Al-Quds Al-Arabi

«إندبندنت»: حملات التضليل الروسية في سوريا أعادت تشكيل الرأي العام بإشعال حركات اليمين المتطرف

- لندن - «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

هل هناك إمكانية لرسم خط بين الهجمات الكيميائية في سوريا والرعاع الذين هاجموا مبنى الكابيتول هيل في واشنطن؟ نعم، كما يقول الكاتب في صحيفة «إندبندنت» بورزو دارغاهي، حيث يرى أن الجامع بينهما «الأخبار المزيفة» وحملات التضليل الإعلامي.

فقبل عشــرة أعوام خــرج المتظاهرون الســوريون إلى الشــوارع في تجمعات ســلمية مطالبة بالإصلاح والمعاملة الإنســاني­ة من نظام بشــار الأسد. لكنهم دفعوا ثمناً لا يمكن تخيله، وتم تدمير بلدهم ومحو مجتمعاتهم العزيزة عليهم وفقدوا أحبابهم وبأعداد كبيرة، حوالي 594.000 بمن فيهم الأطفال. وتم تشريد نصف السكان منهم ستة ملايين نزحوا إلى الخارج.

لكن العالم أيضاً دفع ثمن الحرب الأهلية الســورية لأنه تركها تتكشف أمام ناظريه. فآلة الأكاذيب التي غذت النزاع والورقة البيضاء التي أعطيت لرعاة الأســد الأجانب ومن ساعدوه في الغرب أعادت تشكيل العالم. وفي الحقيقة يمكن للواحد أن يربط بين الغارات الكيميائية التي ضربت الغوطة الشــرقية قرب دمشــق في 2013 والأعداد من الأمريكيين الفاشــيين الذين اقتحموا الكونغرس في 6 كانون الثاني/يناير.

ولا يزال الســوريون يحنون للتغيير الديمقراطي الذي دفع بالانتفاضة ضد الأســد. وفي الأســبوع الماضي قام عدد من أبناء درعا، جنوب سوريا بتنظيم تظاهرة سلمية ضد النظام ورفعوا الشعارات المعادية للنظام. وفي مدينة درعا عام 2011 قامت مجموعة من الأطفال بخربشة شعارات معادية للأســد حيث تم اختطافهم وتعذيبهم، وحتى طلب من عائلاتهم نســيانهم والتفكير بإنجاب غيرهم، لكن المعاملة الوحشــية كانت وراء الاحتجاجات في درعا والتي انتشرت في معظم أنحاء البلاد.

وكان المتظاهرون من كل طبقات المجتمع، الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة والمتعلمين والطبقة العاملة، المســلمين والمسيحيين وأبناء الطائفة العلوية - وكلهم طالبوا النظام وبطريقة ســلمية بالإصلاح، لكن النظام رد بعنف وفتح النيران على المتظاهرين واعتقلهــم وعذبهم وظهرت صور التعذيب والأجســاد المنهكة من الجوع لاحقــًا وتداولتها منظمات حقوق الإنســان التي قامت بتوثيق أبشــع جرائــم ارتكبت ضد الإنســاني­ة. وعلى خلاف الثورات في تونــس ومصر والبحرين لم يتهم الغرب بالثورة الســورية، بــل نظر إليها دعاة المقاومــة في الغرب للإمبريالي­ــة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية نظرة لامبالاة. وتحول هؤلاء إلى حلفاء راضين وقبلوا أكاذيب الأسد حول طبيعة الثورة وردة فعل أجهزته الأمنية. وانضم إليهم في جهودهم حزب الله وإيران اللذان كانا يريدان نظام الأسد كمعبر للأسلحة إلى منطقة المشرق وتقوية موقفهما.

وحملــت المعارضة الســاح فــي النهايــة وانضم إليهــم جهاديون أطلق بعضهم الأســد من ســجونه. ومن هنا أعطى الغموض حول الخطأ والصواب في ســوريا الأسد حســاً بأنه فوق المحاســبة. وزاد من عنفه واســتهدف المستشــفي­ات والعمارات الســكنية والمدارس وأطلق حمم النيــران والبراميل المتفجرة. واجتاز الأســد خط بــاراك أوباما الأحمر في آب/أغســطس 2013 بشــأن اســتخدام الســاح الكيميائي ولم تتم معاقبته. وكانت بريطانيا وأمريكا تخططان للتدخل لكن روســيا راعية الأســد اســتطاعت تأمين مخرج له. وتم إغراق العالم فــي حرب تضليل حول أصول الحرب الســورية لمدة عامين، وتم قبــول الرواية هذه برضا. ووجدت روسيا باباً مفتوحاً ودفعته وقامت بحملة تضليل فاعلة سمحت للنظــام وحلفائه بتجاهل قواعد الحرب وأعطت طائرات الميغ الروســية والميليشــ­يات الشيعية الفرصة لســحق المعارضة. لكن الحرب السورية واحتواءها كانت نذيراً لمرحلة ما بعد الحقيقة التي جاءت لاحقاً.

وفــي 2014 وبعد عام على الهجمــات الكيميائية التي قتــل فيها 1.729 شخصاً اســتخدم الكرملين التوليفة نفســها من العنف وحملات التضليل علــى منصات التواصل لغــزو وتقطيع أوصال أوكرانيــا وضم قطع قطعة كبيرة منها. وتم اســتخدام الحيلة نفسها، حيث أدى تدخل اليمين المتطرف المســتلهم من روسيا وســذاجة اليســار إلى إجبار بريطانيا التي صوتت وبهامش ضيق لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016. واستخدمت روســيا وجماعات اليمين المتطرف هروب الســوريين من الغارات الجوية وفرق الموت والهجمات الروســية نحو أوروبا وتصويــر اللاجئين الذين جرحتهم وهجّرتهم الحرب بأنهم مثل مصاصــي الدم الذين يتدفقون على القارة. وأدت الحملة الدعائية التي نشرها الكرملين وقبلها اليمين المتطرف حول العالم إلى زيادة المشاعر المعادية للمهاجرين والمسلمين.

ولــم يتوقــف أثــر الدومينو عند هــذا الحد، فقد شــجع الســم الذي خمرتــه جماعات اليمــن المتطرف التي دعمتها روســيا ومــا تطلق على نفســها الجماعات اليســارية الناخب الأمريكي على البقاء في البيوت أو التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستين مما سمح لدونالد ترامب الفوز بالانتخابا­ت.

ولم تتردد روسيا ومن معها من الداعمين عن المحاولة، فقد قالت مديرية الأمن القومي الأمريكية إن موســكو حاولت التدخل في انتخابات 2020. وفي الحقيقة لو تتبعت ناشــري التضليل الإعلامي فستجد أن الأصوات التي زعمت أن الأســد لم يســتخدم الســاح الكيميائي هي نفسها التي عبرت عن هوسها برسائل هيلاري كلينتون الإلكتروني­ة وكمبيوتر هانتر بايــدن. ومع فوز بايدن فــي 2020 فقد أصبح عالم ما بعــد الحقيقة الذي شــكلته روسيا قائماً بذاته، مما سمح للعصاة المهوسين الذين اعتقدوا أن بايدن سرق أكثر انتخابات شفافية في العالم وأن ترامب هو بطل يخوض معركة ضد حلقة من أكلة لحوم الأطفــال الذين يحبون انتهاكهم للهجوم على الكونغرس.

ومع أنه لا يوجد دليل عن ســرقة بايدن الانتخابــ­ات أو أن حركة «كيو أنون» ونظرية المؤامرة الحمقاء التي تنشــر عــن عالم تديره مجموعة من منتهكي الأطفال وأنها نتاج لحملة تضليل دعمتها روســيا وسمحت للأسد بالإفلات من العقاب وفوز ترامب بنســبة ضئيلة. لكن ليس هناك شــك أن المجانين الذين اقتحمــوا الكابيتول هيل بداية العام الماضي تشــكلوا عبر حملات التضليل نفسها التي تجذرت في الحرب السورية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom