لماذا أثار مسلسل «التاج» زوبعة من الانتقادات في بريطانيا؟
«التاج» مسلســل دراما وسيرة ذاتية، مــن إعداد وكتابــة بيتر مورغــان وإنتاج شــركة «ليفــت بانــك». يُتابع المسلســل قصــة الملكــة إليزابيث الثانية وســيرتها منــذ زواجها فــي عــام 1947، فضلا عن أفــراد آخريــن فــي العائلــة الملكيــة في بريطانيا. وقد اختار المنتج عنوان «التاج» ليكــون رمــزا للملكــة إليزابيــث الثانية. يســافر الموســم الرابــع بالمشــاهد إلــى بريطانيا في نهاية الســبعينيات، عندما اســتلمت مارغريت ثاتشر مقاليد الحكم، لتكــون أول امــرأة بريطانيــة وأوروبية تشغل منصب رئيسة وزراء. اصطدمــت مارغريــت ثاتشــر، التــي لُقّبــت بـ«المــرأة الحديديــة» بمشــاكل داخليــة وخارجيــة، وضعتهــا فــي بعــض الأوقــات، فــي خــاف مع الملكــة، علــى منــوال سياســة بريطانيا تجاه جنــوب افريقيا، التــي كانــت آنــذاك راضخة لقوانين الأبارتايد والسياسة العنصريــة. بعــد ذلــك يركز الموســم الرابع على حياة ديانا سبنسر، أميرة ويلز، حيث تصوّر لنــا حلقاتــه لقــاء ديانا والأميــر تشــارلز، وانتقالهــا إلــى قصــر باكنغهام بعد زواجهما، و تعلــق
سلسلة التاج كما لو أنهم أخذوا درساً في التاريخ .»
منتج العرض بيتر مورغان، ســارع إلى الــرد علــى هــذه الانتقــادات والضغوط، مدافعا عن حقه في حريــة الإبداع، مؤكدا أنــه تم إعداد المسلســل «بنــاءاً على كل ما قرأته وشهادات الأشخاص الذين تحدثت معهــم» ملحــا علــى أنَّ أحداثــه مقتبســة من الواقــع. الممثل الذي يلعــب دور الأمير تشــارلز في المسلســل، جــوش أوكونور بــدوره رد علــى انتقــادات وزيــر الثقافــة البريطانــي حيــث قــال لصحيفــة «لوس أنجلس تايمز» الأمريكيــة، «في رأيي ، إنه أمر مشــن للغاية أن يخرج )وزير الثقافة( ويقــول مــا قاله، لاســيما في هــذا الوقت عندمــا يعلــم أن الفــن يصــارع، ومــا زال متعثرا .»
هاري يقلب الموازين
فــي الوقــت الــذي كانــت «نتفليكس» تتعرض لانتقــادات وضغوطات متزايدة، عاد فجأة إلــى الواجهة دوق ساســكس، بعــد تخليــه هــو وزوجتــه ميغــان عــن مســؤولياتهما المرتبطــة بموقعهمــا فــي العائلة الملكية البريطانية، وابتعادهما عن الأنظــار، معبِّــرا عن موقفه من المسلســل. موقــف هاري تجــاه «التاج» جــاء مخالفا لموقــف عائلته الملكية. ففي فــي مقابلة مع جيمــس كــوردن فــي برنامــج The Late
Late Show علــى قنــاة )ســي بــي أس( الأمريكيــة، كشــف دوق ساســكس أنــه شــاهد السلســلة، ودافع عنهــا قائلا إنها «نافذة يرى من خلالها المشــاهد الضغوط التــي تقــع علــى كاهل الفــرد فــي العائلة الملكية البريطانية».
هــاري كان الوحيد من الأســرة الملكية الذي أخــذ موقفا مماثلا، وذهــب إلى حد التأكيــد على ارتبــاط المسلســل بالواقع. قــال مدافعا عن منتجي المسلســل، «هم لا يدعــون أنها أخبــار.. إنها خياليــة، لكنها تســتند بشــكل ما إلى الحقيقة». وأضاف «أشــعر براحــة أكبــر وإلى أبعــد الحدود وأنا أتابع سلســلة «التاج» مقارنة بقراءة القصــص المكتوبة عن عائلتــي أو زوجتي أو نفسي».
وهكــذا رغــم تواصــل الجــدل والضغوطــات فــي المملكــة المتحــدة وخارجهــا، تصــر شــبكة «نتفليكــس» على موقفها وتســتمر في عــرض أحداث السلسلة الدرامية الملكية على أساس أنها جــزء لا يتجزأ مــن الســيرة الذاتية لأفراد العائلة الملكيــة، وتصوير يعكــس الواقع. ومــع أن المنتجين لــم يحددوا بعــد موعدا لإصدار الموســم الخامس الذي تتطلع إليه الجماهيــر المتتبعــة، إلاَّ أنه يُرجــح أن يبدأ تصويره وإنتاجه في حدود شهر يونيو/ حزيــران المقبــل، ويتوقع أن تبــث حلقاته على منصة «نتفليكس» في وقت ما السنة المقبلة.
تتمســك إدارة «نتفليكــس» بموقفهــا مبررة قرارهــا بحقها في الحرية والإبداع، مؤكــدة أنــه تم إعــداد المسلســل، اعتمادا على حقائق تاريخية وشهادات أشخاص مقربين من العائلة الملكية. وتواصل العائلة الملكيــة البريطانية من جهتهــا دعوتها إلى اعتبــار السلســلة خياليــة، ولها مــا يبرر ذلك، فالسلســلة، من جهة، تتناول أحداثا شــخصية وتعــرض أســرارا وتفاصيــل خاصة حساســة مثيــرة للجدل، لاســيما علاقة الأميــرة ديانا والأمير تشــارلز. من جهــة أخرى، إذا أمعنــا النظر في تفاصيل أحداث المسلسل، وجدنا أخطاء هنا هناك تخص زمن الأحداث ومكانها، على منوال تاريخ قيام هارولد ويلسون بإقالة اللورد مونتباتن، فحسب «نتفليكس» تم ذلك في عام 1965، لكنّ ذلك خطأ، فالتاريخ يشــير إلى وقوع ذلك في عام 1967!
وبينما يســتمر التســاؤل عمــا إذا كان المسلســل حقيقيــا أم خياليا، لعــل أقرب جواب إلــى المنطق أنه عمل درامي يســبح بــن الواقع والخيــال، وهو ما أشــار إليه شقيق الأميرة الراحلة ديانا، إيرل تشارلز سبنســر، إذ قــال، «يمكنــك أن تربطــه بالحقيقــة، لكــن الأجــزاء بين ثنايــاه هنا وهناك لا ترتبط بالحقيقة».