Al-Quds Al-Arabi

غضب متواصل في العراق لاعتقال الصميدعي ومذكرة القبض على الكبيسي

تحذيرات من القمع وتكميم الأفواه المُنتقدة للسلطة

- بغداد ـ «القدس العربي» ـ من مشرق ريسان:

أثار اعتقال قوات الأمن العراقية، الحقوقي والسياسي المستقل، إبراهيم الصميدعي، بتهمة تتعلق بـ«إهانة الســلطات» وإصــدار مذكرة قبض على الباحث يحيى الكبيســي، موجة من ردود الفعل المنتقدة لفرض «سياســة تكميم الأفواه» الُمنتقدة لأداء السلطة في البلاد.

واعتبر الكبيســي، وقوف جهات سياســية وراء إصدار القضاء العراقي «مذكّرة قبضٍ» ضده، على خلفية سلســلة مقالات رأيٍ صحافية يواظب على نشرها في «القدس العربي» تناولت مؤخراً «انتقادات» للسلطة القضائية.

وأصدر مجلــس القضاء الأعلى الاتحادي، فــي 16 آذار/ مارس الجاري، «مذكّرة قبضٍ وتحر» على الكبيسي، وفقاً للمادة )433/ 1 ق.ع( قذف.»

في هذا الشأن، يقول الكبيســي لـ«القدس العربي» إن «المذكرة لها علاقة بالمقالات التي نشرتها في «القدس العربي» حول القضاء عموما في العراق، وحول المحكمة الاتحادية. وآخرهما مقاليّ الأسبوعيان الماضيان.»

وبشأن مذكّرة القبض، بين «ليس لدي أي علم بشأنها. أنا رأيتها في مواقع التواصل الاجتماعي» مبيناً أنها )المذكّرة( تمثّل «استهدافاً سياسياً صريحاً» عازياً الســبب في ذلك إلى «إســكات الأصوات التي تفضح النظام الزبائني الذي يحكم العراق اليوم.»

«القضاء والمحكمة الاتحادية»

وتابع: «توقيت الدعوة مرتبط بما كتبته عن القضاء والمحكمة الاتحادية في المقالين الأخيرين، ومرتبط بموقفي المعلن تجاه الإشــكالي­ات الدستورية والقانونية المرتبطة بهذا الموضوع، والتي تقوض شرعية المحكمة الاتحادية التي سيتم تشــكيلها بالكامل، وهذا يتعارض مع مصالح من كان وراء تمرير هذا القانون من الأصل».

وفيمــا إذا كانت هنالك جهات محددة تقف وراء إصــدار المذكّرة، أتمّ : «لا أعــرف أحدا- حتى هذه اللحظــة- وراء الدعوى، ولكــن مراجعة الوثيقة يكشــف أن أمر القبض ضدي، وأمر القبض ضد إبراهيم الصميدعي )محلل سياســي مســتقل( قد صدرتا في يوم واحــد، ومن قاض واحــد، وبرقمين متسلســلين، وهــذا يعني الجهة التي تقــف خلفهما هي جهــة واحدة، وان اختلفت أسماء المشتكين».

وزاد: «بالتأكيد هكذا إجراء ضد شــخصيات عامة معروفة، ســتجعل أي شــخص يخاف من رفع صوته بنقد الدولة، ورجالاتها، وسلوكها، خوفا من الملاحقة» مجدداً تأكيده أن القضية «استهداف سياسي من الأصل، ومحاولة لتكميم الأفواه. وبالتأكيد ثمة جهات سياسية تقف خلفها».

وأصدرت رئاسة محكمة اســتئناف بغداد/الكرخ الاتحادية مذكرة قبض وتحر على الكبيسي الذي يقطن في العاصمة الأردنية عمّان.

وصدرت المذكرة في يوم 16 من آذار/ مارس الجاري بتهمة «القذف» وفقا للوثيقة الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى.

وتعدّ المذكّرة القضائية الصادرة على الكبيســي هــي الثانية من نوعها، إذ عمّــم القضاء العراقية مذكــرة «تعميم أمر قبض وتحر» في التاســع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وفقاً لأحكام المادة الرابعة/ 1 من قانون مكافحة الإرهاب!.

وقال الكبيســي في تصريــح صحافي حينها، إنه «شــارك في انتخابات 2018، ودخلت العراق عشــرات المرات بعد هذا التاريــخ من مطاري بغداد وأربيــل من دون وجود أي مشــكلة، وهذا كله يضع علامات اســتفهام على المسألة كلها».

وفيما شدد سياســيون على أهمية عدم المســاس بـ«حرية التعبير» في العراق، دعوا أيضاً إلى احترام القضاء وإجراءاته.

وعُرف الصميدعي بانتقاده الحاد لأحزاب الســلطة، والفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة العراقية.

وليلة الجمعة/ الســبت، اعتقلت قوة أمنية الصميدعي من منزله وســط العاصمة بغداد.

«الكلمة الحرة»

ونشرت إدارة صفحة «المحلل السياســي» إبراهيم الصميدعي، تفاصيل جديدة عن عملية اعتقاله.

وجاء فــي تدوينة، «يبدو أنهم بحثــوا كثيراً ولم يجــدوا ما يدينون به إبراهيــم الصميدعــي، الذي لم تمتد يــده للمال العام ولم يســر في طريق الباطــل، كان صوته يصدح مــن أجل بناء دولة مواطنة يحتــرم فيها الفرد وينال حقوقه المسلوبة».

وأضافت: «لا شــيء يحاسب عليه ســوى الكلمة الحرة والشجاعة التي شــخصت وعلى مدى ســنوات مكامن الخلل وأبواب هدر المال العام، مذكرة قبض وفق المادة 226/ع بتهمة إهانة السلطات العامة صدرت بالضد منه».

وأوضحت الصفحة أنه «رجل قانون وسياســي معــروف لدى الجميع، بربكــم هل تســتدعي اقتحام بيتــه ليلاً وترويــع عائلتــه واعتقاله بهذه الصورة».

وتابعت: «ألا يســتوجب إخبار نقابة المحامين قبل تنفيذ الاعتقال بإعتبار المادة 30 من قانون النقابة ينص على ذلك؟ المادة 30 من قانون المحاماة».

ولفتت إلى أن «يجب إخبار النقابة بأي شكوى تقدم ضد محام، وفي غير حالة الجرم المشــهود لا يجوز اســتجواب المحامي أو التحقيق معه لجريمة منســوبة إليه متعلقة بممارســة مهنته إلا بعد إخبار النقابة بذلك، ولنقيب المحامين أو من ينوب عنه حضور الاستجواب والتحقيق».

وأول أمــس، أصدر مجلــس القضاء الأعلــى، توضيحاً بشــأن توقيف الصميدعي.

وقال المجلس في بيان صحافــي، إن «توقيف الصميدعي جاء على خلفية صدور مذكرة قبض ضده وفق المادة 226 من قانون العقوبات على إثر تهجمه على مؤسسات رســمية ووصفها بصفات وعبارات ســيئة )لا يليق ذكرها( تخرج عن حدود حرية التعبير عن الرأي المكفول دستوريا، وذلك لقاء مبالغ مالية تدفع له».

وأضاف «سوف يعرض على المحكمة المختصة بعد انتهاء العطلة الرسمية )اليوم الإثنين( للتحقيــق معه وتقرير مصيره على ضــوء ذلك بإجراءات أصولية وقانونية».

«ليس جديدا»

وتعليقــاً على اعتقال الصميدعي والكبيســي، قال عضو مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، في حديث لـ «القدس العربي » إن «قضية انتهاك حرية الرأي والانتهاكا­ت الأخرى ضد الناشــطين ومن يظهر على وســائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من أجل النقد البناء لمؤسسات الدولة، ليس بجديد» مبيناً إن «العراق في السنتين الأخيرتين واجه انتهاكات جسيمة في حقوق الإنسان، وتحديداً في الحقوق المدنية والسياسية.»

وأضاف: «ما حدث مــن قتل وإصابة لأكثر من 560 متظاهراً، وإصابة أكثر من 25 ألفاً، بالإضافة إلى عدم وضع حد لحالات الاختطاف والاغتيالا­ت، كان دليلاً ومؤشــراً واضحاً على جسامة تلك الانتهاكات» لافتاً إلى إن «ما يحدث اليوم هو جزء من تلك القضية.»

وتابــع: «نحن مــع الحفاظ علــى خيبــة الدولة والســلطات وضرورة احترامها، لكــن قضية التعبيــر عن الرأي هــي أبــرز أركان الديمقراطي­ة، واســتثمار الإعلام- الســلطة الرابعة- هو أيضاً من الأجهزة الديمقراطي­ة المكفولة بالدســتور العراقي، ناهيك عن المســاءلة المجتمعية التي تعدّ ركناً أساسياً من دولة القانون وسيادته».

وطالــب البياتي الدولــة العراقيــة بـ«توفير الظروف المناســبة لكل ما تقــدم» موضحاً أن «قانون العقوبات العراقي فيــه الكثير من الثغرات التي لا تتناســب والظروف الديمقراطي­ة، لكن في النهاية فإن القضاء يســتجيب عندما تكون هنالك شكاوى، على اعتبار إن تلك القوانين نافذة».

وأشار أيضاً إلى طريقة تنفيذ عملات القبض، مؤكداً إنها «تتنافى مع قانون أصول المحاكمات الجزائية، الذي يتطلب وجود ورقة تكليف واستقدام، قبل أن تكون هناك مذكرة القاء قبض على المتهم، وهذا لم يحدث» في إشارة إلى طريقة القبض على الصميدعي.

ومضى يقــول: «طريقة الاعتقال كانت مهينــة وتتنافى مع مبادئ حقوق الإنســان والضمانــا­ت القانونيــ­ة، وهو أمــر يخالف الدســتور العراقي والتشــريع­ات الوطنيــة» لافتاً إلى إنه «ليســت واضحة بالنســبة لنا في مفوضية حقوق الإنســان. هل إن ضمانــات المتهم موجــودة أم لا. كل هذا تتحمله السلطة التنفيذية ومؤسسات انفاذ القانون».

وختم البياتي قائلاً: «مهما كانــت تهمة المتهم، فلا يمكن حجب الضمانات القانونيــ­ة عنه، وأهمها التواصــل مع الأهل ووجود محــامٍ والعرض على القاضي خلال مدّة 24 ســاعة» مبيناً إن «جميع هذه الفقرات لم تؤخذ بنظر الاعتبــار، وهي تمثل التعســف في اســتخدام القانون. نأمــل من القضاء العراقي أن يكون هــو الفيصل وأن يُنصف المتهم وأن لا يســتجيب لضغط السلطات التي تحاول تجيير القانون إلى طرفها».

«أداة قمع»

السياسي المستقل، ليث شــبر، أمس، قال إن تحويل المؤسسة القضائية إلى أداة لقمع الأصوات الوطنية، «أخطر مما تفعله الميليشيات بأضعاف».

وزاد في تغريدة، على «تويتر»: «لأن الميليشــي­ات ســيتم حلها عاجلا أم آجلا وهي دخيلة على الدولة، بينما المؤسسة القضائية هي الركن الرئيسي فيها فإذا فسدت فسد كل ما حولها وحينها سنفقد كل أمل في بناء الوطن».

كما أعــرب رئيس تحالف «الفتــح» هادي العامري، عــن رفضه «تكميم الأفواه» فيما أكد على احترام المؤسسات الدستورية.

وقال فــي بيان، «نرفض المســاس بحريــة التعبير عن الــرأي وتكميم الأفواه».

وأكد، «احترام المؤسسات الدستورية وعدم التجاوز عليها» معلناً وقوفه «معها بقوة من اجل حفظ هيبة الدولة ومؤسساتها».

في حين، أكدت حركة «وعي» أهمية احترام حرية التعبير، فيما دعت إلى محاسبة المدانين بجرائم الفساد والاغتيال والخطف.

وقالــت الحركة في بيــان إن، «ما زالت الســلطات في العــراق تواصل اســتخدام قوانين مبهمة الصياغة تســمح بتوجيه تهم جنائية ضد الآراء والأصوات المعارضة لســلوكها، إذ تمكّن مجموعة مــن القوانين التي تعود إلى ما قبل عهد الدكتاتوري­ة النظام الحالي من اتخاذ إجراءات قانونية ضد منتقديه، وكأن العراق بيئة معادية بالنسبة إلى أولئك الذين يريدون انتقاد الحكومة أو البرلمان أو المؤسسات الأخرى».

وأضاف البيان أن «الحركة تراقب بقلق شــديد تصاعد الحملات المنظمة للحد مــن حرية التعبير التي تمثل مورداً أساســيا لأي نظــام ديمقراطي، محذرة في الوقت ذاته من ازدياد الضغوط الأمنية الهادفة إلى إغلاق المجال العام أمام كافة الأصوات المنتقدة لأخطاء الشخصيات العامة عبر ممارسات غايتها نشــر الخوف والتحريض ضد صحافيين ومدونين ومؤخراً شــملت عدداً من الخبراء السياسيين.»

وتابعــت: «في الظــرف الذي يمر فيــه بلدنا بمرحلة دقيقة تســتوجب المساءلة والمحاسبة للمدانين بجرائم الفساد والاغتيال والخطف، يجب على السلطات كافة تعزيز مساحات النقاش العام لتكون حرة ومحمية ومؤثرة، فإن حق حرية التعبيــر، هو حق مكرس في القانــون الدولي والاتفاقيا­ت الإقليمية لحقوق الإنسان وكذلك الدستور النافذ.»

انتهاك لحقوق الإنسان

إلى ذلك، دعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، إلى عدم التستر بتطبيق القانون كوســيلة لتكميم الأفواه وتقييد حرية الــرأي والتعبير، معتبرة أن عملية اعتقال الصميدعي «انتهاكا لحقوق الإنسان».

وحســب بيان للمفوضية، فقد «أبدت قلقها البالغ وأســفها الشــديد من الطريقة التي تمت فيها تنفيذ مذكرة القبض على المحامي والناشــط إبراهيم الصميدعي دون أي مراعاة للضمانات الإنســاني­ة والقانونية في اجراء يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان».

وطالبت المفوضية، الحكومة والمؤسســا­ت الأمنية بـ«الكشــف عن مصير المحامي والناشــط ابراهيم الصميدعي وإطلاق ســراحه على الفور» فضلا عن دعوتها إلــى «احترام حرية التعبير عن الرأي باعتبارها حقا دســتوريا كفلته المادة )38( وتحقيق كافة الضمانات القانونية للمواطنين والابتعاد عن استخدام التعابير الفضفاضة في القوانين لتقييد الحريات ومصادرة الكلمة الحرة». ودعت مجلس النواب إلى «تشــريع قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي وبما يساهم في تنظيم الحياة السياسية وكفاله الحريات ويحدد المسؤوليات».

أما رئيس تحالــف «عراقيون» عمار الحكيم، فاعتبــر أن تعرض أصحاب الرأي للخطف أو الاغتيال أو الاعتقال يعــد تكميما للأفواه ومصادرة للآراء الحرة.

وكتب، تدوينة على «تويتــر» إن «من أبجديات النظم الديمقراطي­ة ضمان حرية الرأي والرأي الآخر، كما تســهم الآراء المحترمة والموضوعية في تقويم النظام السياسي وعمل الحكومات عبر النقد البناء، ومن الضروري الحفاظ على هذا الحق الدستوري وضمانه للجميع من دون انتقائية».

وأضــاف: «تعرض أصحاب الــرأي للخطف أو الاغتيــال أو الاعتقال يعد تكميمــا للأفواه ومصادرة لــآراء الحرة، كما نؤكد ضــرورة أن يكون النقد ضمــن الســياقات والأطــر القانونية لكي نحافــظ جميعا علــى هذا الحق الضروري للحياة السياسية والاجتماعي­ة».

«حدود يضعها الدستور»

في الأثناء، أكد السياســي المستقل والنائب الســابق عزت الشابندر، أن حرية التعبير حق يكفله الدستور، مشيرا إلى أن لا يجوز بأي شكل مصادرته والاعتقال بسببه من قبل أي جهة.

وقال، فــي «تغريدة» له علــى «تويتر» إن «لا يجوز بأي شــكل المصادرة والاعتقــا­ل بســبب حرية التعبير من قبــل أي جهة كانت» مبينــا أن «حرية التعبير حق يكفله الدستور».

وأضــاف، أن «لهذا الحق أيضا حدودا يضعها الدســتور وتحددها اللياقة والأعراف والأخلاق» موضحا أن «الســباب والبذاءة وإلقاء التهم بغير دليل تجاوز يعاقب عليه القانون».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom