Al-Quds Al-Arabi

الأخوان روسو يطلقان «تشيري»: الحكومة الأمريكية دربت جنودها ليكونوا قاتلين لا بشراً

- لوس أنجليس – «القدس العربي» من حسام عاصي:

عندما التقيــت بالأخوين جو وأنتوني روســو في مهرجــان البندقيةال­ســينمائي عــام 2019 حيث قدما العرض الأول لفيلمهما «موصل» الذي يتابع فرقة تدخل ســريع تواجه عناصر «داعش» خــال تحرير المدينة عام 2017، أكدا لي أن غايتهمــا كانت طرح آثار الحرب على العراق وشــعبه من منظور شــخصيات عراقية، لأن جميع الأفلام الآنفة قدمتها من منظور شــخصيات أمريكية.

هذا الأســبوع يطلق الأخوان جو وأنتوني روســو فيلماً جديداً على شــبكة «أبل تي فــي بلاس» بعنوان «تشــيري» يتطرقــان فيه إلــى عواقب تلــك الحرب الوخيمة علــى الجنود الأمريكيين الذيــن حاربوا فيها من منظور مراهــق أمريكي من مدينة كليفلاند في ولاية أوهايو يدعى تشــيري، يقع في حب طالبة في مدرسته الثانوية، وعندمــا تقرر أن تلتحــق بجامعة في كندا، يصاب بالإحباط ويشــعر بالفراغ، فيقرر الانضمام إلى الجيش. وبعد أن يقضي عدة أشــهر في معسكر تدريب في الولايات المتحدة، يرســل الى العراق، حيث يشارك في معــارك دموية ضاريــة مليئة بمشــاهد قتل ودمار مفجعة.وعندما يعــود إلى الولايــات المتحدة، يعاني من اضطراب مــا بعد الصدمة، فيخضع لعلاج نفســي في عيادات الجيــش لكن دون جدوى، ويوقف الطبيب صرف الأدوية المهدئة التي كان يقدمها له الجيش خلال المعارك في العراق، فيشــتريها من الســوق الســوداء ويدمنها، وحين ينفذ ماله، يقدم وحبيبته، التي شاركته الإدمان، على سرقة البنوك لتمويل إدمانهما.

«تحدثنا إلى كثير من الجنود الذين عادوا من الحرب وقالوا لنا إن الحكومــة دربتهم ليكونوا قاتلين، ولكنها لم تدربهم ليكونوا بشراً بعد عودتهم إلى الديار». يقول جو روســو، عندما التقيت به وأنتوني عبر زوم الشهر الماضي لمناقشة الفيلم. «أظن أن المشكلة تكمن هنا وهي أنك تذهــب لتخوض تجربة حياتية قاســية، ثم عليك أن تعود لتعيش في مجتمع طبيعي وكأنك لم تشــارك أبداً في تلك التجربة الحياتية القاســية، وليست هناك منهجية أو وصفة طبية لإصلاح ذلك. وبالتالي إذا عدت مدمراً وتعاني من صدمة نفسية فإنك لن تملك الكثير من الخيارات وكثير من هؤلاء الجنود يلجأون إلى مداواة أنفسهم بأنفســهم وهو ما يفاقم «أزمة الأفيون»هذا هو واقع البلد ».

الجنود يتعاطون الأفيون

وبــاء الأفيون أو ما يســمى بأزمة اســتخدام المواد الأفيونيــ­ة، وهي فئة من المســكنات والمنشــطا­ت مثل فيكودين وأوكســيكو­نتين وفنينانيل، بدأت تتفشــى منذ نهاية التســعينا­ت بين الأجيال الشــابة وتحديداً في الجامعات في الولايات المتحدة، حيث اســتخدمها الطــاب لتخفيف حــدة الضغط عليهم أو تنشــيطهم خلال فترة الامتحانات. وسرعان ما أدمن مئات الآلاف منهم عليها وصاروا يفرطون في اســتخدامه­ا ما أسفر عن موت عشــرات الآلاف منهم كل عــام، وتخطى عدد الوفيات في الأعوام الأخيرة السبعين ألفا.

«لدينا أزمة وجودية جماعية تمر بها الأجيال الشابة، حيث لا يقتصر الأمر على عجزهم عن تجاوز نجاح أهلهم بل هم غير قادرين حتى على محاكاته. إنهم يشــعرون أن هنــاك نقصاً في زخم التقدم فــي حياتهم وأعتقد أن كثيرين منهم يشــعرون أنهم محاصرون، وللأسف كما يوضح الفيلــم فإنهم يتجهون إلى المواد الأفيونية وهو ما يسبب هذه الأزمة،» يوضح جو.

تلك الأزمة تزامنت مــع حرب العراق وعودة الجنود الأمريكيــ­ن منها وهــم يعانون من أوجــاع الإصابات الجسدية ومشــاكل نفسية بســبب اضطرابات ما بعد الصدمة. وبمــا أنهم تعودوا على المــواد الأفيونية في العراق حيث كان يصفها لهم أطباء الجيش لتنشيطهم خلال المعارك وتهدئتهم بعد خوضها، يلجأون إليها في الولايات المتحدة بعد فشل العلاج النفسي الذي يقدمه لهم الجيش. وهكذا أدمن الآلاف منهم عليها وأســفرت عن موت العديد منهم.

من المفارقات أن ذلك أيضاً ما حدث للجنود الأمريكيين بعد عودتهم من حرب فيتنام، إذ لجأوا للهيروين، الذي كان اســتخدامه متفشــياً في الولايات المتحدة آنذاك، للهروب من واقعهم الاجتماعي وتخفيف حدة أوجاعهم الجسدية والنفسية.

لكن دافــع الأخوين روسو لصنع هذا الفيلم، المســتلهم من ســيرة حيــاة جنــدي أمريكي يمر بهــذه التجربة، لم يكن طــرح عواقب حرب العراق وحســب، بل كان دافعاً شخصياً نابعاً من آثار أزمة الأفيون على مسقط رأسهم أوهايو، التي تعتبــر بؤرة الأزمة في شــمال شــرق الولايات المتحــدة، فضلاً عن وقوع بعض أفراد عائلتهم ضحية لها.

«هناك أفراد من عائلتنا ما زالوا يعانون من إدمانهم وبالتالي إنه فيلم شــخصي وعاطفي للغاية بالنسبة لنا،» يؤكد جو. «لقد بذلنا أنفســنا في ســبيله وتجلى الكثير من تجاربنا في سياقه».

الإستعانة بالنجوم الكبار

«تشــيري» هو رابع فيلم من إنتاج شــركة الأخوين روسو، أغبو، التي أسســاها بعد انتهائهما من إخراج آخر أفلامهما مع شركة مارفيل، وهو «المنتقمون -نهاية اللعبــة» الذي يعتبــر أكثر الأفلام دخلاً فــي التاريخ.

ويقــوم ببطولــة أفلامهــم الجديــدة نجــوم أفــام أبطــال القــوى الخارقــة مثــل تشــادويك بوزمان، المعــروف بتجســيد دور الفهد الأســود، والذي قام ببطولة فيلميهما «جسور 21 » عام 2019 وكريس هيمسورث، المعروف بأداء دور ثور، الذي قام ببطولة فيلمهما «اكستراكشن» العام الماضي. ويؤدي دور تشــيري البريطاني توم هولاند، المعروف بأداء شــخصية ســبايدرما­ن منذ عام 2016، والذي شــارك في ثلاثة من أفلام الأخوين روسو وهي: «كابــن أمريكا الحــرب الأهلية» و»المنتقمــو­ن: نهاية اللعبة» «والمنتقمون:الحــرب اللانهائية». تلك الأفلام حصدت مــا يقارب خمســة مليارات دولار في شــباك التذاكر. ويقر الأخوان روســو أنهما يختاران هؤلاء النجوم مــن أجل جــذب جماهيــر مارفيل الضخمة لمشــاهدة أفلامها الشــخصية. «هذا أحد فوائد صنع أفلام ضخمة حيوية تجاريــاً، إذ يمكــن لجميع المشــاركي­ن في تلك الأفلام استخدام رأس مالهم العقلي الآن للحصول على محتــوى لا يتم الحصول عليه بطــرق تقليدية ومن ثم

يمكننا أن نجعل الناس يشاهدونه، وكلما زاد عدد الأشخاص الذي يشاهدونه أصبح الحوار أكثر عمقاً» يقول أنتوني. بدأ الأخوان روسو سيرتهما الســينمائ­ية عام 1997 بصنع فيلــم «قطــع» الــذي موّلاه بقــروض مــن عائلتهمــا وعرضــاه فــي مهرجــان سلامدانس، حيث شاهده المخــرج الهوليــوو­دي ســتيفين ســودوربرغ وعرض عليها إنتاج فيلمها المقبل وهــو الكوميدي «أهلا بكــم فــي كولينــوود» الذي شــارك جورج كلوني في إنتاجه وبطولتــه عــام 2002. وفــي عــام 2006أطلقا فيلمهما الكوميدي الثاني وهو «أنــت، أنا ودوبري» من بطولة أوين ويلســون. كما شــاركا في انتاج واخــراج العديد من المشــاريع التلفزيوني­ــة مثــل «تطــورات الاعتقــال» و«لاكس» و»كوميونيتي» و«كاربولــرز» الى أن انخرطا في عالم مارفيل عام 2014 وأخرجا أربعة من أكثر أفلامه نجاحا في شــباك التذاكر، ما مكنهما من إنتاج افلام شخصية بدلاً من صنع أفلام للاستوديوه­ات.

«أحد الأمور التي علمنا إياها ســتيفين ســودربرغ واحد لكم وواحد لهم» يعلق جو. «ما عناه هو أنك يجب أن تثبت للناس أن بإمكانك أن تدر عليهم الأرباح وأنك ناجح ماديــاً كصانع أفلام وبمجــرد تحقيق ذلك فإنك ستستفيد من العلامة التجارية، ويمكنك أن تحول تلك الاســتفاد­ة لصالحك أي في المشاريع الأكثر خصوصية التي تكلــف المال لكنها قد لا تدر نفس القدر من الأرباح. فبعــد أن صنعنا 4 مــن أفلام مارفيــل الضخمة بلهجة وأسلوب خاص بها، صرنا نسعى لنظهر قدرات جديدة كمخرجــن ورواة قصص ومصممــن وأن نكون أيضاً قادرين على سبر أغوار أجزاء مختلفة من أنفسنا ومن خبراتنا الإنسانية.

في نهاية المطاف، أفلام مارفيل تســتهدف شــريحة واسعة من الجمهور بمن فيهم الأطفال. وهناك مجموعة من الخبرات التــي تكون أكثر للبالغين وأكثر قســاوة والتي تحصل على معاملة أقل من تلك التي تتوجه إلى جمهور عريــض وهذا بالتأكيد ما نــدور حوله في هذا الفيلم. فهناك مواضيع أكثــر صعوبة ونضجاً وتعقيدا ســينتهى بنا الأمر إلى استكشــافه­ا بطريقة سينمائية وأنيقة للغاية.»

فعلا، تشــيري يحمل طابع أفلام الأخوين روســو التجارية الصاخبة من شــركة مارفيــل، ما أثار رد فعل ســلبي من النقاد، الذين انتقــدوا تركيز الأخوين على الأســلوب والجماليات بدلا من سبر نفسية شخصيات الفيلم، لأن ذلك يخلق حاجزا بدلاً من رابط عاطفي بين الشخصية والجمهور في عمل درامي مثل تشيري، لكن ربما يكون ذلك الطابع هو ما سيجذب جماهيرهم للفيلم ويعزز من قيمته الترفيهية.

 ??  ?? لقطة من الفيلم
لقطة من الفيلم
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom