Al-Quds Al-Arabi

«أوبزيرفر»: الحرب السورية لن تنتهي طالما لم يقف الأسد أمام محكمة جنايات خاصة

- لندن - «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

قالت صحيفــة «أوبزيرفر» البريطانية، إن محكمــة جرائم الحــرب الدولية هي أحســن وسيلة لمحاســبة الديكتاتور الســوري بشار الأســد على جرائمه هذا ما جاء في افتتاحية الصحيفــة حول كيفيــة جلب الأســد وأزلام نظامه إلى العدالة ومحاســبته­م بعد سنوات من الحرب.

وقالت إن الأســد حوّل بلده إلــى «مقبرة» وقتــل مئــات الآلاف مــن الأشــخاص بينهم 25 ألــف طفــل، وأجبــر الملايــن علــى الفرار مــن بلادهــم، وارتكــب جرائــم فظيعــة ضد الإنســاني­ة واستخدم التعذيب بشكل واسع، كمــا لم يميــز القصــف الجــوي بــن المدني والمقاتل مع اســتخدام للأســلحة الكيميائية، ولا يــزال اســتخدامه­ا مســتمراً حتــى الآن. وسوريا اليوم هي مجرد أنقاض.

وتســاءلت الصحيفــة عــن بقــاء الأســد فــي الســلطة بعد عشــرة أعوام مــن الحرب. وهــو ســؤال يحمــل أجوبــة عــدة، ولكنهــا تعود لجــواب واحد هــو «التقاعــس». ونجا الديكتاتــ­ور الســوري هذه المــدة لأن المجتمع الدولي سمح له بالبقاء. وأصدرت المفوضية الدوليــة المســتقلة للتحقيــق التابعــة لــأمم المتحــدة عدة تقارير شــاجبة منــذ عام 2011. وتظهر ســجلاتها الأخيرة أن عشرات الآلاف مــن المدنيــن «غيّبــوا قســريا» أو تعرضــوا لـ»التعذيــب والعنف الجنســي والموت أثناء الاعتقال».

ويشــير مديــر المفوضيــة باولــو بنهيرو، إلى عدد من مظاهر الفشــل الدولي: «انتفعت الأطراف المشاركة في هذا النزاع من تدخلات انتقائيــة والتجاهل المحــزن للمجتمع الدولي للنزاع الذي أثر على كل عائلة ســورية. ودفع الســوريون الثمــن عندمــا أطلقــت الحكومة الديكتاتور­يــة العنــان للعنــف المفــرط فــي محاولــة لقمــع التمــرد». وقــال إن «التمويل الانتهازي الأجنبي والســاح وغيــر ذلك من أشــكال الدعم للأطراف المتحاربة، زاد الزيت على النار التي اكتفــى العالم بمراقبتها وهي تشتعل .»

ومع أن أحدًا لا يجادل فيما يقوله بنهيرو، لكن أحداً لــم يهتم به، فتقاريــر الأمم المتحدة موضوعــة علــى الرفــوف ويعلوهــا الغبار. وجمعت الأمم المتحــدة والمنظمات الأوروبية تلالاً مــن الأدلة، لكــن لم يتم التحرك بشــكل منظم بناء عليها. واستمر طغيان الأسد دون أية محاسبة.

يضــاف إلى هــذا عوامل أخــرى ومتعددة تركت الأســد في الحكم، منهــا رفض القوى الغربية التدخل بقــوة. وزاد الضغط للتدخل فــي 2013 بعــد الهجــوم الكيميائــ­ي الــذي قتــل المئــات قــرب دمشــق. ورفــض النواب البريطانيـ­ـون الخائفــون مــن تكــرار درس العــراق التدخل العســكري البريطاني، وبعد أيــام تبــع الرئيــس الأمريكــي بــاراك أوباما بريطانيا، وحوّل الملف إلى الكونغرس.

وقــال زعيم حــزب العمــال البريطاني في حينه إد ميليبانــد، إن مجلس العموم «تحدث نيابــة عن الشــعب البريطاني» ربمــا. ويدين الأســد بنجاته للتدخل الروســي والإيراني. وكان قــرار الرئيس فلاديميــر بوتين التدخل عســكرياً عام 2015 هو الذي أنقذ الديكتاتور وغيّــر مســار الحــرب. واتُهمــت القــوات الروســية بارتكاب جرائم حرب، واســتطاع الأســد اســتعادة ثلثي المناطق التي خسرها منــذ بداية الحــرب. ولعبت الميليشــي­ات التي تدعمهــا إيــران دورهــا الطائفــي القاســي. ومرة أخرى دفــع المدنيون الثمــن بأرواحهم وبيوتهم ومستقبلهم.

وتقــول الصحيفــة إن الأســد لا يــزال في الســلطة رغم القصــف الإجرامــي بالبراميل المتفجــرة علــى أحيــاء المعارضــة، ورغــم اســتخدامه غاز الســارين والكلور والغارات الجوية على المستشــفي­ات والعيــادا­ت، التي أجبــرت 6 ملايين مواطن على مغادرة بلادهم

إلى الخــارج. وأدى النــزوح الجماعي لإثارة أزمــة مهاجريــن فــي كل أنحاء أوروبــا التي لا حــل لها إنســانياً لها. وانتقــدت الصحيفة خطط الحكومة البريطانية إرسال المهاجرين إلــى جزيــرة معزولــة كمــا اقترحــت وزيرة الداخليــة فــي حكومــة بوريس جونســون، فعلــى الأخيــر معالجة جذور المشــكلة وهي: الأســد. فقد انتعش الرئيس السوري بسبب الفوضى. وزاد التدخل العربي الخارجي من

ســوء الأوضاع، وقصفت إسرائيل الأراضي الســورية، وقدمت تركيا بسخاء للمهاجرين الســوريين، لكنها خرّبت على سجلها بتدخل عســكري مثير للانقســام. وانتفع المتطرفون الإســاميو­ن الذين يزعم الأســد أنه يقاتلهم مثله من التشــتت الدولي. ومع ذلك، وبعد 10 أعوام لا أحد يلمس الأسد.

ويجــب ألا يســمح للطغيــان والتقاعــس والشــعور بالحصانــة مــن الانتصــار. ولــو كانت هناك فرصة لمعالجة الخطأ، فســتأتي علــى أكبــر احتمــال مــن التحــرك القانوني؛ لأنه التحــرك العملي والواقعــي الذي يعطيه الفرصــة لأن يدفــع ثمن جرائمــه. وفي حالة استمرت روسيا والصين بعرقلة عمل محكمة الجنايــات الدوليــة ومجلس الأمــن الدولي، فيجــب علــى بريطانيــا والولايــا­ت المتحــدة وغيرهما مــن الدول الدفع في اتجاه إنشــاء محكمة جنايات دولية خاصة بسوريا.

وهناك ســوابق، مثــل محكمــة الجنايات الخاصة في يوغســافيا ورواندا. ولا يوجد أي ســبب يمنــع من إنشــاء محكمــة خاصة في ســوريا لمحاســبة الأســد ورموز ونظامه والمعارضــ­ة التــي وجهــت الأمم المتحــدة اتهامــات لرموز منها بارتــكاب جرائم حرب. ويجــب توســيع ملاحقة الســوريين المتهمين من خلال المحاكــم الوطنية كما فعلت محكمة فــي ألمانيا الشــهر الماضــي وبناء علــى مبدأ الاختصاص أو الصلاحية العالمية.

وتقتضــي المأســاة المريعــة محاســبة المســؤولي­ن، فلــو أرادت حكومــة بوريــس جونسون أن تكون قوة عالمية «للخير» وتدافع عن حقوق الإنسان والقيم العالمية، فعليها أن تؤكد فــي كل محفل دولي وفــي كل لقاء مع الروس والصينيــن وقادة العالــم المؤثرين، وفي قمة الدول الســبع التي ستترأسها هذا العام، علــى ضرورة إنشــاء محكمة جنايات دوليــة خاصــة بســوريا، وعلــى الولايــات المتحــدة وبقية الدول التحرك أيضاً. والهدف هــو العدالــة، للنــاس الضعفاء الذيــن عانوا بشكل مروع. والعدالة لأمة ذبحت وتعرضت للخيانة أمام سمع ونظر العالم، والعدالة بعد كل هذا من ديكتاتور ألقت جرائمه العار علينا وأهانتنا. وطالما لم يقف الأســد أمام المحكمة فلن تنتهي الحرب في سوريا.

 ??  ?? أعمدة دخان متصاعدة من شاحنات ومركبات محترقة عقب الضربات الجوية على مستودع بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا
أعمدة دخان متصاعدة من شاحنات ومركبات محترقة عقب الضربات الجوية على مستودع بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom