن أوقفت 5 مســؤولين عن العمل منهم مدير مستشــفى، وعقد مجلس النواب جلســة طارئة لمناقشــة الأمر ومحاســبة الحكومة التي تشــرف على هذا المستشــفى إشــرافا كاملا باعتباره مستشفى عاما؟.

في مصــر والكلام مــا زال للدكتور عمرو هاشــم ربيع: "لــم يخرج حتى رئيــس الوزراء بأي تعليــق على حادثي الحســينية وزفتــي، مســؤولو مستشــفى الحســينية ومستشــفى زفتي بقوا في مواقعهــم الوظيفية، ومن باب أولى بقيت وزيرة الصحة ومحافظا الشــرقية والغربية في منصبيهما. الاتهامات كيلت في الحادثين المصريين لمن تعقَّب الحادث، الأغرب ما ذكره الأطباء في مستشــفى الحسينية، وهو أن أهالي المتوفين شــكروهم على جهدهم. وقبل كل ما ســبق تم نفي انقطاع الأوكسجين عن المرضى، وأن موضوع الوفــاة تم كأمــر طبيعي بســبب وطأة المرض وكبر ســن الضحايا. وشكلت اللجان لمتابعة الحادث، وما أفظع تشكيل اللجان كوســيلة روتينية لنسيان النواكب. ورغم التعليق الرســمي على الحادثين بأنهما وقعا بسبب الحالة المرضية الحرجة للمتوفين، وبســبب كبر الســن لجميع المتوفين، لم يفســر لنا أحد كيف يكون ذلك ســببا لحــادث تم في وقت واحد، وفي الحجرة نفســها وفي اللحظــة ذاتها. غريب أن يموت هذا العدد في الدقيقة نفســها، وتعزى الوفاة للجميع لكبر الســن، ويطلب من الناس أن يصدقوا تلك الرواية. كل المشاهدات تشي بوجود معالجة رقابية ومحاسبية مختلفة تماما، ما يجعل تكــرار النواكب أمرا واردا في مواقع كثيرة، كحــوادث القطارات، وحرائق المنشــآت العامــة، وانهيار المباني أو خلافه. المتهم عندنا عادة ليس العنصر البشري، فهو خيال أو سراب لا يمكن الإمساك به، او الموظف البسيط. سمعة البلاد مهمة في تتبع المتسبب في النواكب، وكما رأينا فــي الأردن التي تعتبــر واحدة من أهم بلــدان المنطقة في السياحة العلاجية، قد خشيت على سمعة البلاد الصحية، التي تراكمت فــي العقدين الأخيريــن، فجلبت دخلا كبيرا للبلاد، كان في الماضي يذهب لدولة كمصر".

تجار الأزمة

لاحظ عبد العظيم الباســل في "الوفد" أنه مع كل علاوة جديــدة، تنطلــق ألاعيب الأســواق، ويبدأ زحــف الغلاء خطوة بخطوة حتى يغتــال العلاوة في مهدها. لا نعتقد أن هناك دولة مرّت بأزمة كورونا ومــا ترتب عليها من تراجع اقتصــادي ملحوظ وانكمــاش في حركة البيع والشــراء، تســتطيع أن تقرر علاوات لموظفيها، بل رأينا بعض الدول تغلق أبوابها على نفســها حتى توفر ما تحتاجه شــعوبها من شراب وطعام، ودعم القطاعات المنتجة حتى تتمكن من إزالة آثار الجائحة، لكننا هنا رغم الظروف الصعبة التي نمرّ بها، احتفظنا باقتصاد متماسك ومعدل نمو متزايد بشهادة مؤسســات التمويل والنقد الدولية، التي أكدت أن مسارنا الاقتصادي على الطريق الصحيح، وفي طريقنا لجني ثمار الإصلاح الاقتصادي. من هنا جاء إحســاس القائد بشعبه في بشــراه الســارة التي أطلقها قبل أيام، بزيادة الرواتب والمعاشات بنســبة 13٪ ورفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 100٪ من 1200 جنيه إلــى 1400 جنيه ليضيف عبئا على الموازنة لا يقل عن 37 مليار جنيه لزيادة الرواتب و31 مليار جنيه لأصحاب المعاشــات. ورغم أن هذه الزيادات ســيتم صرفها مع راتب يوليو/تموز المقبل، إلا أننا نخشى من تحرك التجار وتطبيق سياســات الاحتكار في الســوق، بدءا من الآن، علما بأن هناك شبه استقرار حاليا في بعض الأسعار الغذائية، وكذلك الخضراوات والفاكهة، وأملنا أن يظل هذا الاستقرار سائدا حتى لا يتم ضرب العلاوة قبل تطبيقها، فلا يشعر المواطن بعائدها، ولا يجني ثمار الإصلاح الاقتصادى الــذي تحمل الأعباء الكثيرة من أجلــه «وهذا لن يتحقق ما لم تتعامل الأجهزة الرقابية، وعلى رأســها مباحث التموين وجهاز حماية المستهلك»، بحسم شديد مع أباطرة الأسواق لوقف تلاعبهم بالأســعار، خوفا من أي زيادات غير مبررة في أســعار الســلع أو الخدمات، قبل أن تبدأ الأســواق في نصــب فخاخها مــن الآن لصيد العلاوة الجديــدة، قبل أن تدخل جيوب المواطنين.

حرب أم دعابة؟

بعض الذين راهنوا على السياســة الأمريكية مع الرئيس جو بايدن، تنتابهم حالة من الأســى، كمــا قال أكرم القصاص في "اليوم الســابع"، وهم يشاهدون الرجل الذي راهنوا عليه وإدارتــه يتخبطان في تصريحات تجلب عليهما الســخرية، وتضعهمــا في موقــف العاجز عــن الفعل. ويبــدو الرئيس الأمريكي في صورة ناشــط سياســي أكثر منه رئيســا، وهو يســعى لإرضاء مؤيديه بالتصريحات، من دون امتلاك قدرة على تنفيذها كرئيــس لدولة عظمى. بايدن تراجع عن وعوده وتصريحاته بالســرعة نفســها التي أطلقها، بــل إنه يجلب حملات ســخرية على بلاده، وهو يكرر الشكوى من تدخلات روسية، بل وصينية وإيرانية في الانتخابات الأمريكية، وهي اتهامات تعجز إدارة بايدن أو حتى المخابرات المركزية «ســي

أي إيه» عن تقديم أدلة عليها، وتضاعف من شروخ في صورة الدولة العظمى، التي اعتــادت التدخل في كل الانتخابات في العالم، بما فيها روسيا. وبعد أن كان الديمقراطي­ون يتندرون علــى الرئيس الســابق دونالد ترامب، بوصفه أكثر رؤســاء أمريكا انفلاتــا في التصريحات المثيرة، ها هو الرئيس بايدن، يبدو في صورة الرئيس المنفلت، الذي يثير أزمات من دون أن يقدم فعلا واحدا يدل على قوته، أو استعداد أمريكا لبدء حرب باردة مع روسيا والصين، بقدر ما يبدو كرئيس يشكو ويتبرم من تدخلات روســية، فضلا عــن التهديد الفــارغ. بايدن في مقابلة مع قناة «إيه. بي. ســي نيوز» الأمريكية، وصف بوتين بالقاتل، وقال إنه «ســيدفع الثمن» فيما وصف رئيس مجلس الدوما الروســي، فيتشســاف فولوديــن تصريحات بايدن «بأنها هستيريا ناجمة عن العجز". شكوى الولايات المتحدة من تدخلات روســية في الانتخابات منذ إطلاقها بعد انتخاب ترامب، واجهت ســخرية، ســواء من الــروس أو باقي دول العالم، أو حتى من الأمريكيين أنفســهم، ويومها ســخر وزير الخارجية الروســي ســيرجي لافروف من الاتهامات لبلاده، وقال: «إننا لا نتدخل في الانتخابــ­ات فقط، بل كذلك نتلاعب بالطقس ونتسبب بفيضانات».

فليحتفظ بوقاره

نبقى مع بايدن وخصومه بصحبة محمد حســن الألفي في "فيتو": "حاليا تشــتبك الولايات المتحــدة تحت إدارة جو بايدن الديمقراطي في حرب كلامية ودبلوماســ­ية علي جبهتين روســيا والصــن. تأتي هذه الملاســنة الفجة غير المسبوقة بعد أقل من شــهرين منذ تولي جو بايدن منصبه فــي البيت الأبيض. بالنســبة للروس فقد وجــه بايدن ما وصفه البرلمان الروســي "الدوما" بالإهانــة التي لم تلحق فقط بالرئيس الروســي فلاديميــر بوتين، بل هــي إهانة للشعب الروســي وللدولة الروســية، وكان بايدن وصف بوتين بالقاتل، وأنه ســيعاقب روسيا أشد العقاب، واستند فــي ذلك على تقريــر للمخابرات الأمريكية قال إن روســيا وإيران وكوبــا والصين تدخلت في الانتخابات الرئاســية الأمريكيــ­ة بهدف إضعــاف موقف بايــدن، ولإحداث فرقة داخل المجتمع الأمريكي وتغذية حالة الاســتقطا­ب.. لصالح ترامب. ردت وزارة الخارجية الروســية بســحب السفير الروسي من واشنطن للتشاور، ووصفت تصريحات بايدن بالهيســتي­رية، وأنها ناتجة عن موقف العجــز.. كما قالت بالحرف الواحد. وبينما واصل بايدن هجومه علي روســيا ورئيسها ووصفها بالعدو وإنها ستدفع ثمن تدخلها لحساب ترامب.. منذ تسلم بايدن الســلطة في العشرين من يناير/ كانون الثاني وهو ماض فــي إثر ترامب بالحذف والإلغاء، وتقرير كل ما هو ضد إرث ترامــب. بالطبع ردت الخارجية الصينية على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ودعته إلى الكف عن اســتفزاز بكــن، وفي الوقت ذاته حذرت روســيا واشــنطن مــن التصعيــد، وأعلنت حرصهــا على التواصل. يمكن ملاحظة أن روســيا والصين تمارسان سياسة الفعل، وتتمســك أمريكا بايدن بسياسة القول. مدرســة أوباما بالحرف! ولو خرجت من مدرســة أوباما المتراجعة دوما أمام الروس في الشــرق الأوســط، وعاقبت الدول المتعاملة مع روسيا في شراء الأسلحة، فإنها ســتواجه موقفا بالغ التعقيد والمضاعفات من جانب حلفاء عديدين لواشنطن في الخليج عقدوا صفقات سلاح ضخمة مع الروس.. أمريكا تصعد، وحين يتابع العالم تلاسن ثلاث قوى نوويــة كبرى، فــإن التوتر واســتمرار التصعيد من جانب واشنطن ربما ينذر بالخروج عن السيطرة".

مطلوب هواء

هل انتهى دور وســائل الإعــام والصحافة؟ أجاب عبد الحفيظ ســعد في "الفجــر": "بالتأكيد أضعفت الوســائط الحديثة من التواصل دور الإعلام التقليدي، ولم يعد القارئ أو المشــاهد يتلقى المعلومات والأخبار من الصحف أو حتى المواقع الإلكتروني­ــة أو التلفزيونا­ت فقط، بل غالبية ما يتم ترويجه من معلومات تأتي من وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت لغول. لكن رغم قوة هذا الغول ســريع وسهل الانتشــار، لكنه مجرد ناقل للأخبار أو الشــائعات، ولكنه لا يصنــع المحتــوى أو التأكد من المعلومــا­ت ونقل الحقيقة وتعميقها. ولذلك نجد أنه رغم انتشــار وســائل التواصل لكنها بدون مصداقية، ولن تحصل عليها إلا أن تكون موثقة من وســيلة إعلامية، ســواء صحافة أو تلفزيونا، تتحمل مســؤولية صدق الخبر. نقطة ضعــف مواقع التواصل، في عدم مســؤوليته­ا في المعلومات، هي نقطــة قوة الصحافة، التي مازالــت مصدر العمق للخبر أو تحليله، وهذا يعني أن المهنة قد تضعف ولكنها لن تنتهي، وذلك مثل الكتاب، الذي لم يمنع حضــور الصحف أو المواقــع أو التلفزيونا­ت. لكن الصحافة كمهنة، إنهــا مثل النبات الذي لا يعيش بدون ماء وهواء. وماء وهواء الصحافة هو الحرية، وبدونها ستزبل المهنــة، وربما تموت، ووقتها ســتترك الســاحة لوســائل أخرى لا أحد يتحكم فيها والخســارة هنا ليســت لأصحاب المهن فقط، بل للدولة والمجتمع، في أنها ســتفقد إحدى أهم الوســائل للتواصل مع الشــعب، خاصة في ظل التوحش التكنولوجي، الذي في غالبيته لن يتم التحكم فيه بالمنع أو الحجب، مع تطور أدواته".

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom