Al-Quds Al-Arabi

سوريا: رسائل روسية نارية للضغط على تركيا شمالاً... وأنقرة ترد شرقاً

- دمشق «القدس العربي» من هبة محمد:

تتســع هوة الخلافات بين روســيا وتركيا تجــاه الملفات المتشــابك­ة بين الطرفــن، الأمر الذي حــدا بالأخيرة إلــى اســتهداف مناطق تقع ضمن نطاق نفوذ وإدارة الجانب التركي، حيث شمل الاستهداف منشآت مدنية وطبية واقتصادية عبر الاســتخدا­م الكثيف للطيران الحربــي والقذائــف المدفعيــة والصاروخية، كرســائل أرادتها للضغط على تركيا لتتوقف عــن تحريــك ملف شــرق الفــرات مــن جهة، ولتنفذ مطالب روســيا في فتح طريق أم 4 من جهة أخرى.

لجــوء موســكو إلــى اســتهداف المناطــق الواقعة تحت نفــوذ أنقرة، حدا بصانع القرار التركــي إلــى الإشــارة لأول مــرة مــن خلال وزارة الدفــاع التركيــة عبر سلســلة تغريدات إلــى أن الصواريــخ أُطلقت من مطار يســيطر عليه النظام الســوري، وشــددت الــوزارة في بيــان لها على اســتمراري­ة العمــل على حماية السوريين تأكيداً على عدم سماحها بأي عمل عسكري من شأنه قضم مساحات جديدة من المناطق التي تعتبر تحــت نفوذها. والتصعيد رغم كثافته، ســيبقى وفــق مراقبين ومحللين لـ«القدس العربي» منضبطــاً في إطار توجيه الرســائل والــردود ومحاولة تثبيــت النفوذ والمطالــب على النحــو الذي يذعن لــه الطرف الآخر. وللحديث عن دلالات الحدث وأســباب التصعيــد ومآلاتــه، يقول الخبير السياســي مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني إن التصعيــد جــاء بعــد يوم واحد مــن توفير تركيا تغطيــة نارية أرضية وجويــة )التغطية الجويــة غيــر مســبوقة( لفصائــل المعارضة الســورية خلال هجــوم وقائــي نفّذتــه على قريتي صيدا والمعلق قرب عين عيســى شمال الرقــة، بعدمــا قامــت روســيا فــي 19 آذار/ مــارس، بمحاولة إدخال المدنيــن إلى كل من القريتين.

وفــي رأيــه فــإنّ محاولــة روســيا إدخال المدنيين إلى منطقة التماس شمال عين عيسى تمّت دون تنســيق مــع تركيــا، والتي ترفض بشكل مطلق هذه الخطوة، لما تُشكّله من خطر على إحــدى القواعــد التابعة لهــا بالقرب من قرية صيدا.

وأبــدى المتحــدث اعتقــاده أنّ الهجــوم الوقائي الذي نفّذته فصائل المعارضة تمَّ دون تنسيق بين تركيا وروسيا )على خلاف جميع عمليات السطع الناري السابقة( والذي يبدو كمحاولــة مــن تركيــا للتعبيــر عن الاســتياء نتيجة عدم اتخاذ روســيا إجراءات مناســبة

بعد القصف الذي تعرّضــت له مدينة كيليس فــي 18 آذار/ مــارس مــن منطقة تــل رفعت، والــذي تم توجيــه الاتهام فيه لقــوات النظام الســوري، فيما يُظهر وجود تنسيق عملياتي مع قوات سوريا الديمقراطي­ة لتنفيذ الهجوم.

وأضاف: قد تكون روســيا غير راضية عن الآليــة التي يتم فيها تطبيــق مذكّرات التفاهم فــي ســوريا مــع تركيــا، حيــث تركيــا تُولي اهتماماً أكبر لتســوية ملف عين عيســى على ملف إدلب، والذي من شــأنه أن يُتيح الفرصة أمــام مناطــق المعارضة الســورية لتحســن ظروف الاســتقرا­ر على المستوى الاقتصادي والخدمي، فــي الوقت الذي يــزداد فيه عجز النظام الســوري على المســتوى الحكومي بما يُهدّد الاستقرار.

القصــف الروســي العنيــف، رده المتحدث لـ«القــدس العربــي» إلى «تعبير موســكو عن الاســتياء مــن عــدم التــزام تركيــا بالقنوات الدبلوماسي­ة لتســوية الخلافات» وأضاف، لكن في الوقت نفســه فإنّه من غير المرجح أن تتجه روسيا إلى تصعيد عمليات الاستهداف لمنطقــة خفــض التصعيــد بمــا يُنهــي مذكّرة موســكو حول إدلــب، لأنَّ مثل هــذا التصعيد لا يُحقــق المصلحــة الروســية الرامية لإنجاح المســارات الموازيــة، وآخرهــا إطــاق المنصة الثلاثيــة في الدوحة والتي تُركّز على الجانب الإنساني، بما يُمكن أن يُقلل من حجم المعاناة في مناطق سيطرة النظام السوري. وتعرضت يــوم الأحــد منطقة خفــض التصعيد شــمال غربي ســوريا لقصف عنيف غير مسبوق منذ الحملة العسكرية على المنطقة مطلع عام 2020 قبل توقيع «مذكرة موســكو» عبر الاستخدام الكثيــف للطيران الحربــي والقذائف المدفعية والصاروخية.

دلالات التصعيد

الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي تحدث عن دلالات التصعيد، واعتبرها مؤشراً علــى تصاعــد التوتر بــن الــروس والأتراك خاصــة في موضــوع تثبيت وقـــف إطـــاق النار.

وقال إن التأكيد على أن التصعيد في إدلب يرتبط بشــكل مباشر بتطورات شرق الفرات، والجهود التي تبذلهــا الولايات المتحدة لخلق توازن في الملف السوري شبيه بالتوازن الذي جرى في ليبيا والذي أفضى للحل فيها

وحــول أســباب التصعيد قــال عرابي إنه يهدف إلــى التهــرب مــن التفاهمــا­ت المبرمة حول مناطق قســد والمتعلقــ­ة بإخراج «قوات ســوريا الديمقراطي­ة» من منطقة عين عيســى والمناطق الحدودية مع تركيا، وهو الأمر الذي دفــع الجيــش الوطنــي الســوري المدعوم من تركيا بالاشــتبا­ك مع قوات قسد خلال الأيام الأخيــرة الماضيــة، كمــا أن العمليــة الأخيرة نفسها جاءت بعد اســتهداف قسد للأراضي التركية والــرد التركي على ذلك الاســتهدا­ف كان بمثابة رســالة لروســيا بانها ســتواجه ما تبقى من ملف قســد بنفســها فــي حال لم تنفذ روســيا تعهداتها وهذا يفســر الانزعاج الروســي من الغارات التي شــنتها الطائرات التركية ضد قوات «قسد» رداً على استهداف أراضي ولاية كليس.

وفــي رأي المتحــدث، فإنــه مــن المرجح أن تتصاعــد الخلافــات التركيــة - الروســية في ظــل مراوغة الــروس أمام مطالــب تركيا وانســداد أفــق الحــل فــي إدلب ممــا يرجح احتمــال ارتفــاع العنــف فــي الأيــام المقبلة، مضيفاً «إلا أنه ســيبقى منضبطاً بين الطرفين في إطار توجيه الرســائل والردود ومحاولة تثبيت النفوذ والمطالب على النحو الذي يذعن له الطرف الآخر». بمعنى أن القصف الأخير لا يستهدف اتفاق موسكو الأخير بعينه بقدر ما هو ضغط على تركيا لتتوقف عن تحريك ملف شــرق الفرات من جهة، ولتنفذ مطالب روسيا في فتح طريق أم 4 من جهة أخرى.

وبالرغــم مــن خضوع الشــمال الســوري لاتفــاق وقــف إطــاق النار منــذ عــام، إلا أن النظامــن الســوري والروســي يواصــان القصــف واســتهداف المدنيــن، حيــث شــن الطرفــان منــذ آذار الماضــي أكثر مــن 1,250 هجوماً مــن بينها نحو 90 بالغــارات الجوية، وأدت تلــك الهجمات لمقتل أكثر من 160 بينهم 13 طفــاً و13 امرأة، وفقًا لإحصائيات الدفاع المدني السوري.

الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحــاث الــرأي العــام رشــيد حورانــي قرأ الحدث على أن موســكو تكابد مأزقاً عسكرياً في منطقة شمال غرب سوريا.

وقــال المتحــدث لـ«القدس العربــي»: أدى فشل جولة لافروف وزير الخارجية الروسي السياســية فــي دول الخليج العربــي، وعدم قدرتــه على إقنــاع الأطراف التــي اجتمع بها بالحــل السياســي وفــق الرؤيــة الروســية، والتي تبلورت في الاجتماع الثلاثي )القطري - التركي - الروســي( بالإضافة إلى اختبار وجس قدرة الميليشيات على التقدم التي منيت بالفشــل من خلال إفشال الفصائل المعارضة لــكل محاولاتهــ­ا فــي التســلل، والضغــط الاقتصــاد­ي الذي يعانيه النظــام وعدم قدرة روســيا علــى تقــديم أي دعم له، وعــدم رضا الجانــب الإيراني على اســتبعاده عن اجتماع الدوحــة، بالإضافــة إلــى محاولــة صــرف الأنظــار عن عدم القدرة علــى تحقيق أي تقدم ضد داعش فــي الباديــة، لكل تلك الأســباب التقــت مصالــح )النظــام وروســيا وإيران( على التصعيد كأســلوب للضغــط على تركيا مــن جانب وخاصــة فيما يتعلق باســتهداف حراقــات النفط التي يقع على عاتقها تعويض النقــص، وما له مــن آثار اقتصاديــة تنعكس على كافة مجــالات الحياة، وعلى المدنيين في تلك المناطق.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom