Al-Quds Al-Arabi

مسلمو فرنسا أمام قيم جمهورية ذات حدين

-

■ عمــت العديــد من مــدن فرنســا الكبــرى، خاصة العاصمة باريس، مســيرات مناهضة للقانون الذي بات يُعرف باســم «مبادئ تعزيز احتــرام القيم الجمهورية» والــذي شــاع أولاً تحت مســمى «مكافحــة الانفصالية الإسلامية» وتبدلت تسمياته مراراً وبقيت مثيرة للجدل منذ إطلاقــه بمبــادرة من الرئيــس الفرنســي إيمانويل ماكرون خلال خطبة ألقاها مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وقال فيها إن الإسلام يعيش أزمة.

وكانــت الجمعيــة الوطنية قــد أنهت مناقشــة بنود القانــون واعتمدته مــن دون عناء بالنظــر إلى أن حزب ماكرون يتمتع بالأغلبية فيه، كما توافق عليه مع أحزاب اليمين واليمين المتشدد، ومن المنتظر أن يُحال خلال أيام إلى مجلس الشــيوخ لإقــراره نهائياً. ومــن المعروف أن القانون يفرض رقابة لصيقة على المســاجد والجمعيات والمــدارس التي تتبــع للجاليات المســلمة، أي على قرابة 5.7 مليون نســمة ونحو 8.8٪ من السكان، والشروط تشــمل التضييــق على تعليــم الأطفــال، والالتــزا­م بما يســميه القانون القيــم الجمهوريــ­ة والعلمانيـ­ـة، ومنع المرضى من اختيار أطبائهم لاعتبارات الدين أو الجنس، وسوى ذلك.

ومــن المعــروف أن الدافــع الأول وراء التعجيل بهذا المشــروع كان الجريمــة النكــراء التــي ارتكبهــا مهاجر شيشــاني وأودت بحيــاة مــدرس فرنســي لأنه عرض فــي قاعة الــدرس رســوماً كاريكاتوري­ة مســيئة للنبي، وأعقبتهــا حادثــة طعــن داخــل كنيســة قُتــل خلالهــا ثلاثــة أشــخاص. لكن المشــروع الذي يعلــن تعزيز قيم الجمهوريــ­ة والانضبــا­ط بالقوانين ســرعان مــا انقلب إلــى ســاح إيديولوجــ­ي اســتخدمته القــوى المحافظة ومجموعــات اليمين المتطرف للنيل من المســلمين بصفة محددة، ومعهــم المهاجرون عموماً، ممــا أتاح المزيد من

هوامش تصعيد الخطابات العنصرية وتسميم الأجواء الاجتماعية والإنسانية أكثر فأكثر.

ولم يكن خافياً على أحد أن الرئيس الفرنســي سوف يركــب هذه الموجة تحديداً، لســبب أول هــو أن الحديث عن الإســام من باب تهديد القيــم والثقافة والدين ليس واســع الرواج في الغرب بصفة عامة فقط، بل هو أيضاً مدخل كبير لصناعة شــعبية التيــارات والقوى اليمينية المتشــددة والعنصريــ­ة. ولأن منافــس ماكــرون الأول في الانتخابات الرئاســية العام المقبل ســوف يأتي من صفوف هــذا اليمــن تحديداً كمــا ترجح اســتطلاعا­ت الــرأي، فإن تركيز قصر الإليزيه على مشــاريع وقوانين مثل هذه سوف يكون أمراً متوقعاً وتحصيل حاصل.

القانون مع ذلك وضع مســلمي فرنسا أمام قيم ذات حدين لأنه دفع عشرات المساجد والجمعيات الإسلامية إلــى رفضــه مــن زاوية لــم تكــن الحكومــة الفرنســية تتوقعها، أي تفكيك مؤسسة «المجلس الفرنسي للعبادة الإســامية» الذي كان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي قد حرص على إنشائه بهدف تأطير الأنشطة الإســامية بصفة عامة، والرقابة على المساجد والأئمة بصفــة خاصة. وكان أقلّ من 8٪ من مســلمي فرنســا يعترفــون بشــرعية تمثيلهــم مــن جانــب المجلــس، أما اليوم وفي ضوء مشــروع القانــون الجديد فقد خرجت عنه رســمياً مئات المســاجد وعشرات مدرّســي الديانة الإسلامية ورؤساء الجمعيات والطلاب.

لا خــاف حــول واجــب الأئمــة والدعــاة فــي حــثّ المسلمين على الالتزام بالقوانين المرعية في البلدان التي لجــأوا إليهــا، ولا خلاف أيضــاً على واجب الســلطات المضيفــة فــي أن تراعــي تطبيــق القانون علــى الجميع بالتســاوي، وليس الكيل بمكيالــن والمفاضلة بين دين وآخر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom