Al-Quds Al-Arabi

بعيداً عن منصور عباس وألاعيب نتنياهو.. القائمة المشتركة: البحث عن الخبز لن ينسينا مأساتنا وكرامتنا

- عودة بشارات

■ إذا اعتمدنــا على قنوات التلفاز، يمكننا الذهــاب للنوم؛ لأن رئيس حكومة، اسمه بنيامين نتنياهو، قد انتخب بالفعل. ومثلما قيل «لا يطلب منك التفكير، فنحن نفكر عنك، وما عليك سوى أن تأكل وتشرب وتنام».

ولكن الجماهير العنيدة لم تســتمع لنصيحة أبواق الحكومة، ولم تكتف بالأكل والشرب والنوم. لقد جاءوا بعشرات الآلاف إلى بلفور من أجل التخلص من الزعيم المشــهور، الذي يتصرف وكأنه رجل آلي ويكرر إجابات ليس لها صلة بالأســئلة. وإذا سألت نتنياهو عن «مي تو» فسيقول لك إن يئير لبيد كان وزير مالية غير جيد. انتهت الألاعيب ولم يبق في كيس الســاحر المثقوب سوى «سماعة بائسة». ها هو يتوج لبيد مرشحاً لرئاسة الحكومة، وفي المقابل يشترط إجراء المواجهة معه بأن يعلن لبيد عن نفسه بأنه مرشح لرئاســة الحكومة. هناك قصة عن ولد توجه إلى شــخص بالغ وســأله: «أنت من الصين؟»، أجاب «لا». وفي كل مرة يكرر السؤال يحصل على الإجابة نفســها، إلى أن سئم الرجل وقال للولد: «نعم، أنا من الصين. ماذا تريد؟». فأجاب الولد بوقاحة: «لمَ لا أرى عينين ضيقتين كالصينيين؟».

في الحقيقة، ما هذه الوقاحة يا لبيد، كيف سيقف نتنياهو أمامك لمواجهة ما إذا لم تكن مرشحاً لرئاسة الحكومة؟ هذا هو نتنياهو الجديد، يضع فرضية ويريد من الواقع أن يلائم نفسه بحسبها.

في هذه الأثنــاء قرر منصور عبــاس، رئيس راعم، «اســتغلال» نتنياهو كما اســتغله بني غانتس وشــاؤول موفاز، وبعد ذلــك رماهما. الســؤال المقلق هو: أين ســيضبط عباس نتنياهو كي يســتغله. لأن نتنياهو كالزئبق يغير شكله في كل لحظة معطــاة. وها نحن، كيف لم نلاحظ أن قانــون القومية لم يأت للإضرار بالمواطنين العرب، بل جاء موجهاً ضد طالبي العمل الأفارقة، حسب ادعاء نتنياهو

فــي مقابلة مع صحيفــة «كل العرب». يبدو أن هذا الكذب الفــظ لن يزعج منصور عباس، الذي قال قبل ذلــك برحابة صدر: «لكنه، أي قانون القومية، لا يحرمنا من المواطنة».

في قنــاة الكنيســت، كان المذيع نداف اليميلخ ســأل عبــاس إذا كان يزعجه الجلوس مع سموتريتش، فأجاب عباس: «من يأتينا ويساعدنا ويساعد مجتمعنا سنذهب إليه». لم يتأخر العرض المناســب، وأعلن سموتريتش: «منصور عباس يمثل ديناً إرهابياً». ولو أن شــخصية رفيعة في الولايات المتحدة تحدثت بشــكل مشابه ضد الديانة اليهودية فلن تبقى في منصبها دقيقة واحدة.

فــي ظل الصدمة من مغازلــة نتنياهو وردود فعل رئيس الحكومة المتغطرســ­ة والمتعالية، الذي هو غير مستعد لقبول أي دعم من «راعم»، إضافة إلى تصريحات شركائه الطبيعيين، سموتريتش وايتمار بن غبير، أتذكر جملة «الكرامة الشخصية روحك الثانية، حافظ عليها حتى لا تموت مرتين».

هكذا كانت طريقنا دائماً مختلفة عن طريق عباس، حتى في الأيام الصعبة، في سنوات الخمسين المظلمة. تظاهر آباؤنا أمام مقرات الحكم العسكري وهتفوا «خبز وعمل». وكتبوا ليلاً على الجدران شــعارات تنادي بعودة اللاجئين الذين طردوا بالأمس. لم ينسهم نضالهم في الحصول على رغيف الخبز تلك الكارثة التي نزلت على أبناء شعبهم، ولم ينتزع من قلوبهم تفاخرهم القومي.

أمس قررتُ الخروج من زنزانة قنوات التلفاز، ووزعتُ والعشــرات من مؤيدي القائمة المشــتركة في قريتي، برامج القائمة. كان ينتظرنا جو نقي وســماء زرقاء ووجوه مبتسمة، تلقوا توجهنا لهم بمحبة وقالت نظراتهم بدون كلام «سنواصل».

ومن يســأل نوضح له: عنوان بيتنا لم يتغير. سنواصل بقامة منتصبة طريق الأجيال السابقة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom