Al-Quds Al-Arabi

«الغارديان»: الصمت لم يكن حلاً لماكنمارا وهي تحاول تحقيق العدالة من شيخ إماراتي اعتدى عليها

-

نشــرت صحيفة «الغارديان» مقالة طويلة كتبتها كيتلين ماكنمارا التي أكدت أنها تعرضت للعنف الجنســي على يــد أحد الأمراء في أبو ظبــي، عملت معه علــى ترتيب مهرجان «هاي» الثقافي، وكشــفت في المقال عن محاولتهــا معاقبة المعتدي بعد رفض الشــرطة البريطانية التحقيق بالمزاعم.

وأشــارت في البداية لقــرار محكمة فــي نيويورك أدانــت المنتج السينمائي المعروف هارفي وينستاين بالاعتداء الجنسي على النساء، وكان قراراً مهماً أعطى صورة أن القانون لا يعفي الأغنياء من أفعالهم. وبالنسبة لها شاهدت أخبار المحاكمة وهي في عمان، حيث كانت تتابع وقائع افتتاح المهرجان الذي عملت على ترتيبه في أبو ظبي والاحتفاء الــذي لاقاه الرجل الذي تزعم أنه قام بالاعتداء الجنســي، عليها وهو الشيخ نهيان بن مبارك آل النهيان.

وكتبت لمسؤولها عن مهرجان هاي الثقافي «أعرف أنك واجهت عملاً مجنوناً اليوم ولكنني راقبت أخبار الحكم على وينســتاين، وشاهدت نهيان وهو يلعب دور الرجل الطيب في الافتتاح، ولم أتردد للقول عما فعله لي، ولكنني لا أريد أن أخرب أي شــيء عليــك وفريقك». وتقول إن تلك اللحظة كانت بداية رحلة عــام لجلب من اعتدى عليها للقضاء ولعمل هذا بشكل واضح وصريح لأن الأخريات لا يتجرأن على خطوة كهذه.

«ممنوع التحقيق مع الأغنياء والأقوياء»!

وأضافــت أنها خلال رحلــة جلبه للقضاء، كان عليهــا مواجهة من حاولوا إســكاتها، ومنهم مــن أحبوها، ومن ناحيــة ثانية وجدت في حلفاء جددا واهتمامــاً إعلامياً وفهمت أن عمليــات الإدانة في قضايا الاغتصاب لا تتجاوز 3% في كل من إنكلترا وويلز. وتقول إننا نســمع عن توقف التحقيقــا­ت والقضايا التي تراها النيابة العامة غير رابحة، لكننا لا نســمع عن العار في مرحلة ما بعد الاغتصاب، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالأغنياء والأقوياء. وتشــير إلى علاقتها مع المهرجان في أبو ظبــي، حيث اتصلت بها مؤسســه في ويلز تدعــى بيتر فلورنس للتعاون في نقل المناســبة إلى أبو ظبي وتقديم نسخة عربية وذلك قبل ستة أشهر من عقد المناســبة. وكانت مترددة، فقد عادت إلى لندن بعد حياة في الخارج استمرت عقداً وأحبت رحلتها على الدراجة للعمل في «بي بي سي» وتقول: لم تفتني فكرة «النفاق» في التعاون بين مهرجان يحترم حرية التعبير ونظام يقمعها.

وفــي المقابل، شــاركت ماكنمــارا متطوعــة بالمهرجــا­ن منذ كانت صغيرة، وهي مولودة في البلدة التي نشــأت فيها، كما أنها متخصصة بالدبلوماس­ية الثقافية منذ دراستها السياسة في الجامعة وتعاونت مع منظمات ثقافية في معظم العالم العربي. و»لم أكن راغبة أن أكون بيدقا بحيلة العلاقات العامة الإماراتية ولكنني وافقت». وعندما وصلت أبو ظبي في أيلول/ ســبتمبر 2019 قيل لها إن عقدها مع مهرجان هاي غير صالح وبدلاً من ذلك ستعمل مع وزارة التسامح، الشريك مع المهرجان، مــع أن العمل مع حكومة الإمارات لم يكن مــا وافقت عليه، لكنها تركت عملها في لندن وأجّرت شقتها. و»قلت لنفسي إنها ستة أشهر وحاولي أن تحصلي على أفضل ما فيها.»

ووضعت في فندق مصمم على الطريقــة المغربية ومنحت مكتباً في الوزارة حيث عملت ســاعات طويلة وحاولت ألا تغضب الحكومة من جهة والحفاظ على نزاهة المهرجــان من جهة أخرى. ووجدت تحديات مــن أجل إقناع المنظمين بقبول مشــاركة فرقة مشــروع ليلى اللبنانية التي يعزف فيها مثليون. واســتطاعت إقنــاع 80 كاتباً ومفكراً معروفاً حول العالم للمشاركة والذين سيلتقون بـ3.900 من طلاب 81 مدرسة فــي الإمارات. وكانت مشــاركة مهرجان هاي في المؤتمــر في أبو ظبي محل انتقاد من منظمات حقوق الإنســان والتي رأت في المشاركة دعماً لسياســات الدولة التي تضع ناشــطي حقوق الإنســان مثل المهندس والشــاعر أحمد منصور في المعتقل. وكانت هي وفلورنس على اتصال مع هذه المنظمــات من أجل تخفيف مخاوفها والعمل على مســاعدتها، وكيفيــة إقناع الحكومة الإماراتية بالســماح لطرح موضوعات تتعلق بحقوق الإنسان.

وتشــير إلى أن النخبة الإماراتية متعلمــة وتقضي صيفها في لندن وشتاءها في البهاماس، وهناك جامعة دولية في الإمارات. وشعرت أن طرح موضوع منصور الذي تقول عائلته إنه بلا فرشــة في الزنزانة أو كتب لن يثير كثيراً. لكن مديرها فلورنس اتصل بها وأخبرها أنهم ذهبوا بعيداً، ثم تم إبلاغها أن وزير التسامح الشيخ نهيان يريد مقابلتها. ولم تلتق به من قبل إلا ضمــن مجموعات، حيث كان يحضر قليلا للوزارة، وعندما كان يحضر يســلم على الموظفين، وشــاهدته في جولات على قصر أو أثناء زيــارة أكاديمي صيني. ومرة طلبت منه مســاعدتها في الحصول على تأشــيرة للإيرانية الحائزة على نوبل شــيرين عبادي. وتقول إنها لم تفكر أن اللقاء السريع وغير المرتب سيكون عن أي شيء غير العمل، واشتكت لمديرها من أنها ستعمل ساعات طويلة.

وما حدث في اللقاء بات معروفاً ونشر في الصحف وتم الحديث عنه

في مقابلات تلفزيونية، حيث اســتطاعت كما تقول الخروج من بيته، وأرسلت رسالة نصية لمديرها قائلة إنها كانت حمقاء للتفكير أن اللقاء كان من أجل العمل. و»ذهبت إلى اللقاء كمهنية ولكن لم يمر وقت طويل حتى أكتشف أنني كنت لعبة له.»

وتقول إنها لم تستطع تأطير ما حدث لها بناء على قانون الاغتصاب البريطاني الصادر عام 2003 أو التعذيــب بناء على القانون الجنائي عام 1988 وميثــاق الأمم المتحدة ضد التعذيــب. وحاولت البحث عن طريقة لتأطير الوضــع، وعندما اتصل بها فلورنس ســألها إن كان ما حدث لها يشبه تصرفات واينستاين من النساء، أجابت نعم. وأعطاها تفاصيل بطاقته الإئتمانية وحجز بطاقة لها للندن. ولكنها لم تســتطع السفر فهي نقطة الاتصال الرئيسية، وســتواجه مشاكل مالية تتعلق بالعقد. وبدلاً من ذلك حجزت غرفة بفندق في دبي واتصلت مع القنصل البريطاني هناك. وعندما وصل فلورنــس كان الإجماع على مغادرتها الإمارات. وشــعرت بالحزن لأنها ســتترك جهدًا عملت عليه بســبب نزوات رجل.

فضّلت العدالة على خصوصيتها

ولهذا سافرت إلى عمان ومنها طارت إلى لندن. وتضيف أنها لم تكن راغبة بنشــر قصتها، فهي من عائلة تتمسك بخصوصيتها، وفي بلدتها يعرف الناس بعضهم بعضــاً، ولكن بحثها عن العدالــة هو ما جعلها تضحي بخصوصيتها والكشف عن تفاصيل وجهها.

ووصلت إلى لندن مع بدء الإغلاق بســبب فيروس كورونا. وتقول إنها حاولت البحث عــن طرق للإبلاغ عما حــدث، بعضهم تجاهلها، وآخــرون قللوا من شــأن الأمــر وتعاطف البعض معها. واكتشــفت لاحقًــا موقف المجتمع من العنف الجنســي ومحاولة إســكاتها. وقيل لها: هو قوي ولا يمكن جلبه للعدالة، ونخشــى أن يلاحقك وسيدمرك المحامون وستجرين في الوحل ولن يوظفك أحد بعد الآن وسنساعدك على تناســي الأمر والتحرك للأمام. ووجدت نفسها وحيدة في شقتها تصحو على كوابيس الشــيخ والعالم حولها يواجه الوباء. ووجدت في النهاية مســاعدة فبعد رفع الإغلاق، قدمهــا فلورنس إلى المحامية هيلينا كيندي.

ووجدت مكتــب محاماة يمثلهــا مجانًا، ثــم رافقتهــا كيندي إلى اســكتلندي­ارد حيث قدمت بلاغاً. وقامت الشــرطة بزيادة الأمن على شــقتها. وتشــعر أنها محظوظة لأنها حصلت على المســاعدة بسبب علاقتهــا، فعندما حاولت مواجهــة القضية وحدها لم تجــد إلا مركزاً لمتابعة قضايا الاغتصاب لا تمويل كبيراً لديه ومحام طلب منها مالاً أكثر مما تحصل عليه في عام. وتقول «لم أكن أريد أبداً فضح الشيخ نهيان.. ولكني أريده أن يفكر هو ومن حوله مرتين قبل إيذاء النساء.»

وبحلول أيلول/ ســبتمبر لم تســمع من النيابة العامة، ومع مرور الوقت شــعرت أن منظور العدالة يفلت من يدهــا، ولهذا قدمت مقابلة لـ»صنداي تايمز» التي أرســلت نسخة لمحامي نهيان وردوا أن الشيخ يشــعر بالدهشــة من هذه الاتهامات التي جاءت بعد ثمانية أشهر من المهرجــان، مع أن بيتر فلورنس أخبر الــوزارة عنها بعد يوم من نهاية المهرجــان. وتضيف أن الإعــام اهتم بقصتها خاصــة التابلويد التي نشرت قصصاً اتهمتها بالكذب والسذاجة وأنها ليست جميلة لكي تثير انتبــاه رجل يمكنه الحصول على امرأة وأنها حمقاء لكي تكون وحيدة في الشرق الأوسط. وفي 30 تشرين الاول/ أكتوبر وصلها قرار النيابة وأنها لن تواصل التحقيق بسبب عدم استيفاء البلاغ الشروط المطلوبة دولياً.

وتعتقد بعد عام من التواصل مع المحامين وضحايا العنف الجنســي أن الطريــق الوحيــد المتوفر أمامها هــو رفع قضية مدنيــة. وترى أن الصمت في حالات العنف الجنســي ليس خياراً، فالرجال الأقوياء هم حراس كل قطاع في المجتمع وعادة ما يسيئون مواقعهم ويستخدمون ثرواتهم لعمل ما يريدون للنساء والفتيات.

 ??  ?? الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان
الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom