Al-Quds Al-Arabi

قال... «حل سياسي في سوريا قال»

- ٭ كاتب واعلامي سوري falkasim@gmail.com

■ من أكثر الكليشــيه­ات الإعلامية والسياسية إثارة للسخرية والتهكم وحتى القرف هذه الأيام هي همروجة الحل السياسي في ســوريا، فلا تسمع من الأمم المتحدة وأمريكا وروســيا وأوروبا وحتى العرب سوى الحديث عن أن لا حل عسكرياً في ســوريا، بل إن التسوية تكمن في الحل السياسي وحده لا شريك له.

لا أدري لمــاذا وصل الأمر بالقــوى الدولية وتوابعها وأبواقها إلى استحمار الناس بهذه الطريقة الفجة التي لم تعد تنطلي حتى على أطفال الروضات. عن أي تسوية سياسية تتحدثون؟

الحل السياســي يكون عادة بين قوتين متحاربتين لا تستطيعان حسم المعركة عسكرياً، فتلجآن للمفاوضات السياســية لتخفيف الخسائر، وغالباً ما يكون الحل في هذه الحالة منصفاً للقوتين لأنهما متعادلتان عسكرياً. هل يتوفر هذا الوضع أو هذا الشرط في الحالة السورية كي ننجز حلاً سياســياً ونخرج من هذه الكارثة التاريخية؟ بالطبع لا، فقد انتهى الحل السياسي تماماً بعد أن تدخلت ثاني أقوى قوة في العالم وهي روسيا لصالح النظام مع إيران ودمرتا عملياً الطرف المعارض عســكرياً بالقصف والتهجيــر والتدمير، ثم وثقتا ذلك سياســياً بمؤتمرات أستانا وسوتشي. وقد شــاركت قوى المعارضة في تلك المؤتمرات ليست كقوى فاعلة بل كقوى مهزومة لا يمكنها أن تفرض شــيئاً على الطاولة طالما أنهــا لا تمتلك القوة علــى الأرض. وكما يقول مترينخ: لا تســتطيع أن تصل على طاولة المفاوضات أبعد مما تســتطيع أن تصل إليه مدافعك على الأرض. بعبــارة أخرى، فإن الذي يفاوض على الطاولة ليس السياسة بل القوة العسكرية.

ماذا بقي من القوة العســكرية للمعارضة الســورية بعد عشر سنوات على الثورة. لقد رفعت روسيا الغازية شــعار خفض التصعيد في ســوريا، وظــن البعض أن الهدف تخفيف حدة القتــال بين النظام والمعارضة، لكن الحقيقة أن روســيا قضت عسكرياً على الطرف المعارض لصالح النظام الذي اســتعاد حوالي ســتين بالمائة من الأراضي السورية بقوة الطائرات الروسية والميليشيا­ت الإيرانية، بينما صارت قوى المعارضة صفراً على الشمال عســكرياً بعد أن تم إخراجها مــن كل المناطق التي كانت تسيطر عليها في عموم سوريا.

إن المفاوضات الحالية في الوضع الســوري ليســت بين النظام والمعارضة بل بين روسيا ثاني أقوى قوة في العالم وجماعات معارضة ســورية مسكينة تخلى عنها العالم. كفاكم ضحكاً على النــاس. إن أكبر نكتة يرددها المجتمع الدولي حول ســوريا نكتة الحل السياسي بعد أن نجح الحل العسكري تماماً على أيدي روسيا وإيران. أي حل سياســي وأنتم تعلمون أن التسوية السياسية يفرضهــا الحل العســكري وليــس العكــس. ويعترف السفير الأمريكي الاســبق في سوريا روبرت فورد بذلك عندما يقول: «في الحروب، يظل التوازن العسكري الأمر الأكثر أهمية....

الزعيــم الســوفيات­ي ســتالين في الحــرب العالمية الثانية، عندما حذره مستشــاروه من أن بابا الفاتيكان سيغضب إزاء تصرفات السوفيات داخل بولندا، الدولة الكاثوليكي­ــة، كان تعليقه: «كم عدد الكتائب التي يملكها البابا؟». وبالفعل، ظل الجيش السوفياتي داخل بولندا طوال 49 عاماً» أي أن الصوت الحقيقي في العلاقات بين القوى ليس الدبلوماسي­ة بل القوة.

من هو الأهبل الذي يلجأ للحل السياسي بعد أن ينجز الحل العســكري؟ هل تتوقعون من الروسي والإيراني وحليفهــم النظام الســوري أن يتنازلوا عــن الانتصار العســكري ويتقاســمو­ه مع قوى المعارضــة وحلفائها الضائعين؟ مســتحيل. ثم يأتيك بعض المتلاعبين بعقول النــاس ليقولوا لنا إن الحل في ســوريا حل سياســي فقط. طيب هل لو انتصرت قوى المعارضة وداعموها في سوريا، هل كانوا سيقبلون بالحل السياسي مع الروس والإيرانيي­ن والطرطور الأســدي، أم إنهم ســيفرضون شــروطهم عليه؟ ونحن نعلــم تاريخيــاً أن الأقوياء لا يتفاوضون بل يفرضون. هل أنجز الروس والإيرانيو­ن التفــوق العســكري للنظام وســيطروا على ســوريا وثرواتها كي يأتــوا فيما بعد ليقولوا لقــوى المعارضة تعالوا نتقاســم وإياكم الســلطة والثروة من خلال حل سياســي؟ يا جماعة اصحوا من غفوتكم. لا يفل الحديد إلا الحديد.

لا شــك أنه يمكن أن يكون هناك حل سياســي متفق عليه بين القــوى الإقليمية والدوليــة الكبرى المنخرطة في القضية الســورية، وذلك بفرض الحــل على النظام والمعارضة كما فعلوا في يوغســافيا الســابقة بالقوة، لكن حتــى الآن هذا الأمر ليــس متوفراً أبــداً، فما زالت روســيا وإيران والنظام هــم أصحاب اليــد العليا في القضية، وليس هناك أي إرادة أمريكية أو دولية لتعديل توازنــات القوة. وفي أحســن الأحول يمكــن أن يعطي النظام وداعموه لقــوى المعارضة الهزيلة التي تتفاوض مع الروس والأســد فــي مؤتمرات اللجنة الدســتوري­ة السخيفة ما كان يعطيه النظام لأحــزاب المعارضــة المنضوية تحــت مــا يســمى بالجبهــة الوطنية التقدميــة لصاحبها حــزب البعث العربي الاشــتراك­ي، مجــرد مكتب وخط تليفون وسيارة، دون أي سلطة حقيقة في إدارة الدولة.

وكي لا يظــن البعض أننــا هنا نصــور النظام على أنه منتصر، لا أبــداً، بل هو أكبر المهزومــن، لأنه يحكم من خلال القبضة الروســية والإيرانيـ­ـة، ومن دونهما لا يستطيع أن يســتمر عسكرياً، ناهيك عن أنه صار عاجزاً بوجود حلفائه الــروس والإيرانيي­ن عــن تأمين الخبز لمؤيديه. بعبارة أخرى، فإن روســيا وإيران في سوريا ليســتا حتى دولتي احتلال، بل دولتا نهب وسلب، لأن القانون الدولي يفرض على المحتلين إطعام شــعب البلد الذي يحتلونــه والاهتمام بمتطلباته الإنســاني­ة، لكن روســيا وإيران تركتا مؤيدي النظام الذي جاءتا لدعمه يموتون من الجوع والفقر لأن الهدف الروسي والإيراني في ســوريا هي ثروات سوريا وليس شــعبها ولا حتى نظامها. وعندما يتفق الغزاة الذين يســتبيحون الأرض الســورية ويتقاســمو­نها فيما بينهم على حل سيكون هناك حل. لكن طالما أن كل مســتعمر يسيطر على منطقة في سوريا فســيظل الوضع على حاله الى ما شاء الله. باختصار يا جماعة الخير، المشــكلة ليســت في بقاء أو ذهاب الحمار، بل في الاتفاق بين راكبي الحمار أنفسهم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom