Al-Quds Al-Arabi

رهان إسرائيل للإفلات من الجنائية الدولية

- نزار السهلي ٭ كاتب فلسطيني

قــرار المحكمة الجنائيــة الدولية قبول ولايتهــا القضائية على الأراضي الفلســطين­ية المحتلة، ومن ثم المباشرة بفتح تحقيق عن الجرائم المرتكبة من قبل قادة الاحتلال الإسرائيلي على المستوى الأمنــي والسياســي، هــو مبدأ أساســي من مبــادئ الإجراءات الجنائيــة «التي من دونها لا يمكن للمــرء أن يتحدث عن العدالة» وتجعــل إمكانية التمييز بين العدالة والظلم، في وضع فلســطين بالنســبة للمحكمــة الجنائيــة غير محصــور «بالقــرار القضائي الاســتثنا­ئي» بل واجــب المحكمة بالوفــاء لنظامها الأساســي، وولايتهــا بإقامــة العدل علــى مبــادئ العدالة الدوليــة واختبار مباشر لمصداقيتها في حماية الضحايا.

رؤية مشوهة للقانون الدولي

ويتضــح مــن الهجمــة الإســرائي­لية الأمريكية الشرســة على المحكمــة وقرارهــا، الفاعليــة المهمــة لدورها على الأقــل بتوجيه أصابع الاتهام لقادة وضباط وجنود إســرائيلي­ين بمسؤوليتهم عن جرائم الحرب والابادة في فلسطين.

الرؤية الإســرائي­لية لانضمام الســلطة الفلســطين­ية للمحكمة الجنائية الدوليــة والتوقيع على معاهدة رومــا، وفق الأكاديمية الإســرائي­لية «يائيل غفيرسمان» المتخصصة في القانون الدولي في جامعة تل أبيب، هي «عقوبة وثمن لمسار سياسي إسرائيلي» طويــل نجم عنه جرائم كثيرة، ولا تقوم الخطوة الفلســطين­ية في اتجــاه المحكمة من وجهــة نظر إســرائيلي­ة على مســألة قانونية مستمدة من مفاهيم الســام والأمن و»العدالة» بالمعنى الواسع، يُنظر إليها محكمة مشبوهة ومسيســة، إذا تعلق الأمر القضائي بالبحــث عــن جرائم إســرائيل، وهي «عظيمــة» اذا أقــرت بعيداً عــن جرائم الاحتــال ونصت علــى البحث «عن محرقة الشــعب اليهــودي». إن الســؤال القانونــي للمحكمة هو سياســي، وغير بعيد عن التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني.

تعتبــر إســرائيل المحكمــة الجنائيــة الدولية، منذ تأسيســها «انحرافــا» عن مســار يعتبر الضحيــة الإســرائي­لي أو اليهودي المضطهــد بالنازية هــو «الضحية الأولى» الواجــب التركيز عليه دون غيــره، نظرة اســتعلائي­ة وعنصرية قائمــة على الإفلات من العقــاب إلى ما لا نهاية، وخروج عن القواعد الأساســية للقانون الدولي الــذي تنتهكه كل لحظة ضد الشــعب الفلســطين­ي، وإذا ما قيســت الجرائم الإســرائي­لية مع ما تعتبــره المحكمة الجنائية «لجرائم» فلســطينية كانــت تدفع لصد جرائــم الاحتلال، فإنها لا تذكــر بضخامــة مأســاة الفلســطين­يين وإغراقهــم بجرائم لا حصر لهــا، مــن مصــادرة الأراضــي، وزرع الاســتيطا­ن، وهدم البيــوت، وابتلاع الأرض بجــدار الفصل العنصــري، إلى قوانين الاعتقال الإداري، والإعدام الميداني، والقصف العشوائي للمدن والقرى الفلســطين­ية، والاقتحاما­ت والحصار، وتقطيع أوصال المــدن والبلدات بحواجز عســكرية، فضلاَ عن التحكــم في المياه والاقتصاد والكهرباء والغذاء والدواء، فإننا أمام دولة عنصرية وفاشية يقودها مجرمو حرب بامتياز حسب التعريف القانوني لهــذه الأفعــال، ومــا الارتعــاد والخوف مــن المحكمــة والهجوم العنيف عليها، إلا تأكيد على قناعة إســرائيلي­ة للتســلح بالهجوم علــى كل القــرارات الدولية التــي تدين ممارســات دولة الفصل العنصري.

موقف فلسطيني فعال

الترحيب الفلســطين­ي بوصاية المحكمة على الأراضي المحتلة، والبدء بالتحقيق بجرائم الحرب، لا تكفي لإقرار العدالة لضحايا الاحتلال الإسرائيلي.

القائمــة الطويلــة للتجربــة المريــرة مــع القوانــن والقرارات الدوليــة المتعلقــة بالقضية الفلســطين­ية، تتطلب ما هــو أكثر من الترحيــب مــن خــال العمــل الفاعــل، خصوصا بغيــاب الجهد العربي المنقســم بعضه بمعاداة المحكمة والاصطفاف في خندق الاحتلال، وجــزء آخر يمارس جرائم غير بعيدة عن التي أصابت الفلســطين­يين من أنظمة عربية تحارب شعوبها والعدالة الدولية

للنجــاة مــن العقاب، وهــذا يدفع للتســاؤل مع اجتمــاع الوزراء العرب الأخير في مقر الجامعة العربية عن إشارة الترحيب بقرار المحكمة الجنائية مع اســتعادة شــكلية لديباجــة أولوية القضية الفلســطين­ية الــذي اعتبــره أمين عــام الجامعة أحمد ابــو الغيط «انجازا مميزا في عهده» برضا الطرف الفلسطيني.

خطوات عربية

دون خطــوات عربيــة على الأرض، تجســد أولويــة الوقوف جانب الضحايا، وتسمح بإشاعة أجواء مريحة للتعبير عن الألم وتخفيف الحصار والمعاناة، ودون تجهيز ملفات عربية تســاهم بإدانة الاحتلال أمام الجنائية الدولية، ســيكون الإجماع العربي على أولوية القضية، عودة فعلية لسياسات الطعن المستمر بظهر الفلسطينيي­ن، كما ظهر في الأعوام الماضية.

الإجابــة تبقــى لدى الطــرف الفلســطين­ي في بيتــه وخيمته، وقراره فــي حماية مشــروعه الوطني, على الأقل هــذا ما يأمله الشــارع الفلسطيني المنتظر عدالة دولية تنصفه، بحضور أولوية عربيــة تتآمر عليه وعلى أشــقائه، وهو ما تراهن عليه إســرائيل للإفلات من العقاب بمساندة أمريكية وعربية تُبقي طريق العدالة وعرا لا يَبلغ الضحية نهايته.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom