Al-Quds Al-Arabi

الأردن من البحر الميت إلى مستشفى السلط: الترهل الإداري بدأ «يفتك» بالناس... ملفات عدة «معلقة» وتذخير «الحراك»

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

لا أحد لا سياســياً ولا وطنياً يملك الحق في التشــكيك بدوافع ونوايا من يقــررون التحرك فــي الشــارع تحــت وطأة تســاؤلات الفســاد المعلقة أو بســبب مؤشــرات الفســاد الإداري التــي بــدأت «تفتــك» بالأردنيــ­ن وتوقفت عن استهدافهم وهضم حقوقهم في اتجاه «تهديد حياتهــم» كمــا حصل فــي حادثة مستشــفى الســلط وقبلهــا في حادثتــي صوامــع القمح والبحر الميت.

ينتهــي التحقيــق «الرســمي» عــادة وكما يحصل مع مقــولات وملفات الفســاد، بالمزيد من الأســئلة بدلاً من الأجوبة. ولا تشبع رغبات الــرأي العام لا بمعرفة حقيقــة ما حصل ولماذا وكيــف ومــا هــي الضمانــات كــي لا يحصل مســتقبلاً، ولا حتــى برصــد «المســؤولي­ة» وترسيم المسؤولين عن «أخطاء» ليست بسيطة ويبدو أنها اليوم تصبح «قاتلة وخطيرة».

ردة فعل «تخديرية»

عمليــاً، فــي حــوادث «أوجعــت» الأردنيين وتســببت بالألم والقلق لهــم لا إفصاحات من الحكومــات المتعاقبــ­ة ولا تحقيقــات شــفافة ولا نتائــج عمليــة تقاضــي، وكل ردة الفعــل البيروقراط­يــة كانــت «تخديريــة تمامــاً» على شكل تعهدات للاستهلاك الإعلامي أو تشكيل لجان للتحقق لا أحد يعرف إلى ماذا تنتهي.

تلــك الوصفات البائســة فــي إدارة ملفات الأخطــاء الجســيمة التــي يواحههــا المواطــن الأردنــي أقــرب درب نحــو تفعيــل و»تذخيــر الحراك» الشــعبي بــكل أصنافــه. وفي الوقت الذي يمكن فيه توجيه اللوم للجمهور الغاضب والمحتقن بين الحــن والآخر تحت عناوين مثل توقيــت الاعتراض ووبائيــة الحالة والمخاوف الصحيــة، فمــن غيــر المنطقــي ولا المعقــول أن تنشــغل الحكومــات بــكل شــيء باســتثناء مناقشــة الأســباب التــي تدفع الأردنــي - أي أردني- أصلاً للخروج للشــارع، خصوصاً في ظل وضع معيشي مقلق واقتصادي ضاغط.

الذاكرة الشــعبية لا تخذل الشارع الأردني، والحكومــة مطالبة فعــاً بالإجابــا­ت على كل الأســئلة العالقــة، خصوصاً أن عمليــة متابعة الأخطــاء عندما تحصل زاحفة وبطيئة وتنتهي بتبديل رؤوس وزارية فقط لا حول لها ولا قوة تحت بند «المسؤولية الأدبية.»

الأردنيــو­ن عمومــاً لا يريــدون التركيز على المســؤولي­ات الأدبيــة، بــل يرغبــون أولاً بعدم تكــرار الأخطــاء، خصوصــاً تلــك التــي تنتج عــن الترهل وتجــازف بحيــاة النــاس، وثانياً بتحقيقات مفصلــة وعميقة تأخذ حقاً وتعطيه وبصيغة مقنعة لا دعائية.

في حادثة الصوامع، حصل شيء مماثل... كذلــك فــي فاجعة البحــر الميــت، والآن حادثة السلط المؤلمة، ولا ضمانات بأن لا تحصل جراء الترهل المزيد من الأخطاء لاحقاً.

حتى عندمــا تحدث المركــز الوطني لحقوق الإنســان مؤخــراً عــن «أخطــاء وتدخــات جســيمة» حصلت في الانتخابات الأخيرة، لم يعرف الناخب المواطن كيف ســتعالج السلطة هــذه الأخطــاء، ومن ســيتحمل مســؤوليته­ا، وكيف نضمــن نزاهة ومصداقيــة الانتخابات مستقبلاً.

لم تعقد، على حد علم الشــارع، ولو جلســة تقييم واحدة تستعرض أخطاء الانتخابات.

وفي عهــد حكومــة الرئيــس الدكتــور عمر الــرزاز، تحــدث لســان الحكومــة نفســه عــن عناصر من الأمن الأردني يمنعون المتظاهرين من دخول مستشفى السلط الأسبوع الماضي «أخطاء فيروســية» حصلت علــى الحدود مع الســعودية وســوريا تســلل عبرها الفيروس للمجتمــع الأردنــي فــي وقت إغــاق، لكن تلك الأخطــاء -وفــي رأي القطب البرلمانــ­ي خليل عطيــة- كان حريــاً أن تتابع، حيث لم يســمع الشارع بعد أن تحقيقاً جرى بتلك الأخطاء.

يبــدو واضحــاً أن الملــك عبــد اللــه الثانــي شــخصياً ضجر من تكرار الأخطــاء وهو يرفع شعار «خلص بيكفي.»

لكــن اللافت في المســألة أن مرحلــة ما بعد الإقــرار بالأخطــاء هي التــي يعتريهــا النقص الشــديد، حسب الخبير والوزير الدكتور محمد حلايقــة، الــذي يقدر وهــو يتحــدث لـ«القدس العربــي» بــأن مرحلــة التعافي وضمــان إزالة أسباب الأخطاء هي الأهم من الاعتراف العلني بها.

كيف نتعافــى من الأخطاء؟ ســؤال يطرحه اليــوم الجميــع فــي عمان علــى الجميــع، لكن الإجابــات معلقة تمامــاً بذهنيــة وعقلية أمنية ضيقــة فــي إدارة الاشــتباك مع التســاؤلا­ت، دون حرص أكيد على المتابعة وبرفقة شــكوى وتضجــر فقط من الحــراك الشــعبي وتوجيه اللوم لــه حصرياً ودوماً والإشــارة بين الحين والآخــر إلــى «تأثــر محتمــل» فــي أوســاط الحراكيــن بأجنــدات منحرفــة لمعارضين في الخارج.

لا يمكن القول إطلاقاً في الحالة السياســية والشــعبية الأردنيــة بــأن أســباب ومبــررات «الحــراك الشــعبي» لــم تعــد قائمــة، فمظاهر الحراك عادت بعد حادثة السلط، وهي تحتفظ بــكل الأســئلة المعلقــة القديمة التــي أصحبت ملازمة خوفاً وقلقاً لكل مساحات المجتمع.

أخطاء شعبوية

ورغــم أن بعض الحــراك تأزيمــي ولا يلائم الوقت، فــا بد من التوقف عــن إدانة الضحية أو الاستفسار منها بدلاً من اتهامها واستعمال القبضة الأمنية الخشنة فقط التي ثبت إخفاقها من دون «محتوى ومضمون سياسي ووطني» كما يؤكد على هامش نقاش لـ«القدس العربي» نقيب المهندســن أحمد ســمارة الزعبي، داعياً إلى وحدة وتوحيــد الأردنيين في ظرف مغرق بالحساسية.

صحيــح أن الوجــود فــي الشــارع بصوت مرتفــع خلال وقت وباء وفيروس قد يكون من بين الأخطاء الشــعبوية المهمــة، لكن الصحيح أيضــاً أن مقاربــة الحكومــة يبنغــي أن تبحث فــي أســباب الحــراك القديمة والجديــدة، ولا يمكنها فقط الاسترســا­ل باتهام الحراكيين أو اعتقالهم دون الغــرق في تفاصيل نهج الإدارة المتقلــب المزاجــي الذي لــم يعد يفهمــه أصغر أردني.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom