Al-Quds Al-Arabi

الوسط العربي في إسرائيل... من برنامج وطني إلى البحث عن الأمن الشخصي

- جاكي خوري

■ إذا تقدم الجمهور الإسرائيلي نحو يوم الانتخابات وهو متعب ومرهق، ولا يتوقــع أي تغيير جوهري، فإن صورة الوضع فــي المجتمع العربي عشــية الانتخابات أصعب بكثير. قبل ســنة تقريباً أظهر هذا الجمهور دعماً واضحاً للقائمة المشــتركة بمكوناتها الأربعة، 87 في المئة مــن إجمالي المصوتــن العرب. كانت نســبة التوقعات مرتفعــة، وكان المرشــحون والأجــواء العامة تبث جو تغييــر. وإن توحيد الصفــوف بين الأحــزاب العربية ووقوف مرشــح رائد، وهو بني غانتــس، أمام نتنياهو وفــرت روح داعمة ترجمــت إلى مقاعــد. هكذا وصلت القائمة المشتركة إلى رقم قياسي هو 15 عضو كنيست.

شعار الانتخابات «يجب إســقاط نتنياهو» ظهر في حينه قابلاً للتحقــق، وإمكانية أن يحدد ممثلو الجمهور العربي أجندة جديدة لحكومة إســرائيل ويؤثرون على قــرارات جوهرية، تحولت للحظة إلــى أمور ذات صلة. وقال الساذجون «ها قد جاء الأمر»، واعتقد المتشائمون أن الأمر لن يصمد. وبعد بضعة أســابيع انفجر كل شيء إلى شــظايا، وتبدد حلم التغيير في لحظة وبدأ الجميع يبحثون عن أعذار.

ولكن كانــت هناك حقيقة واحــدة واضحة، وهي أن دولة إسرائيل غير ناضجة بعد لعملية دراماتيكية يمكن للعرب فيها تحديد جدول أعمال سياسي لدولة إسرائيل. سيناريو حكومة رابين التي اعتمدت على خمسة أعضاء عرب في الكنيســت، لن يتكرر، وليس لهذا شرعية لدى الجمهور الإســرائي­لي. يمكن للوســط واليسار البحث عــن أعذار حتى الغد، وكل هذا لن يقنع الجمهور العربي. الغضب وخيبة الأمل لم يتأخرا في المجيء.

رئيس حــزب راعم، منصــور عباس، اســتغل هذه الأجواء وبحث عن تغيير. «لســت في جيب أحد»، أعلن

مــن فوق المنصــة. «لا في اليمين ولا في جيب اليســار». الحديث عن الاتصــالا­ت بين منصور عبــاس ونتنياهو وجد تأييــداً على الأرض، مثل رســائل إيجابية انتقلت بين مكتب رئيس الحكومة وعباس، أو مشــاركة نتنياهو في جلسة لجنة الكنيست الخاصة لاجتثاث الجريمة في المجتمع العربي برئاســة عباس. هكذا تم تمهيد الطريق لانفصــال عباس عن القائمة المشــتركة وعــن أصدقائه في القائمــة، أيمن عودة وأحمد الطيبي. مســألة حقوق المثليين التي وصلــت بصعوبة قبل ذلك إلى الوعي العام في الوسط العربي تحولت إلى الموضوع الرئيسي الذي تتصادم حوله مكونات القائمة المشتركة.

حبة البطاطا الســاخنة هذه شكلت في الأساس مادة للتصادم في الشبكات الاجتماعية، لكنها ليست بالمسألة التي تخــرج الناس إلى الشــوارع، خلافــاً للعنف في المجتمع العربي. وتحولت أحــداث إطلاق النار وحالات القتل إلى أمر روتيني. في الوقت نفســه، تطبيق قانون «كمنتس» الذي يشــدد العقوبة على مخالفات البناء في القرى العربية يشــعر به مئات آلاف المواطنين، إذ اضطر عشرات الأشخاص إلى هدم ما بنوه، وزادت موجة الهدم في النقب، بالذات عندما ضربت كورونا كل الدولة.

إذا كان قادة الرأي في المجتمع العربي قد جلسوا قبل 15 ســنة وصاغوا وثائق الحلم التي تحدثت عن حقوق وطنية ورؤية اســتراتيج­ية على المدى الطويل بالنسبة لمكانتهم في الدولة، فإن المواطــن العربي اليوم يفحص مكانته في المقام الأول في أمنه الشــخصي، التشــغيلي والصحي. أُزيــح الخطاب الوطني جانبــاً. وإن «صفقة القرن»، ودولة فلسطينية في حدود 1967 وحتى قانون القوميــة، كل ذلك تم اســتبعاده من الخطــاب. هكذا تم تمهيد الطريق لليمين وعلى رأســه نتنياهو للتحدث مع الجمهور العربي. وإذا كان نتنياهو يستطيع فإن الجميع يستطيعون.

جميع الأحزاب بحثت عن المرشح العربي الذي يمكنه

جلب أصوات. وتحول المجتمــع العربي ليصبح مخزون الأصوات الرئيســي، وكل حزب طــرح برنامجاً خاصاً به لمكافحة العنف ومشــكلات الجمهــور العربي المدنية. تبنــى نتنياهو الاســم المحبب «أبو يئير»، وســارع إلى تمرير قرار بكلفة في الحد الأدنى هي 150 مليون شــيكل لمكافحة العنف. مع ذلك يجب إعطاء العرب شــيئاً ما، كل ما تبقى، بعد الانتخابات. بالنســبة له، هذا يكفي لجلب المزيد من الأصوات. وطالما أنه لا يواجه مسائل جوهرية أمام الجمهور العربي، فيمكن حل كل شيء بالمال أو بقرار آخر إداري، مثل تجميد قليل لقانون «كمنتس». ولن يغير شيء النظام العالمي أو يحسن مكانة المواطنين العرب في إسرائيل.

مــن ناحيتهــم، لا فرق بــن اليمين واليســار. حتى الانتخاب المتوقع لمصلحة بن غبير للكنيســت لا يحظى بنقاش معمق في أوســاط الجمهــور العربي. وإذا كانت القائمة المشــتركة بكل مكوناتها قبل ســنة قد سعت إلى زيادة تمثيل وتأثيــر ناخبيها، فالتوجه الآن هو إقناعهم مرة أخرى بالخروج والتصويــت. هناك من يقولون إن هذه المنافســة تشــجع على التصويت، هذا صحيح في مناخ سياسي طبيعي، لكن ليس في ربيع 2021.

تتميز الجولــة الانتخابيـ­ـة الحالية بغيــاب نقاش سياســي عميق، والتركيز على خطاب ضحل وشخصي. والقضايا التي تعدّ حقوقاً أساســية في دولة سليمة مثل الأمن الشخصي والســكن وميزانيات للتطوير، تحولت لتصبح أداة تصادم سياسي وانتخابي. المواطن العربي الذي جاء إلى صندوق الاقتراع في وقت ما وفكر بمفاهيم القومية وتقرير المصير وتحســن مكانتــه الاجتماعية، يدخــل الآن وراء الســتارة وهو مضروب ومشــوش، ويتطلع إلى أمنه الشخصي والتشغيلي وسقف يحميه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom