Al-Quds Al-Arabi

تركيا: هبوط حاد للّيرة ووقف التعامل في البورصة مرتين بعد تراجع الأسهم في أعقاب تغيير مفاجئ لقيادة البنك المركزي

- أنقرة - «القدس العربي»:

تعرضــت الليــرة التركية أمــس الإثنين إلى انهيــار تاريخي جديد بعدما فقــدت قرابة 15٪ من قيمتها أمــام الدولار الأمريكــي دفعة واحدة، في حــن اضطرت بورصة إســطنبول إلى تعليق التــداول مرتين كإجراء اســتثنائي فــي محاولة لوقف التدهور الكبير الذي ضرب الأســواق فيما أطلق عليه صحافيون ومغردون أتراك بـ»الإثنين الأسود .»

ومع بدايــة التــداول عقب افتتاح الأســواق الآســيوية فجر الإثنين بتوقيت تركيا، ســجلت الليــرة التركية تراجعاً هائــاً بأكثر من 14.8٪ مقابل الدولار، حيث وصــل إلى 8.47 ليرة بعد أن أغلقت الأسواق يوم الجمعة على سعر صرف 7.22 ليرة مقابل الدولار، قبل أن ترتفع الليرة قليلاً إلى تحت 8 ليرات مقابل الدولار.

إلى جانب ذلك، عمت البلبلة فعلها في بورصة اســطنبول فتوقف التداول مرتين خلال جلســة قبل الظهر جراء هبوط المؤشــر الرئيســي بأكثر من 6 عملا بآلية تقضي بتعليق التداول تلقائيا في حال حدوث تقلبات حادة في أســعار الأسهم، وهو ما خلف حالة من الإرباك في الأسواق ولدى المواطنين بشكل عام.

ويعتبر الســبب الأول والمباشــر للانتكاســ­ة التي تعرضت لها العملة والأســهم التركيتين هو إقالة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان رئيس البنك المركزي ناجي أغبال بشكل مفاجئ في ساعة متأخرة من ليل الجمعة/الســبت، وذلك في تطور هز الأوساط الاقتصادية داخل وخارج تركيا.

وأغبال هو وزير مالية سابق ويحظى باحترام وتقدير واسع في الأوساط الاقتصادية في الداخل والخارج. وأدى تعيينه نهايــة العام الماضي إلى إعطاء دفعة وأمل بتحسن في الإدارة الاقتصادية للبلاد، لا ســيما وأن تغييره جــاء مرافقاً لتغيير وزير الخزانة والمالية أيضاً.

غيــر أن الإقالة المفاجئة له بعــد أقل من أربعة شهور على توليه المنصب واتباعه سياسات لاقت ترحيباً في الأوســاط الاقتصادية مثّل انتكاســة كبيــرة وأعطــى حزمة كبيــرة مــن الانطباعات والتخوفات الاقتصادية.

وجاءت إقالة أغبال بعد يــوم واحد من اتخاذ

لجنة السياســات المالية في البنك المركزي التركي قراراً برفع نسبة الفائدة من 17٪ إلى 19٪ وهو ما أعاد إلى الواجهة بقوة الجدل المتعلق بأســعار الفائدة في تركيا، حيث سعى أغبال خلال الأشهر القليلــة التي تولى فيها رئاســة البنك المركزي أن يعطي تطمينات مختلفة بأن البنك يتبع سياسات نقدية حازمة وباســتقلا­لية، وأنه لــن يعود إلى خفــض أســعار الفائدة علــى المــدى القصير أو المتوسط.

إلا أن الإقالة التي ربطت برفعه أسعار الفائدة أعطت مؤشرات سلبية جداً للمتخوفين من العودة السريعة لخفض أسعار الفائدة.

إلا أن الانطباع الســلبي الأكبر الذي عززه هذا القرار هو عدم الاســتقرا­ر في الإدارة الاقتصادية والسياســي­ة للبلاد، حيث يعتبر الرئيس الجديد للبنك المركزي هو الرابع على التوالي في السنوات القليلة الأخيرة، وذلك منذ منح النظام الرئاســي الجديد في تركيا الرئيــس صلاحية إقالة رئيس البنــك المركزي الــذي كان ســابقاً يواصل مهامه بشــكل مســتقل على مدار فترة كاملة من خمس سنوات.

وما زاد من الآثار الســلبية للخطوة الأخيرة، أن الرئيس الجديــد للبنك المركــزي أكاديمي في الأســاس، وليس لديه ســجل قوي في الأسواق الداخليــة والخارجيــ­ة، ولــم يتــول مناصــب اقتصادية هامة في السابق.

كما أن لديه تصريحات ومقالات ســابقة صرح فيها بأنه يعارض رفع أسعار الفائدة بشكل مطلق، ويعتبــر -مثله مثل اردوغــان- أن التضخم هو نتيجة رفع أســعار الفائدة، وأن خفض التضخم يمر عبر خفض أسعار الفائدة.

وفي ظــل ظــروف اقتصادية صعبــة تمر بها البلاد، لأســباب مختلفة أبرزها الآثار الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، يعتبر ارتفاع نســبة التضخم من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد في الأشهر الأخيرة، وذلك بعدما وصل التضخم الشهر الماضي 15.6٪ على أساس سنوي.

ومنــذ عقود طويلــة، مــا زال ســعر الفائدة المتغير الموضــوع الأكثر جدلاً في تركيا سياســياً واقتصادياً، لا ســيما في العقديــن الأخيرين من حكم اردوغــان الذي يصر على ضــرورة خفض زبائن يتابعون أسعار صرف الليرة في محل صرافة في إسطنبول أمس

أسعار الفائدة، ويصف نفســه بـ»عدو الفائدة» لكنه ما يلبث أن يواجه صعوبات اقتصادية تدفعه مجبراً على القبول مجدداً برفع أسعار الفائدة.

وعلــى امتداد رئاســته مــا أن ترتفع أســعار الفائدة حتى يتــم خفضها بناء علــى رغبته، ثم لا تلبــث أن تنخفض حتــى يُجبر صنــاع القرار الاقتصادي والسياســي على رفعها لمواجهة الآثار الصعبة لها علــى الاقتصاد، وهو مــا خلق حالة من عدم الاســتقرا­ر أضرت بالاقتصاد بشكل عام والعملة التركية والمستثمري­ن بشكل خاص.

يقول اردوغان أنه العدو الأول لأسعار الفائدة ويهاجم بشــكل متكرر ما يصفه بـ»لوبي الفائدة» الذي يلقي عليه باللائمة في الكثير من الصعوبات الاقتصاديـ­ـة التي تمــر بها البلاد، كمــا يؤمن أن رفع أســعار الفائدة هو ما يؤدي إلى رفع نســبة التضخم، مشــدداً على أن التضخم نتيجة وليس سبب، وهو ما يختلف معه معظم الاقتصاديي­ن في تركيا وخارجها الذين يدعون لرفع أسعار الفائدة لخفض التضخم.

ومنــذ وصوله إلــى الحكم عام 2003، ســعى اردوغان عبــر الحكومات المختلفة التي ترأســها أو من خلال موقعة في الرئاســة للضغط بشــكل دائم علــى وزراء الاقتصاد والبنــك المركزي من أجــل خفض أســعار الفائدة، وهاجــم على مدار العقدين الماضيين العديد من رؤساء البنك المركزي الذين قاوموا الضغوطات ورفضوا خفض أسعار الفائدة.

وبعدما منحت التغييرات الدستورية الأخيرة بموجب النظام الرئاسي الرئيس صلاحية تعيين رئيس البنــك المركزي، تدخل اردوغــان أكثر من مرة وغيّر رئيس البنك المركــزي وهو ما اعتبرته أوســاطاً محلية ودولية تدخلاً مباشــراً من قبل الرئيس والحكومة في استقلالية البنك المركزي.

إلا أن اردوغان يرد على ذلــك بالقول إن على البنك المركــزي العمل بما يتلاءم مــع التوجهات الاقتصادية للرئيس لا العمل بمنعزل عنه.

ومع تصاعد الاضطرابــ­ات في المنطقة، وزيادة تأثيرات الأزمة الســورية علــى الداخل التركي، وتعاظم الخلافات والصراعات في المنطقة والتي انخرطت فيها تركيا، ومع حدوث محاولة الانقلاب عام 2016، عاد الاقتصاد التركي ليواجه تحديات غير مســبوقة أعــادت الاضطراب بشــكل كبير إلى أســعار الفائدة والتضخم وتحــول منحنى الانخفاض الذي انتهجه اردوغــان على مدار 15 عاماً إلى التذبذب بقوة.

فبعــد أن أضطر إلــى رفع الفائــدة مجدداً إلى قرابة 25٪ للسيطرة على الانخفاض الحاد جداً في أســعار صرف الليرة التركيــة، وخلال تولي صهره براءت ألبيــرق وزارة الخزانــة والمالية، أجبر اردوغان البنك المركزي على خفض أســعار الفائدة لمســتويات جديدة غير مسبوقة، فبعد أن وصل ســعر الفائدة في تركيا إلى 25٪ تمكن من خفض هذه النسبة إلى أقل من 10٪ مجدداً.

لكــن ومــع تعاظــم التحديــات الاقتصادية، وانخفاض العملــة التركية لمســتويات تاريخية غير مسبوقة، والاستقالة الغامضة للوزير ألبيرق العــام الماضــي، اتخذ اردوغــان قــراراً بإجراء إصلاحات اقتصادية وعين وزيــراً جديداً للمالية قبل أن يعيد تغيير رئيس البنــك المركزي، مانحاً إيــاه صلاحيات للقيــام بأي خطــوات يمكن أن تســاعد في الســيطرة على الانخفاض الحاد في قيمة العملة التركية.

وكان رفــع ســعر الفائــدة هو الخيــار الأول للرئيــس الجديــد للبنــك المركــزي، رغــم وعد اردوغان ووزيــر المالية ورئيــس البنك المركزي في تصريحات مختلفة بتعزيز اســتقلالي­ة البنك المركزي وتشــديد السياســة النقدية في محاولة لإعادة ثقة المستثمرين بالاقتصاد التركي.

ورغم الاعتقاد العام بأن اردوغان منح الرئيس الُمقال للبنك المركزي الضوء الأخضر لرفع أســعار الفائدة للســيطرة على التضخــم وتراجع قيمة الليرة التركية، إلا أن الإقالــة المفاجئة له أضافت مزيد من الغموض على الإدارة الاقتصادية للبلاد ودفعت نحو مزيد من عدم الاستقرار، حيث ينتظر المســتثمر­ون لمعرفة مــا إذا كان الرئيس الجديد للبنك سيحافظ على أسعار الفائدة الحالية أم أنه سيتجه إلى خفضها، وهو ما يتوقع أن يؤدي لمزيد من الصعوبات الاقتصادية للعملة التركية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom