Al-Quds Al-Arabi

الموجز إماراتي والنشرة ملكية: الأردن يغلق الهاتف ونتنياهو يحول الزيارة من أبو ظبي إلى «هداسا»!

- ألون بن دافيد

■ حســم شــيء ما هذا الأســبوع في المعركة الناشــئة والمتصاعدة التي بيننا وبين إيران، معركة في الجو، والبحر، وفي مجال الســايبر، ووحده البعد الجغرافي يمنع انزلاقها في البر أيضاً. تستند إســرائيل في هذه المعركة إلى كثير من الشــركاء، وفي هذا الأســبوع بالذات نجح رئيس الوزراء في ركل شــريكنا الاســترات­يجي الأهم في المنطقة – المملكة الأردنيــة، وصديقتنا الجديدة – الإمــارات. كلاهما لم يبقيا صامتين، فردّا الركلة، والسعوديون أيضاً أضافوا قدمهم إلى الاحتفال.

ظاهراً ثمة حدثان لم يكن أي ســبب يجعلهما يصلان إلى الأزمة: زيارة نتنياهــو إلى الإمارات، التــي مهد لها رئيس الموســاد يوســي كوهن بعمل جم، رغم التزامن السياســي الحســاس، وزيارة الأمير الأردني الحسين بن عبد الله إلى القــدس، والتي هي الأخــرى كان خطط لها مســبقاً. أخطأ المستوى المهني الذي تحفز نتنياهو لأن يزيد عليه من غروره القابل للاشتعال، وأصبح وصفة انتهت بالانفجار.

كان الإماراتيـ­ـون على علــم جيد بالتوقيت الحســاس للزيارة عشــية الانتخابــ­ات، ولكن أرســل كوهن ليمارس عليهم ســحره. وكانــوا هم، الذيــن يتحلون بالكياســة، استجابوا؛ فتقررت زيارة بحد أدنى في أبو ظبي من احتفال قصير، ولقــاء، وفرصة التقــاط صور. وفي أثنــاء الإعداد للزيــارة التي خطط لها الخميس الماضي، لاحت مشــكلة مع الســعودية من غير الواضح مصدرها حتــى الآن: لم تتلق الطواقم التي سافرت إلى الإمارات الإذن بالطيران في المجال الجوي السعودي. ومنعاً للمشاكل، تقرر أن يسافر نتنياهو إلــى عمان في طائرة إســرائيلي­ة وينتقل هنــاك إلى طائرة يبعثها الإماراتيو­ن له.

وبالتوازي، كان يفتــرض أن تنعقد زيارة الأمير الأردني إلى القدس. وأدار جهاز الأمن العام «الشــاباك» المســؤول عن حراسة الضيف، المشاورات مع الأردنيين حول ترتيبات الحراســة. في البدايــة، طلب القصر أن يصــل الأمير برفقة عشــرات الحراس ممن يحمل بعضهم سلاحاً طويلاً. وتمكن جهاز الشــاباك مــن تلطيف حــدة الطلــب وتخفيض عدد الحراس ونوع السلاح الذي سيحملونه.

كما طلب الأمير الخروج من النطاق المغلق للحرم وزيارة الكنائس في القدس، مما حول عملية حراســته وجعلها أكثر تعقيــداً بكثير. تخوف رئيس الشــاباك نــداف ارغمان من تكرار الحادثة التي كانت للرئيس الفرنســي جاك شــيراك مــع الحراس الإســرائي­ليين، فعــارض، ربما لــم يفهم بأنه

يدوس على دمل أردني ملتهب ومنتفخ برواسب تراكمت ضد نتنياهو . تفجر الأردنيون غضباً وألغوا زيارة الأمير.

في ليلة الأربعــاء الخميس، تبين أنهــم اتخذوا رد فعل: فقد رفضــوا الإذن لرحلة الطائــرة الإماراتيـ­ـة التي كانت تنتظر نتنياهو في عمان. وفــي الثالثة فجراً، أيقظوا رئيس الشــاباك لحديث فيديو عاجل مع الجهات التي أعدت زيارة رئيس الوزراء إلــى الإمارات في محاولــة لإصلاح الضرر، ولكن الأردنيين أغلقوا الهواتــف ورفضوا تلقي المكالمات من نظرائهم الإسرائيلي­ين. أطلعت هذه المحافل نتنياهو على آخر التطورات، وهو الذي كان يفترض أن يســافر في الســابعة صباحاً، وفي هــذه الأثناء أصيبت عقيلتــه بوعكة صحية، وبدلاً من أن يسافر إلى أبو ظبي سافر معها إلى هداسا.

إن رد الفعل الأردني حول ترتيبات الحراسة كان بالفعل عديم التوازن. فمع قليل من الحكمة والحساسية من الطرفين كان يمكــن حل المســألة دون الوصول إلــى الانفجار، ولكن رئيس الوزراء ســارع لاتهامهم من على كل منصة ممكنة. في الآونة الأخيرة، أضاف مزيداً من الزيت إلى الشــعلة وتبجح بــأن «الأردنيين يحتاجوننا أكثر مما نحــن نحتاجهم ». لعل هــذا كان صحيحاً في الماضي، أما اليوم فــإن التداخل بيننا وبين الأردنيين متبادل تماماً.

إســرائيل والأردن شــريكان اســتراتيج­يان وثيقــان،

مثلما في قول بنجامين فرانكلن: إذا لــم يكن أحدهما متعلقاً بالآخر – فسيكونان معلقين الواحد إلى جانب الآخر. معظم الإســرائي­ليين على غير علم بعمق الحميمية التي بيننا وبين الأردنيين، وعلى ما يبــدو لن يعرفوها أبداً. فالحدود الآمنية الشــرقية لإســرائيل لم تعد منذ زمن بعيد نهــر الأردن، بل حدود المملكة الهاشــمية التي تعتمل خلفها موبئات الشرق الأوسط، من الحرس الثوري وحتى «داعش».

وعليــه، فإن لإســرائيل مصلحة عليا فــي الحفاظ على اســتقرار المملكة. إذا سقط الأردن فســنضطر لصد كل هذه الجهات على طول 309كم من حدودنا الشــرقية. إســرائيل تعمل في تعاون عسكري مع المملكة.

يدعي السوريون بأن ســاح الجو الإسرائيلي يستخدم الأردن كــرواق جــوي للطيــران شــرقاً، وكل مــن يعرف الجغرافيا يتخيــل كيف يمكن للأراضي الأردنية أن تشــكل خشبة قفز لإســرائيل إلى التهديدات في الشرق. بعد يومين من ترشيح المحادثات، بدأ الأردنيون يستجيبون لتوجهات رجال وزارة الخارجية والدفاع ممن ســعوا لإطفاء الحريق. ولتجربتهم في الإهانات التي يوجهها نتنياهو، أوضح رجال القصر الملكي الهاشمي بأن قنوات العمل المشتركة لن تتضرر. ولكن عندها توجه نتنياهو لتخريب العلاقات مع الشــريك الجديد – الإمارات.

بينما كان يحاول أن يعيد تنســيق الزيارة إلى أبو ظبي، جند رئيس الوزراء الإماراتيـ­ـن لدعايته الانتخابية وأعلن بأنهم يعتزمون اســتثمار 10 مليارات دولار في إســرائيل، أو 40 مليار شــيكل» على حد قوله، )واضــح أن نتنياهو لم يطلع منذ زمن بعيد على سعر الدولار(. وكانت هذه بالنسبة للإماراتيي­ن قشة واحدة أكثر مما ينبغي، فأصدروا بلاغاً أديباً يوضح بأنهم ليســوا طرفاً ولا أداة في معركتنا الانتخابية. وأوضحــوا عبر قنوات خاصة بأنهم لن يســتقبلوا نتنياهو قبل الانتخابات، وكذا القمة مع إســرائيل والســودان التي خططوا لاستضافتها في نيسان، معلقة حتى إشعار آخر.

يبدو أن نتنياهو لم يســتوعب أن ســحره الدولي تبدد مع دخول بايدن البيت الأبيض. فبعد أربع ســنوات كان يعد فيها كمن يحمل كل مفاتيح العاصمة الأمريكية، فإن نتنياهو بعد ترامب لم يعد «مســتوى أعلى»، بل وحده، في مستواه الخاص. «هكذا ينقضــي المجد»، كما كانــت الفاتيكان تقول في في احتفال تعيين البابا الجديد، وفي هذه الأثناء يشــعل راهب أمام البابا الوافد قطعة قمــاش تتآكل كتذكير على أن الإنســان بالإجمال هو أيضاً مؤقت ومتآكل. ليس في محيط نتنياهو اليوم أي راهب يمنحه درس التواضع هذا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom