Al-Quds Al-Arabi

الصوت النسائي الأكثر صخباً في مصر والعالم العربي

رحيل نوال السعداوي

- القاهرة ـ «القدس العربي» من محمد عبد الرحيم:

نــوال الســعداوي )27 أكتوبر/تشــرين الأول 1931 ـ 21 مــارس/ آذار 2021( الطبيبة والكاتبة والناشــطة النســوية والمحاضرة في عدة جامعات. ربما البيئة التي ولدت وعاشــت فيها طفولتها هي المؤثر الأول لما كانته في ما بعد، وما عُرفت بــه من صوت صاخب في المجتمع المصري والعربي، يحاول دوماً الانتصار للنساء ومشكلاتهن في مجتمع يوصف بأنه ذكوري، لكن فكرة السلطة السياسية نفسها، تجعل من هذا التسلط الذكوري بديــاً عن خيبات وقهر طال الجميع. بدايــة من عملية الختان التي تعرضت لها، ومحاولة تزويجها صغيرة، كما جاء في كتابها «الوجه العاري للمرأة العربية .»

رحلت الســعداوي عن تســعين عاما، أغلبها قضته في معارك لم ولن تنتهي، حتى بعد رحيلها. ربما لمواقفها الحادة وكلماتها الأكثر حدة، وربما لجهل مَن يحاججونهــ­ا، وفي الأخير لنيل الشــهرة، فالمرأة كانت تمتلك مؤيدين ومهللين في مصر وخارجها، وأصبحت من الشــخصيات الأكثر تأثيــراً في مصر والعالم العربي، حتى قيل إنها ترشــحت لجائزة نوبل. من ناحية أخرى جاءت تجربة الســجن لتضيف بريقــاً خاصاً للراحلة، وقــد حصلت على صك النضال، من خلال نظام مارس الغباء السياســي بامتياز، وبالطبع ســلّط الضوء أكثر على صاحبة التجربة، فاستبان لها الخيط الأبيض من الأسود.

لم تبخــل الراحلة في مؤلفاتهــا بالتنوع، فما بين المؤلفــات العلمية، والمقالات الفكرية، تأتي السيرة الذاتية، وفي الأخير الروايــة، وإن كان لا يمكــن أن نطلق على ما ســمته روايــة، أنه ينتمــي إلى فن الروايــة بإخلاص. فمن الممكن الحديث عن مؤلفاتهــا الأُخر، بغض النظر عن كونها روائية. لكن في جميع الأحوال.. يحسب للمرأة أنها دافعت عما اعتقدتــه صحيحاً حتى آخر حياتها، ولهــا بالفعــل آراء صادقة في العديد من المشــكلات الاجتماعيـ­ـة، خاصــة مواقفها من ظاهــرة الختان، وقوانين الأحوال الشــخصية، خاصة المســاواة في الميراث بين الجنسين.

وفي هذا التقرير الســريع بمناسبة رحيلها، يمكن استعراض بعض الأحداث المهمة في مسيرتها..

لكنها أنثى

تذكر الســعداوي في مذكراتها أنهــا عندما قصت شعرها، شعرت بحرية كبيرة، فالتفرقة داخل عائلتها بين الذكور والفتيات جعلتها تكــره تكوينها كأنثى، وأنها فقط مخلوق أدنى من الرجل، حتى أنها تحملت صفعات أمها المتكــررة لفعلتها هذه. وكرهت حصص التدبير المنزلي ـ الخاصة بالفتيات ـ واشــتركت في الأنشطة الرياضية والمســرح. وبما أن الطبيب ينال هيبة الجميع ـ في عصر السعداوي ـ قررت أن تلتحق بكلية الطب، لكن المرّة الأخرى التي شــعرت بقوتها، عند حضورها محاضرة التشــريح، حينما رأت جسد الرجل مســجى أمامها، لا حول له ولا قوة، وبإمكانها أن تعمل مشــرطها كما تشاء. من ناحية أخرى تزوجت الســعداوي ثلاث مرّات، وكانت في كل مرّة تفر من قصبــان مفروضة، حتى تشــعر بالحرية. ربما أوضحت أكثــر تجربتها الأولى، بخلاف الثانية والأخيــرة، التي كانت من الكاتب اليساري شريف حتاتة. وبمناســبة الزواج.. تتواتر كلمات السعداوي فــي حواراتها، فعن الزواج الأول تقول، «زوجي الأول كان عظيماً، زميلي فــي كلية الطب. كان رائعــاً، والد ابنتي. لم يرد والــدي مني أن أتزوجه لأنه غادر إلى الســويس لمحاربة البريطانيـ­ـن، لكن بعد ذلك تمت خيانة المقاتلــن، والكثير منهم تم حبســه. هذه الأزمة كســرته وأصبح مدمناً. وقلت إننــي لو تزوجته، قد يوقف إدمانه، لكنه لم يفعل. حاول قتلي، لذا تركته». وعن حتاتة تقول، «والد ابني، كان رجلا حراً جداً، ماركســيا تم سجنه. عشــت معه 43 عاماً، وأخبرت الجميع: هذا هو الرجل )النسوي( الوحيد على وجه الأرض، ثم بعد ذلك اضطررت للطلاق أيضاً. كان كاذباً. كان على علاقة بامرأة أخرى. تعقيد الشخصية ذات الطابع الأبوي. ألف كتباً عن المســاواة بين الجنســن ثم خان زوجته، أنا متأكدة أن %95 من الرجال هكذا .»

الهروب

يصف أحد القراء موقف السعداوي بأنه هروب من المواجهة والنضال من الخارج، فكان ردها.. كلمة «الهروب» لا تنطبق عليّ ولا أحبها، وهناك أناس يصطادون في المياة العكرة. فأنا مندمجة في المجتمع المصري حتى النخــاع، أكثر من الحكومــة المصرية ذاتها. فكتبي قرأتهــا أربعة أجيال

منذ نشــرها حتى الآن. عندما خرجت من مصــر كنت غاضبة من النخبة المصرية والعربيــة، التي باعت نفســها لرجال المال والســلطة، الذين يحكمون البلاد. ليــس غريبا أن تصمت تلك النخبــة عندما تم تقديمي للمحاكمة بتهمة التكفير.

الختان

أنــا ضد ختان الإناث والذكــور، أقول هذا من منطلــق كوني طبيبة، كما أقول أيضا بصوت عال إن كل المعلومــا­ت الطبية تقول إن قطع جزء من جســد الطفل فيه خطورة شــديدة. تاريخيا، فكــرة الختان جاءتنا عن طريق العبودية وليس لها علاقة بالإســام. إنه لمن المضر قطع جزء مهم من جســد المرأة، فدول مثل السعودية وسوريا والعراق وتونس، لا تعــرف فكرة ختان الإناث. لقد ذكر في التوراة أن بني إســرائيل وذرية إبراهيم ســتكون لهم الأرض الموعودة مقابل أن يختنوا الذكور. أؤكد أن الختان عادة ليس لها علاقة بالإسلام أو الطب، هل منطقي أن نقوم بقطع جزء من الطفل الذي خلقه الله سليما؟

الحجاب والحج

ما أعارضه هو أن يســتولي الزوج على مصاريف أســرته ومدخرات زوجته ويشــتري تذكرة للحج، ويقبّل الحجر الأســود. فالعمل عبادة وإطعــام الأطفال عبــادة، بل إن كل طقــوس الحج جــاءت قبل ظهور الأديان، وهذا هو جــزء من التاريخ. الحج ليس عبادة إســامية فقط،

فالإســام جاء ليمنع تقبيل الحجر الأســود. أما بالنسبة للحجاب، فأنا ضد اعتبار أن المرأة عورة، فالأخلاق في سلوك المرأة وعملها، وليس في تغطية شــعرها الذي يعد تزييفا للأخلاق. لا بــد أن ننظر للمرأة على أن لها عقل.

الدين والدولة

مــن الممكن فصل الدين عــن الدولة، وقد حدث ذلــك بالفعل في بلاد أخرى. أنحن شعوب أقل من الشعوب الأخرى التي قامت بذلك؟ طالما أن الدين دخل في السياسة، لن يكون هناك نقاش وسيكون القتل مصير من يختلف معك. فعلى الدولة أن تحكم بقوانين مدنية، فالدين حالة خاصة، وعلى كل شخص أن يعبد إلهه في بيته.

سبيل التغيير في مصر

لماذا نناضــل إذا كانت بلادنا تتمتع بالديمقراط­يــة؟ نريد أن نتحدى الديكتاتور­يــة، لا أن انتظر الديمقراطي­ة تهبط من الســماء، ولذلك قمت بترشيح نفســي في الانتخابات لمواجهة النظام الديكتاتور­ي في مصر، رغم أنني كنت أعي جيدا أن مشاركتي رمزية ولن يسمح بها.

أشــير هنا أن الحكومات العربية كلها ديكتاتورية، وكذلك الحكومات الغربية. الحل هو أن يبدأ كل شــخص بنفسه. لا بد أن تسأل نفسك «ماذا قدمت حتى تكــون هناك ديمقراطية حقيقية» بدلا من أن تجلس في بيتك

لتربيــة الأولاد. أتعجب لماذا لم يكن هناك رد فعل عندما تم اســتدعائي للنيابة.

المثقف

المثقف هو الإنســان الذي يحاول أن يفهم العالــم من حوله ويتحاور معــه ويربط بين المجالات المختلفة للمعرفة )الطــب والأديان والتاريخ(. أما الاختــاف في الرأي فأمر لابد منه، لكن هــذا الاختلاف لابد أن يكون بالفكر والعقل لا بالسيف والتكفير. وهنا تقع مشكلتنا في العالم العربي، إن من يختلف معنا نعتبره كافرا، يجب أن يعتقل أو يقتل. فلم نتعود على التعامل مع من يختلف معنا في الآراء.

الديمقراطي­ة

لا توجد ديمقراطية في مصــر، أو في أي من بلاد العالم حتى الولايات المتحــدة الأمريكية، التي درســت فيها لمــدة 13 عاما، حيــث تبنى فيها الديمقراطي­ة على المال والسلطة، بل إن السؤال يبقى: ما هي الديمقراطي­ة؟ إنها ليست الذهاب إلى صناديق الاقتراع، أو ممارسة حرية التعبير، إنما هــي العدالة الاجتماعية والاقتصادي­ة. لقد رأيت فقرا في بلجيكا يشــابه ذلك الموجود في مصر، ورأيت فقرا في أمريكا لا يقل عن مثيله في الهند.

سيرة مختصرة

تخرجــت نوال الســعداوي في كليــة الطب في جامعــة القاهــرة عــام 1955 وعملــت طبيبة، ثم تخصصت في الطب النفســي. وفي عام 1972 فقدت وظيفتها فــي وزارة الصحة بســبب كتابها «المرأة والجنس» الــذي هاجمــت فيه تشــويه الأعضاء الجنسية للمرأة/الختان. أُغلقت في عام 1973 مجلة «الصحة» التي أسستها قبل بسنوات. في عام 1975 نشــرت كتاب «امرأة عند نقطة الصفر» المستوحاة من قصة حقيقة لامرأة التقتها وكانت تواجه عقوبة الإعدام. ثم كتاب «الوجه العــاري للمرأة العربية» عام 1977، موثقة من خلاله جرائم اعتداء جنســي وجرائم شــرف ودعــارة، أثناء عملهــا كطبيبة في إحدى القرى، ما أثار حالة مــن الغضب. وفي 1981 طالتها حملة اعتقالات السادات، فكتبت مذكراتها في السجن ـ هناك العديد من المآخذ على هذه المذكرات، بأنهــا كانت تنفي مــا تدعيه من حريــة، عن طريق علاقتهــا بالســجينا­ت الآخريــات ـ بعدها خرجت لتواجه الأصوليين، حتى اســتقرت فــي الولايات المتحــدة، هرباً من مقاضاتهــا والتهديد بالقتل. وما بين الحجاب ومساحيق التجميل والملابس الكاشفة لجســد المرأة، وقفت الســعداوي بالمرصاد، فالمرأة ليســت عاراً، لكنها ليست ســلعة في الوقت نفسه. ترشــحت في الانتخابات الرئاســية عام 2004، ثم شــاركت في ثورة الخامس والعشــرين من يناير/ كانون الثانــي 2011. تصدرت صورتها غلاف مجلة «التايمز» الأمريكية ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً عام 2020.

أعمالها

أول أعمالهــا مجموعة قصصية بعنوان «تعلمــت الحب» 1957، وأول رواياتها «مذكرات طبيبة» 1958. ويعد كتاب «مذكرات في سجن النساء» 1986 من أشــهر أعمالها. ونذكر من هذه الأعمــال مثالاً لا حصراً.. «أوراق حياتي» «مذكرات في ســجن النســاء» «ســقوط الإمام» «موت الرجل الوحيد على الأرض» «المرأة والجنس» «امرأة عند نقطة الصفر» «كســر الحــدود» «الحاكم بأمر اللــه» «الأنثى هي الأصــل» «الرجل والجنس» «الحب في زمن النفط» «الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة» و»زينة».

الجوائز

حصلت الســعداوي على العديــد من الجوائز العربيــة والعالمية، منها.. جائزة الشــمال والجنوب من المجلس الأوروبي، جائزة ستيغ داغيرمــان من الســويد، جائزة إينانــا الدولية من بلجيــكا، جائزة رابطــة الأدب الافريقي، جائزة جبــران الأدبية، جائــزة من جمعية الصداقة العربية الفرنسية، جائزة من المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية، وجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام فى سويســرا، بالإضافة إلــى الدكتوراه الفخرية مــن قبل الكثير من الجامعات الأجنبية.

 ??  ?? نوال السعداوي
نوال السعداوي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom