Al-Quds Al-Arabi

مصر: الموقف الراهن من المؤسسة العسكرية

- ٭ كاتب من مصر

■ أخذت قضية العلاقات المدنية والعسكرية والأمنية في مصر اهتمامــا خاصا مع ما مرت به ثــورة 25 يناير 2011 من مد وجزر ووأد، وقد كانت ثورة مدنية خالصة، أســقطت نظاما قديما متهالكا، إلا أنها اُبتُلِيت بمن تمكنوا من هزيمتها، وعدم تمكينها من الحكم والمشاركة في اتخاذ القرار، ومن الأهمية بمكان وجود مؤسسة عسكرية قوية في بلد مستهدف كغيره من بلدان «القارة العربية»؛ مهدد بالتفكيك والتدمير والإضعــاف، وذلك ما أعادنا لتناول هذه القضية بالغة الأهمية؛ في الظروف الصعبة الحالية، وقد لا يكفي في تناولها جهد فرد، أو مقال كاتب، وتحتاج لجهد مكثف وعمل مؤسَّســي، يحميها من المتربصين بها، ومن مستغليها أو من مستخدميها في تصفية الحسابات الشخصية والثأرية، وهي مؤسسة منضبطة وبقيت بلا شــروخ غائرة رغم مواجهتها لصعوبات وأزمات مرت بها في السنوات العشــر الماضية، وحصرت اشتباكاتها في نطاق شمال ســيناء؛ بما فيها من كر وفر بينها وبين جماعات مسلحة متسللة هناك.

وهدف تنــاول هــذه القضية هو محاولــة الوصول لوضع لبنة في بنيان مشــروع وطنــي ضابط؛ يحد من الإنفلات، وســقوط الضحايا والشــهداء، ويجب ضبط ذلــك الانفــات، أو تأهيــل المنفلتين وإمدادهــم بثقافة مغايرة لما اعتادوا عليه، وكان وضع المؤسسة العسكرية محط اهتمام ثورة 25 يناير، وهي تتطلع لتأسيس حكم وطني ديمقراطي؛ يعتمد على دولة المؤسسات والقانون والمساواة والعدالة الاجتماعية والإنسانية،

ومن المقبول اعتماد الدور العســكري المباشر في زمن الحروب وفترات المقاومة، وزمن الكفاح المســلح لإجلاء المســتعمر الأجنبي والتخلص منه، واستعادة استقلال القرار الوطنــي والحفاظ عليه، وضمان ســامة تراب الوطــن ووحدة أراضيــه، واحترام حريــات مواطنيه وكرامتهــم الإنســاني­ة، ويصاحــب ذلك خطــط تنمية شــاملة وعادلة؛ تســتهدف تقدم المجتمــع، وترفع من

مستوى معيشــة مواطنيه، مع الاهتمام بالأقل حظا؛ من الفقراء والضعفاء والعجزة والمحتاجين والمعوقين وغير القادرين، وإتاحة فرص العمل والحياة الكريمة أمامهم.

ويجــب حصر قضية المؤسســة العســكرية المصرية ضمن النطاق الوطني والقومي والاجتماعي والإنساني، فتجاهل المسكوت عنه، كثيرا ما يتسبب في ظلم الشعب والمؤسســة العســكرية معا، فغالبية الشعب ترى رأس المؤسسة العســكرية حاليا، ويمثلها «المشير السيسي» تراه شــخص آمرا ناهيا، وقاسيا لا يرحم أحدا بما فيهم أنصــاره، ويبالغ في الإهانــة والقســر والجباية غير المنطقية وغير الإنسانية، والتهديد المستمر، فزاد النفور منه، وممن يحيطونه من قادة هذه المؤسســة العتيدة. الظالمة لنفســها بجريرة تصرفات «المشــير»؛ المتجاوزة للحدود والمنطق، وتخطي قدرة الشعب على التحمل.

ويســاعد على ذلك طبيعة المؤسسة العسكرية في أي بلد، فهي مؤسسة شبه مغلقة، ولا تأخذ بأساليب العمل الديمقراطـ­ـي فــي الحركــة والأداء والإدارة، وقراراتها وتوجيهاتهـ­ـا وتعليماتها مركزية؛ تهبــط من أعلى إلى أســفل، ومن القيادة العليا إلى القيادات الأدنى؛ كل في حدود مســؤوليته التنطيمية والعامــة، وإذا عَنَّ لأحد فيها أن يشكو فعليه اللجوء لقائده المباشر، وقد يعاقبه على شكواه. ومن المعلوم إن القيادة العليا في المؤسسة العسكرية من مهام رأس الدولة، وهي في النظام الوراثي ممثلــة في الملك، وفي النظم الأخــرى تكون مهمة رئيس الدولة، ومعنى ذلك إنها مهمة سياسية وليست عسكرية، ومن حــظ المصريين العثر إن القائد الأعلى لجيشــهم لا يتوقف عن التباهي على رؤوس الأشهاد، وتكرار تباهيه بأنه «رجل مش سياســي» ويلغي بذلك دوره ووظيفته، التي يُؤْجَــر عليها، ويتم دفعها مــن الضرائب النظامية المقررة والجبايات القسرية المفروضة المدفوعة من جيب المواطن.

ونســتطيع أن نقول إن وظيفة القائد الأعلى في مصر

شــاغرة، وليس للمؤسسة العســكرية قيادة سياسية عليــا؛ معنى ذلك غيــاب القدرة على تقديــر الواجبات الوظيفية وعدم الالتــزام بقواعدها، وأعتقد أن هذه أهم أسباب ســوء الخلط بين ما هو عســكري، وبين الأدوار والواجبــا­ت الأخري الملزمة؛ ســواء كان ذلك في مجال السياســة أو الاجتماع والاقتصاد أو التشريع والثقافة والآداب والفنون والإعلام..إلــخ؛ هناك خلط أعتقد أنه متعمد، لجعل المؤسســة العســكرية حزبا حاكما مهمته إصدار أوامر فوقية دون دراســة أو مناقشــة، والتحكم في السلطات والمؤسسات والهيئات كافة دون مساءلة، وسمح «المشــير» لنفســه بتغيير الدســتور ليبٍقى في منصبه مدى الحياة، «ولم يتعظ من رأس الذئب الطائر» وهو دائم التهديد لمن يخــرج عن طاعته؛ بعصا الجيش وجبروت الشرطة، وبوضعه على قوائم الإرهاب؛ وهي مظالم أضحت مشهرة في وجه الجميع.

وفي السنوات السبع الماضية أدى فشل ضبط العلاقة بين ما هو مدني وما هو عســكري وأمنــي؛ أدى لإخراج المؤسسة العسكرية من نطاق مهمتها الحقيقية، ودخلت إلى مجالات العمل في التموين والاقتصاد والاســتثم­ار والبناء والتشييد والأسماك والمقاولات والإعلام، وذلك خطر على كفاءتها ودورهــا المهني، وكذلك الأثر الخطير لربط قيادات عســكرية عليا بحكومــات وأجهزة دول مانحة للمساعدات، ومصدرة للســاح، ومسؤولة عن عمليــات الإعداد والتدريــب عليه، وهذا وضع شــديد الحساسية، وجالب للمصائب، وهناك دولة استيطانية وغاصبة ونوويــة؛ مزروعة على حــدود مصر، وتنعم بدعــم المنظومة الرســمية الغربيــة، ورديفهــا حركة صهيونية نشطة؛ توفر لدولتها التمويل والحصول على أحدث ما في ترسانات الأسلحة المتقدمة.

وحظيت قضية القوات المســلحة المصريــة باهتمام ثورة 25 ينايــر 2011، ووُضِعت على جدول أعمال دعوة وجهها نائب رئيس الوزراء لشــؤون التنمية السياسية

والتحــول الديمقراطي على الســلمي فــي وزارة عصام شرف، المختار من ثوار ميدان التحرير، وكانت دعوة لـ«مناقشة مسودة إعلان المبادئ الأساسية لدســتور الدولة المصرية الحديثة» ورفضتها جماعات وأحــزاب وإئتلافات «الإســام السياســي» وحلفاؤهم السلفيون، والجماعات المذهبية والطائفية؛ الرافضون للتعاون مع قوى الثورة

ومع ذلك بادرت عناصر مســتقلة من القضاة وفقهاء القانون والدستور؛ وأخذت «المسودة» على محمل الجد، والتقوا في اجتماع دعا إليه «المجلس الوطني المصري»؛ حضره ممثلون عــن الأحزاب والائتلافـ­ـات والعناصر المؤيدة للثورة، وحضرها كاتب هذه السطور، وذلك في نوفمبر 2011

وحافظ التعديل على سرية الأعمال القتالية، وسرية العلاقة المباشــرة بالأمن القومي. وطالب الموقعون على «المســودة» المعدلة تحصين ما ورد فيهــا، وإصداره في «إعلان دســتوري » وإعادة طرحه علــى القوى الثورية والوطنية والقومية؛ المؤيد للدولة المدنية، والعاملة على بناء نظام ديمقراطي معاصر. ومثل هذا مشــروع للربط بين حكم مأمول ومؤسســة عســكرية تقوم على التقدير وليس التمييز.

وهو ما يجب التعامل على أساســه مع باقي سلطات ومؤسســات وهيئــات الدولــة المأمولة.. بســلطاتها القضائية والتشريعية والتنفيذية، وأجهزتها السيادية ومؤسساتها العليا والمستقلة، والنص على أن التحصين نابع من حرص على اســتقرار مبادئ المساواة والعدالة والفــرص المتكافئة، ولا يحمل التحصين لأي مؤسســة؛ عســكرية أو غير عســكرية؛ معنى العلو فوق السلطات والمؤسســا­ت والمجالس العليا الأخرى، فجميعهم خادم للشعب ومقر بالولاء له.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom